خبر : مبارك وعرفات ...بقلم: د. محمد خليل

السبت 21 سبتمبر 2013 08:45 م / بتوقيت القدس +2GMT



حسني مبارك , الذي دخل في عامه السابع والثمانين ( ولد في 4-5-1927) والذي أجمع كل رجاله على أنه في سنوات حكمه الخمس الأخيرة على الأقل كان مغيبا عن كل شئ إلا بعض الاستقبالات البروتوكولية وافتتاح بعض المشاريع , بل وكان غير مسموح على الإطلاق إطلاعه على أي أخبار غير سارّة وهذا ما دفع عائلته و المحيطين لاخفاء مرض حفيده المقرب إلى قلبه ثم موته عدة أيام عنه , فلم يكن يقرأ بريدا أو يطالع صحفا أو يتابع الفضائيات إلا مباريات كرة القدم على شاشة ضخمة جدا , ناهيك عن مرضه والعمليات الجراحية التي إجراها والإغماءات التي كان يتعرض لها بين الحين والحين وكانت احداها على الهواء في مجلس الشعب , هذا الرجل العسكري المنضبط العنيد الذي قاد الضربة الاولى التي شلت قدرات العدو الاسرائيلي في حرب اكتوبر المجيدة 1973 عجز في أخر أيام حكمه أن يثني أحمد عز عن تزوير كامل للانتخابات البرلمانية 2010 وعن إثناء من حوله عن البدء الفعلي في توريث الحكم الى نجله جمال مما مهد الطريق الى ثورة يناير العظيمة , ولا دلاله من كل ما سبق أقوى من أنه فقد أهليته للحكم و للأسف جزء من أهليته العقلية , و جاءت الثورة وإجباره على التخلي عن الحكم خوفا على حياته وحياة أسرته - حيث لم تغب صورة تشاوسيسكو عن عينيه حين أجهزت عليه ثورة شباب رومانيا أمام كاميرات المصورين – لتجهز على البقية الباقية من قدراته.

و ما أن صدر بحقه حكم إخلاء سبيله من محبسة الذي احتواه أكثر من عامين ونصف حتى بدأ وصلة من الردح والشتائم طالت ليس فقط عرب وعجم ولكن بعض من كانوا يعملون تحت إمرته حتى نهاية حكمه . و جاءت كلماته في معظمها تفتقد الترابط والمنطق , بل و تؤكد جهله أو على أقل تقدير سوء تقديره للكثير من الأمور وهو القائم على مقاليد الأمور في مصر مما يزيدك يقينا في أنه لم يعد مدركا ما يقول , وجاء في هذا السياق اتهامه لرمز عربي فلسطيني عظيم هو الزعيم الخالد ياسر عرفات بأنه سرّب موعد حرب أكتوبر , و التاريخ يقول أن أحدا غير السادات و الأسد و المشير اسماعيل و الفريق الشاذلي كان يعلم ساعة الهجوم المصري , و مبارك وهو العسكري وقائد القوات الجوية في حرب اكتوبر كان يعلم ان اسرائيل كان لديها الكثير من المعلومات عن أن مصر قد تشن هجوما عليها في 6 أو 7 اكتوبر , دون تأكيدات أو يقين . و لو كان عرفات قد سرب موعد الضربة لاحتاطت اسرائيل و لواجهه الراحل العظيم انور السادات بذلك وهو الذي ظل للنهاية يحمل لعرفات حبا وتقديرا كبيرين , ولاستغل القطيعة بعد زيارته للقدس و الهجوم العربي الفلسطيني على مبادرته وأطلع شعبه على ذلك السر الذي يبدو أنه كان في أعماق مبارك وحده دون سائر بر مصر . بل ولماذا خرج مبارك بنفسه الى بورسعيد لاستقبال عرفات بعد مغادرته طرابلس 1983وكانت العلاقات المصرية العربية مقطوعة آنذالك , ومن ينس أن مبارك صاحب عرفات حتى حدود غزة مودعا له وهو في طريقه لاستلام سلطاته كرئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 !!! و مبارك هو الذي خصص قصر العروبة ثم قصر الأندلس خصيصا لأقامة عرفات فقط حين يزور مصر الذي استقبله رئيسها مبارك مئات المرات في سنوات حكمه الثلاثين , فكيف يفعل هذا الرجل كل ذلك مع من سرّب موعد حرب أكتوبر ؟!

لقد نسي مبارك أن اسرائيل نفسها التي قتلت عرفات والتي لم حرصات دائما على إفشاله واتهامه بالارهاب والفساد و اللاسامية و لم تجرؤ على اتهامه بخيانة أمته العربية و هي التي كشفت كل أسرار حرب أكتوبر . فهي تعرف جيدا وأكثر من مبارك وطنية عرفات وقوميته و بطولته و عشقه العظيم لتراب مصر و شعب مصر وجيش مصر الذي خدم في صفوفه .

قديما قالوا : إذا أخذ ما أوهب , أسقط ما أوجب .