خبر : حين ترتكب الامبراطوريات أخطاءها الكبيرة والقاتلة ...بقلم : حسين حجازي

السبت 07 سبتمبر 2013 09:12 ص / بتوقيت القدس +2GMT



تقتفي جميع الامبراطوريات في التاريخ عوائد وتقاليد الامبراطوريات السالفة التي ترثها، وقلما شذت واحدة منها عن هذا التقليد او المصير. انهم يبدؤون تاريخهم بالحرب وينهون هذا التاريخ بالحرب كسلسلة متواصلة من الحروب والغزوات التي لا تنتهي الا مع نهاية او اضمحلال وسقوط هذه الامبراطوريات على فراش الموت. وحتى هذا الموت غالبا ما يكون بطيئا وليس نادرا ان يتخلله بعض النزوات والمغامرات الحربية كتلكؤ التاريخ، التي تؤشر الى استفحال الأزمة والمرض بأكثر مما تدل على استعادة قوة غابرة.

كم اذا من الوقت، العمر، تبقى حتى صدور الإعلان التاريخي بالوفاة وكتابة السطر الأخير على شاهد القبر، في قصة سيرة الامبراطورية الأميركية آخر الامبراطوريات التي تبقت على قيد الحياة في زماننا، وحيث جميعهم لا يشبعون من شهوة امتشاق السيف، كالبحر الذي يجري إليه النهر وليس بملآن. الم تتعبي بعد يا اميركا ؟ ولماذا لم تقرئي ما كتبه مواطنك بول كندي، الكتاب الذي قيل عنه اهم ما كتب في القرن العشرين، عن صعود وسقوط الامبراطوريات التي تواصل اللهاث وراء الحرب والتمدد دون ان تنتبه الى هذا القانون، الذي قال عنه اول مرة احد حكماء الصين طاغور، من انه اذا اردت ان تضعف، ان ينكمش عدوك اجعله يتمدد ويتوسع. فهل كنت ولا زلت تدرك ذلك يا باراك اوباما وحاولت التحايل على الوضع لئلا تذهب الى التجربة؟ ولكنك بالأخير وجدت نفسك او قدرك كأبطال التراجيديا الإغريقية امام قوة اكبر منك تدفع بك من مؤخرتك من الخلف، بعد ان قررت من قبل القيادة من الخلف، لا من مقدمة الصف. وهل سورية اليوم هي اللقمة الكبيرة وغير السائغة التي تحدث عنها بول كندي، والتي سيقدر لها ان تكون هي القاتلة في الحلق؟ .
هكذا جرت الأحداث في الماضي وهكذا تجري اليوم، فليس ثمة ما هو جديد تحت الشمس، وكل شيء باطل، باطل الأباطيل، قبض الريح وكاآبة الروح. الى الحرب العابثة تقدم أخيراً اذا كانت الحرب ليس ثمة مفر منها. ولكن السؤال كما كان دوما يخط بقلمه نابليون على الخريطة كعلامة استفهام، قبل ان يذهب الى إغفاءة النوم، عن (الجزء الإلهي) يا باراك أوباما في خطة الحرب، او كما يمكن تسميته بعدم اليقين . وهيا نكمل الحديث بذكر السيد كلاوزفيتز، الذي شخص حالة الخصم السوري على نحو بالغ الدقة في التحليل وكأنه يراقب من قبره الأحداث : اذا كان وضعك ميؤوسا الى هذا الحد ورأيت ان أبواب النجاة تكاد تكون مسدودة جميعها أمامك، وليس ثمة امل لك بكسب المعركة او النجاة وتحاشي الهزيمة، أمام أعظم قوة عسكرية في التاريخ، فليكن املك الوحيد باستجماع كل جماع قوتك للقيام أخيرا بتسديد هذه الضربة اليائسة ولكن اللامعة، بامتلاكك الإرادة والشجاعة كبديل عن اختلال التوازن في القوة مع عدوك. فكيف اذا كان لك حلفاء مخلصون يدركون انهم معك في نفس المركب اذا غرقت سوف يغرقون، وعليه فإن السؤال يكون : ماهو قوام الضربة الجماعية اليائسة ولكن كهجوم معاكس التي سيقدم عليها بشار الأسد وحليفاه إيران وحزب الله ؟ .
وأحيلك يا باراك أوباما ثانيا او ثالثا الى المعادلة التالية : حذار ان تحارب او ان تهاجم عدوا ليس لديه ما يخسره، وقد دمرت سورية شبه دمار شامل على مدى السنتين من الحرب الداخلية التي أذكيتها انت وحلفاؤك. وحذار أيضا في الوضع العادي للحرب ان تحشر عدوك وظهره الى الحائط دون ان تبقي اليه منفذا او مخرجا. وفي التحليل ان اميركا اذا اختارت الحرب فإنها تذهب الى الحرب مقترفة جميع هذه الأخطاء.
هل اميركا اذا قررت الحرب تذهب اليها عمياء البصيرة غير مدركة الحقائق او العواقب ؟ ونحن نحاول هنا ان نبدو كما لو أننا اكثر تبصرا منها ؟ كلا ولكن الحقيقة الأخرى في هذه القراءة التي نحاول ان نعرضها للتاريخ، ان هذا التاريخ غالبا لا يعلمنا الا شيئا واحدا وهو عدم الاتعاظ من دروس التاريخ. وهكذا برزت دوما هذه الحقيقة التي تحدث عنها ارسطو، وهي ان القوي هو آخر من يعلم بالحقيقة. وانا أضيف هنا ان الأخطاء الكبرى، الأخطاء الاستراتيجية القاتلة او القرارات المهلكة، انما اقترنت غالبا بعهود مشابهة وغرور القوة الذي رافق هذه العهود، من شعور امبراطوريات بانها هي شرطي العالم وان السناتو الروماني هو بمثابة حكومة العالم. وهكذا على هذا النحو جرت العوائد القديمة واتخذت القرارات المهلكة.
ولكن اذ يبدو من الجائز ونحن لا زلنا في لحظة من الترقب وعدم اليقين من اتخاذ القرار بالحرب، أن نرى الى احتمال أن أوباما المسكين قد يكون في قرارة نفسه غير راغب في الحرب، الا انه علينا ان نتأمل عند هذه اللحظة الفاصلة في طبيعة العناصر المرجحة لاتخاذ القرار في الامبراطورية : الرئيس ام الدولة العميقة؟ وهذه العناصر التي تشكل مجتمعة قوام الدولة العميقة إنما تتمثل هنا بهذا المثلث الذي يضم، المخابرات بكل أجهزتها وبيوت المال ومجمع الصناعات العسكرية، وهذا المثلث هو الذي يشكل أعمدة الهيكل او المعبد.

لنلقي اذا نظرة أخيرة الى المشهد:
1- في المشهد الأول يظهر أوباما وحيدا ومعزولا ومنفردا في قمة العشرين في بطرسبورغ، وحيث يقلب عليه بوتين الطاولة الدبلوماسية، ويفشل في بناء تحالف دولي يدعمه في الذهاب الى الحرب. ويظهر الأمين العام للأمم المتحدة وقداسة البابا والأخضر الإبراهيمي في الصورة ايضا، كما لو انهم يتدخلون في اللحظة الأخيرة لدعم محور السلام، والعمل بصورة معاكسة لدعوته الى الحرب. والنتيجة الخسارة والهزيمة الدبلوماسية قبل بدء الحرب.
2- المشهد الثاني يظهر أمامنا فيه هنا دول وكيانات مكونة من أغلفة مسطحة من الزجاج، يقوم أعداء الامبراطورية سورية وإيران وحزب الله باتخاذها رهائن لضربها بعد اول صاروخ ينطلق على سورية. وهذه الكيانات الزجاجية ليست سوى إسرائيل ودول النفط الخليجية، اي ان إسرائيل والنفط هما في الواقع رهائن عناصر ضعف في يد الحلف السوري الإيراني وحزب الله، المدعوم بالبوارج الحربية الروسية التي تصطف قبالة ساحل سورية. وبسيل من التصريحات الهجومية غير المسبوقة الصادرة عن المسؤولين الروس، والتي تعيد تذكيرنا فقط بزمن ذروة الحرب الباردة في عهد خرتشوف العام 1956 . فاذا كانت الحرب من اجل امن إسرائيل والنفط، ترى اي إسرائيل ستكون واي نفط يبقى بعد انفجار برميل البارود؟.
والخلاصة، هذه حرب قد يراد لها ان تكون محدودة لكن نتائجها بأي حال لن تكون محدودة. ومن المؤكد ان ما بعد هذه الحرب لن يكون الشرق الأوسط هو نفسه، ولا العالم. فهل لهذا السبب يمكن ان يتوصلوا عند حافة الهاوية السحيقة هذه، الى إنقاذ فرصة السلام الضائعة؟.