إن اجتماع مرور اربعين سنة بعد حرب يوم الغفران والتفاوض الامريكي الروسي لحل الازمة في سوريا يمنحنا فرصة للنظر في سلوك روسيا آنذاك والآن. إن دروس تلك الايام مهمة جدا للولايات المتحدة ولاسرائيل.
إن نشرا مكررا للخبر عن اجلاء المستشارين السوفييت عن مصر وسوريا الذي التقطته اسرائيل قُبيل حرب يوم الغفران، حصر انتباهنا في اخفاقنا الاستخباري، لأن ذلك كان علامة شاهدة سافرة على نوايا الحرب علينا. إن الذي يغيب عن الخطاب العام في هذه الايام هو حقيقة أن الاتحاد السوفييتي علم أو قدّر باحتمال عال على الأقل أنه توشك أن تنشب حرب، لكنه لم يحرك ساكنا لمنعها. وهو لم يضغط على سوريا ومصر كي لا تخرجا للحرب، ومن المؤكد أنه لم يُحذر اسرائيل من الخطر المقترب.
في الاسبوع الاول للحرب أظهر السلاح الروسي نجاحا مدهشا في المواجهة مع الجيش الاسرائيلي، حينما تم القضاء على ثلث طائرات سلاح الجو بصواريخ ارض – جو وأُعطبت 800 دبابة بصواريخ ساغر – وكلها من صنع الاتحاد السوفييتي. وفي صعيد القوى الكبرى سجلت روسيا نتيجة 1: صفر لصالحها مقابل الولايات المتحدة.
وآنذاك جاء التحول في القتال، وقُبيل هزيمة جيشي مصر وسوريا جاءت تقارير عن أن موسكو تُعد ثلاث فرق محمولة جوا يفترض أن تهبط في مصر وتخرق الحصار الذي ضربه الجيش الاسرائيلي على الجيش الثالث المصري في الضفة الشرقية لقناة السويس. ورفضت رئيسة الحكومة غولدا مئير التمكين من نقل الطعام والماء الى جنود الجيش المحاصر. وآنذاك في ذروة التوتر بين الكتلتين الكبريين أعلنت الولايات المتحدة ردعا ذريا خشية إدخال سلاح ذري سوفييتي الى شرقي البحر المتوسط قريبا من الاسكندرية. وقد شهدت وكنت شريكا في نشاط اسرائيل حول هذه القضية لأنني خدمت في سفارة اسرائيل في واشنطن في تلك الفترة.
وفي هذه الظروف غير العادية احتاجت رئيسة الوزراء غولدا مئير الى تصميم وشجاعة سياسية كي تثبت لضغط امريكي ثقيل للاستجابة للطلب المصري ولازالة ما بدا آنذاك تهديدا بنشوب حرب عالمية ثالثة – برية هذه المرة. وانتهى هذا الفصل بأن وافق السادات على طلب اسرائيل اجراء محادثات مباشرة في المستوى العسكري بين اسرائيل ومصر. وخُفف الحصار عن الجيش الثالث وسقط التهديد الذري.
وتبين في خضم عاصفة الأحداث أن التهديد الروسي بنقل قوات بالجو الى المنطقة لم يكن حقيقي. وأهم من هذا أنه تبين أن الردع الذري الذي أعلنه الامريكيون لم يعتمد على معلومات صحيحة وموثوقة. وتبين بعد ذلك أن هذه الأحداث قُبيل نهاية الحرب كانت نغمة البدء التي أفضت الى اتفاق السلام مع مصر.
ارتفعت روسيا في تلك الاسابيع الى ذروة نجاحها الاستراتيجي في الشرق الاوسط. وقادتها زبونتاها المركزيتان مصر وسوريا الى القمة تقريبا، لكن لم يكن ذلك وقتا طويلا.
وربط السادات مصير بلده بالولايات المتحدة وجاء في زيارة مفاجئة الى اسرائيل وسجل لنفسه تحولا مركزيا في علاقات القوى بين القوى العظمى في الشرق الاوسط. وجهد الاسد الأب والاسد الابن مدة اربعين سنة تقريبا لمتابعة الحاكم المصري وانشاء علاقات استراتيجية بالولايات المتحدة. وأدركا أن الطريق الى واشنطن تمر بالقدس ومن هنا جاءت المحاولات المكررة للافضاء الى سلام بين اسرائيل وسوريا وهي محاولات لم تنجح.
الى جانب الأمل المفهوم في أن تفضي مبادرة بوتين الى ابعاد السلاح الكيميائي عن سوريا، يجب على الولايات المتحدة أن تتحقق من أن روسيا لا تكرر طرقها في 1973 وأن اجراءاتها بريئة من حجب المعلومات. فهذه وسيلة ناجعة جدا في الحرب الاستخبارية، في زمن الحرب وفي زمن السلم ايضا، وكل لاعب على رقعة الشطرنج الاستراتيجية يستعملها احيانا. ومن المؤسف في هذا السياق أن الرئيس بوتين أصر على أن ينسب استعمال السلاح الكيميائي الى معارضي الاسد خاصة، بل على أن يقول لقُراء مقالته في صحيفة "نيويورك تايمز" في 12 أيلول – ولمواطني اسرائيل عن طريقها – إن المتمردين يُعدون لهجوم مشابه على اسرائيل. فقد أعلن بوتين بعد ذلك بيومين أو ثلاثة اتفاقا مع الولايات المتحدة على تجريد الاسد من السلاح الكيميائي وهو نفس الاسد الذي حاول أن يدافع عن براءته.
اذا صرّفت الولايات المتحدة اعمالها بحكمة فلها احتمال غير سيء أن تنهي المعركة الحالية بحسب خطة 1973 وأن تحل ايران في هذه المرة محل مصر باعتبارها تسعى الى باب واشنطن. ونحن نعلم اليوم أن هذه هي الغاية المأمولة للرئيس روحاني.


