ما يمنعه بعض ‘الحياء الدبلوماسي’ من الظهور على ألسنة المسؤولين الأمريكيين يمكن أن يتكفل به مسؤولون سابقون دون حرج. هذا نزر مما قاله لوسائل إعلام أمريكية بعض هؤلاء عن الاجتماع المحتمل بين الرئيسين الأمريكي و الإيراني على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة:
نويت غنغريتش رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق: ‘الاجتماع بالرئيس الامريكي هو ميزة كبيرة جدا لأي شخص يتعرض لعزلة… إذن على ماذا سنحصل من هذا الاجتماع؟ الصور؟ ماذا سيقدم لنا روحاني ؟ علينا أن نختبره قبل اللقاء، وأعتقد أنه منذ عهد أيزنهاور حتى عهد ريغان ترسخ عرف واضح جدا وهو أن الحصول على مقابلة مع الرئيس الامريكي يتطلب تقديم شيء ما’.
روبيرت رايخ وزير العمل الامريكي السابق والأستاذ بجامعة كاليفورنيا: ‘العرف المتبع في الدبلوماسية هو أن لا يتم إجراء مقابلة وجها لوجه بين كبار المسؤولين كبداية، بل ينبغي أن يبدأ الأمر بالترتيب للاتفاق وتحديد ملامح هذا الاتفاق بشكل واضح ثم تأتي بعد ذلك المقابلة وجها لوجه لتأكيد هذا الاتفاق، وهذا هو الذي يجب أن يتم قبل أي لقاء بين أوباما وروحاني’.
آرون ديفيد ميلر المستشار السابق لدى الخارجية الأمريكية ومن أقرب مساعدي دنيس روس لسنوات: ‘الرئيس باراك أوباما يستطيع أن يبتسم بوجه روحاني ويصافحه أمام الكاميرات إذا تم اللقاء، لكن هذا لا يعني بداية مفاوضات جدية، فربما يكون مجرد بداية لعملية طويلة، والسؤال هو هل ستتمكن امريكا من وضع إطار زمني لاختبار نوايا إيران’، قبل أن يضيف أنه لا يؤمن بالتحولات في هذه المنطقة من العالم وإنما بالصفقات واتفاقات الأعمال. ويعتقد ميلر أن المطلوب من أمريكا وحلفائها هو مواصلة الضغط على إيران بالشكل الذي يرفع مستوى كلفة برنامجها النووي من عقوبات اقتصادية وعزلة دولية، وفي الوقت ذاته التثبت مما إذا كان روحاني مستعدا فعلا لإبرام ‘صفقة’ مع واشنطن.
الواضح من كل ما سبق أن المزاج العام الآن لدى جزء كبير من الطبقة السياسية الأمريكية، بما فيها الحاكمة بالتأكيد، باتت تعتقد أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران أنهكتها فعلا فهي تعاني حاليا تضخما بلغت نسبته 30′ ومعدل بطالة وصل إلى 20”، كما أن التهديد باستخدام القوة العسكرية ضد سوريا قد هز طهران، رغم كل ما يبدو على السطح من عكسه، مما يوحي أن كل ذلك قد يكون دفع الإيرانيين إلى نقطة أصبحوا معها مهتمين بإبرام صفقة ما مع واشنطن.
هنا، يبقى السؤال الأبرز هو ما الذي يمكن أن تقدمه طهران التي لن تتخلى طبعا عن برنامجها النووي حتى وإن لم يعد بإمكانها أن تمضي فيه إلى النقطة التي تريدها، خاصة وهي ترى أربع دول هي كوريا الشمالية وباكستان والهند وإسرائيل قد سبقتها إلى حيازة السلاح النووي دون أن يفلح المجتمع الدولي في الحؤول دون ذلك؟ مبدئيا، يمكن لإيران أن تقدم المزيد من الضمانات الخاصة بنواياها النووية وإخضاع منشآتها للتفتيش الدولي المنتظم، ولكن قد لا يكون هذا كل شيء فالأمريكيون يعلمون قبل غيرهم أن هذا البرنامج ليس بالشكل المخيف الذي يصوره الإسرائيليون لأغراض أخرى، كما أنه ليس بذلك الخطر الوشيك حتى لو افترضنا جدلا أن التقدم فيه يسير بخطى علمية واثقة.
ما يمكن أن تقدمه طهران قد يتعلق، على الأرجح، بالملف السوري في المقام الأول في ضوء دعمها اللامحدود لنظام الأسد، وقد يكون ذا علاقة بالعراق ولبنان وحزب الله وحماس خاصة جماعة غزة، أي أن الثمن الذي قد تدفعه طهران سيكون على الأغلب من جيوب غيرها، حتى وإن كان من باب التكهن المغامر تحديد هذا الثمن بالضبط. لم يعرف عن طهران أنها تقدم أوراقها مجانا وبسهولة ولكن في كل الأحوال عليها أن تبدأ في الاستعداد جديا لدفع أثمان مختلفة من الآن.
اللقاء برئيس أمريكي لأول مرة منذ القطيعة بين البلدين عام 1979 ليس في وارد أبدا أن يكون ضمن ‘موسم التنزيلات’، حتى وإن شرع مريدو الممانعة من الآن في البحث عن انتصارات وهمية أو حقيقية من وراء هذا اللقاء المحتمل.


