خبر : الربيع الروسي !! ...بقلم: هاني حبيب

الأحد 22 سبتمبر 2013 09:45 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الربيع الروسي !! ...بقلم: هاني حبيب



هناك متغيرات عديدة طرأت على منطقة الشرق الأوسط جراء الحراك الشعبي الذي بات يُعرف بـ "الربيع العربي" أنظمة حكم سقطت بالتوازي مع صعود قوى وأحزاب وتجمعات جديدة، طبقات وفئات اجتماعية برزت مع دور ريادي في هذا الحراك الشعبي، ومع أن المعطيات النهائية لهذا الحراك أو الثورة لم تتبلور بعد، إلاّ أن جملة المتغيرات أخذت تكتسب أبعاداً مؤثّرة في مستقبل المنطقة العربية.

وقد قيل مع البدايات الأولى لانطلاق "الربيع العربي" وامتداده من دولة إلى أخرى، أن مظاهر هذا الربيع، ستشكل "عدوى" تطال منطقة أوسع، وكانت أحداث "وول ستريت" في أميركا، ثم "ثورة الخيام" في إسرائيل، تشكل إحدى هذه الامتدادات التي طالت اسطنبول في الأشهر الأخيرة.
غير أن أحداً لم يتوقع، أن تطال هذه التأثيرات النظام السياسي الدولي على مستوى العالم، وإجراء تبدلات حقيقية في الخارطة السياسية الدولية، وتعديل واضح في مراكز التحالفات والنفوذ على مستوى إدارة العالم، الأمر الذي فرض، أو ينبغي أن يفرض تعديلاً واضحاً على ميزان القوى الدولي، نتيجة لهذا "الانقلاب" الذي شمل القوى الدولية المتراجعة في مواجهة مع القوى الدولية الصاعدة أو على الأقل التي تعود إلى مواقعها السابقة.
لحظة هذا الانعطاف الهام في السياسة الدولية قد شهدناها منذ وقت ليس بالقصير، ذلك أن "الانزياح"، في التأثير الدولي قد بدأ مع الموقف الغربي بريادة أميركا تجاه البرنامج النووي الإيراني، وبروز الدور الروسي في لجم التأثير الغربي على المؤسسات الدولية، خاصة مجلس الأمن، إزاء هذا الملف، في حينه ظهر "الدب الروسي" وكأنه يحاول جاهداً مواجهة التفرد الغربي بقيادة أميركا للعالم، لكن ذلك لم يكن كافياً للحد من سيطرة القوى الغربية على رسم السياسة الدولية، خاصة فيما يتعلق بالمنطقة العربية تحديداً، بالرغم من أن هذه السيطرة، أوقعت الولايات المتحدة الأميركية في فخاخ وأوحال هذه المنطقة الحيوية لمصالحها، كما حدث في العراق تحديداً، وكانت هذه الفخاخ، سبباً في عجز الإدارة الأميركية عن تكرار هذه السقطات والتدخلات العسكرية المباشرة.
التصويت الروسي لصالح التدخل الغربي في "الربيع الليبي" في مجلس الأمن، شكل السقطة الرئيسية لموسكو في سياق عودة دورها المؤثر إلى المنطقة من خلال الانضمام إلى المعسكر الغربي، لكن هذه السقطة هي التي دفعتها وبررت لها اتخاذ موقف مناقض للموقف الأميركي فيما بعد، كما حدث ويحدث الآن إزاء الملف السوري.
إلاّ أن اللحظة الأكثر تأثيراً في هذا السياق، جاءت من خلال الملف المصري، ومن دون أي فعل حقيقي من جانب موسكو، ذلك أن فشل السياسة الأميركية التي راهنت على جماعة الإخوان بعد أن شجعتها على الوصول إلى سدة الحكم، ثم انهيار هذا الحكم بفضل الثورة التصحيحية في 30 يونيو، أربك إدارة أوباما بعد صدمتها من سرعة تراجع دورها في المنطقة انطلاقاً من جمهورية مصر العربية، اعتبرت واشنطن أن ما جرى هو انقلاب أو أقرب إلى الانقلاب، وهددت بقطع المساعدات واتخذت إجراءات عقابية، ردت عليها القاهرة بصلابة مستفيدة من الموقف الروسي الذي ظل ينتظر ـ ولا يزال ـ العودة الكبرى إلى المنطقة من البوابة المصرية.
الإدارة الروسية، انتقلت من دور المنتظر لفشل السياسة الأميركية، ليصبّ ذلك لصالحها، إلى دور "إفشال" السياسة الأميركية، من الانتظار إلى الفعل، وظهر ذلك بوضوح لا يقبل الشك إزاء التعامل مع الملف السوري، الولايات المتحدة وكل النظام الغربي مع دعم كامل من بعض الدول العربية، وقفت إلى جانب الحراك الثوري السوري، على الصعيد الدولي وقفت موسكو ومعها طهران إلى جانب النظام القائم، وكأنما المواجهة على الأرض السورية ما هي إلاّ حرب دولية، وهي كذلك بالفعل، عدم قدرة الولايات المتحدة وتحالفاتها على إسقاط نظام الأسد، حتى الآن، ساعد في بلورة دور ونفوذ روسيا في المنطقة، باعتبارها قادرة على لجم السياسات والمصالح الأميركية.
تؤرخ مجلة "الايكونومست" البريطانية تبلور النفوذ الأميركي في المنطقة العربية في حقبة السبعينيات، بنجاح الولايات المتحدة في إبرام اتفاق وقف اطلاق النار بين مصر وسورية من جهة وإسرائيل من الجهة الثانية، ورعاية الاتفاقات التي جرت فيما بعد، واليوم تقود موسكو "الاتفاق الكيماوي" بين الشرق والغرب، لتخطف من التحالف الأميركي دوره في التأثير على مسارات المنطقة، الضمان الروسي لتنفيذ هذا الاتفاق، جعل من موسكو، الاستقطاب الوحيد القادر على رسم السياسات في الخريطة السياسية للمنطقة العربية، ذلك أن إدارة أوباما، تلقفت هذا الاتفاق باعتباره منقذاً لها، بعد الشلل الذي أصاب أداءها، بعدما تراجع الدور المناط بالحليف البريطاني التقليدي، واثر عجز إدارة اوباما عن نيل ثقة الكونغرس بخططه تجاه سورية.
لم يستعد الدب الروسي دور الاتحاد السوفياتي بعد، ولم يتراجع الدور الأميركي نهائياً من تأثيره على المنطقة، غير أننا نشهد تصدعاً في الخارطة السياسية الدولية التي تشهد مخاضاً عنيفاً بفعل مسارات "الربيع العربي"، المدهشة والمفاجئة، وما زال الوقت مبكراً للحديث عن تبلور مثل هذه الخريطة بشكلها النهائي!!
Hanihabib272@hotmail.com
www.hanihabib.net