لم ينجح الاتحاد السوفييتي في مدة سنوات الحرب الباردة كلها في أن يلحق بالولايات المتحدة في تفوقها بصفتها اللاعبة المركزية في الملعب الدولي، وبعد انهيار الكتلة السوفييتية تمتعت الولايات المتحدة وحدها بمكانة القوة العظمى العالمية الوحيدة وبدت سيطرتها غير المزعزعة لا رجعة عنها، إنها "نهاية التاريخ" كتعريف خبير الاقتصاد فرانسيس فوكوياما في كتابه الشهير.
نجح الرئيس فلادمير بوتين في الاسبوع الماضي بعد 14 سنة من ولايته الحكم في روسيا فيما لم ينجح فيه أحد من أسلافه في روسيا والاتحاد السوفييتي قبله – بأن يموضع نفسه مؤقتا على الأقل على أنه أبرز زعيم عالمي واللاعب الرئيس في الملعب الدولي. وهو لم يفعل ذلك بفضل قوة عسكرية، فقوة روسيا ليست شيئا اذا قيست بقوة الولايات المتحدة. ولم يفعل ذلك بفضل قوة اقتصادية فهنا ايضا لا مكان للمقارنة (إن تهديد الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة يأتي من قبل الصين والهند أصلا). بل فعل ذلك بفضل عاملين وهما: هو نفسه وبراك اوباما.
إن بوتين بين الاثنين يُرى أذكى وأقوى وأكثر تصميما وأكثر اتساقا وأبرد أعصابا. وقد موضع مكانته الشخصية على مر السنين بصورة متسقة وفي تصميم في بلده، ومكانة بلده ومكانته هو في العالم. واستطاع في الأساس أن يستخدم أخطاء اوباما الكثيرة لمصالحه. وهكذا حينما واجه اوباما أهم تحدٍ لزعامته – في الساحة السورية – استغل بوتين تردده وضعفه وأزاح في اللحظة المناسبة له البساط من تحت قدمي اوباما.
كانت اللحظة التأسيسية في سياسة اوباما الخارجية هي ادارة ظهره لمبارك. فلم يكن لاوباما أي أمل في مواجهة الانتفاضة الشعبية الواسعة للشعب المصري على الطاغية، حتى لو أراد ذلك في أن يمنع سقوطه. وكان من الصعب عليه باعتبار زعيم أكبر ديمقراطية في العالم أن يواجه هذه الانتفاضة الشعبية. لكن الصورة والرموز أهم احيانا من الحقائق في السياسة، والسياسة الدولية ايضا. وكانت الصورة عن اوباما أنه تخلى عن حليفه القريب في ساعته الحرجة. والضرر الذي أصاب صورته لا يمكن إزالته.
وثبّت بوتين نفسه ضدا لاوباما. فتأييده للاسد بلا تحفظ برغم جرائمه في أبناء شعبه وفي الانسانية حتى حينما كان يبدو أن فقدان سلطته مسألة ايام أو اسابيع في الأكثر، كان يرمي الى أن يثبت للعالم بخلاف اوباما أنه مخلص لحلفائه ولهذا فان رعايته مجدية. وقد صُور اوباما في الاسابيع الاخيرة بأنه يملك أقوى قوة عسكرية في العالم لكنه في حين كان يهدد باستعمالها كالشرطي الأكبر كان يوحي للآخرين قائلا "أمسكوا بي". وحينما رسم خطوطا حمراء واضحة وتردد حينما كان يجب الوقوف من ورائها ظهر بوتين بدور البالغ المسؤول والسياسي الخبير الذي منع حربا لا حاجة اليها كان يمكن أن تشعل المنطقة والعالم.
إن بوتين اليوم هو أقوى رجل في العالم وهو الأكثر تأثيرا وهذه أنباء سيئة. إن روسيا بوتين في الحقيقة ليست هي الدكتاتورية الشمولية التي كانت في الاتحاد السوفييتي لكنها بعيدة عن أن تكون ديمقراطية. إن بوتين زعيم ساخر ليست عنده تقديرات اخلاقية تحركه فقط قوة روسيا ومكانتها وقوته الشخصية ومكانته، وهذه أنباء سيئة لاسرائيل ايضا. ليس عند بوتين شيء من العداوة الايديولوجية لاسرائيل والصهيونية التي ميزت الاتحاد السوفييتي لكنه متمسك بالحلف مع محور الشر لألد أعداء اسرائيل في ايران وسوريا.


