يقترب الرئيس براك اوباما من لحظة اصدار أمر بعملية عسكرية في سوريا وكأنه يتخبطه الشيطان من المس. فهو يفخر بنجاحه في تخليص امريكا بصورة تدريجية من مشاركتها في العراق وافغانستان ويخشى تورطا لا حاجة اليه في ميدان جديد، لكن المذبحة الكيميائية في ريف دمشق غيّرت قواعد اللعب وأوجبت عليه أن يجعل سوريا في مركز الاستهداف. وقد عرّف اوباما استعمال السلاح المحظور في مقابلة مع الـ "سي.إن.إن" بأنه يقترب من مس بـ "مصلحة امريكية مركزية". وعرّف المصلحة بأنها "منع استعمال سلاح الابادة الجماعية وحماية حليفات امريكا وقواعدها في المنطقة". ولم يذكر الحاجة الى منع انهيار قدرة ردع امريكا الذي قد ينبع من ضبط النفس بازاء التحدي السوري – في العالم عامة وفي الشرق الاوسط خاصة – ولم يذكر ايضا المس المصاحب والضروري بمكانته الشخصية.
الآن وقد صار يبدو أن القرار يوشك أن يُحسم وأن الروبيكون أصبح يلوح في الأفق، يدأب اوباما ومستشاروه في أن يجدوا صيغة عجيبة تمنح الولايات المتحدة أكبر قدر من الصدى وأقل قدر من الضرر، مع معايير صارمة ومحددة مسبقا.
يجب أن تُعتبر العملية مهمة لكن مع عدم توريط الولايات المتحدة في معركة عسكرية طويلة، ويجب أن تُلبي توقعات الرأي العام مع عدم تأجيج مخاوفه، ويجب أن تكون مدهشة وفعالة مع عدم الاثقال على العجز الكبير في الميزانية القومية. وعليه أن يضيف الى التقديرات نتائج استطلاع للرأي نُشرت هذه الليلة تقول إن 60 في المائة من الامريكيين يعارضون تدخل بلدهم في الحرب الأهلية السورية. ويؤمن 9 في المائة منهم فقط بأن الرئيس اوباما ملزم أن يعمل.
يقول مقربون من الادارة الامريكية إن اوباما يبحث عن عملية تعتبرها موسكو وطهران ايضا عملية عقاب غاضبة لكنها محتملة قد توجب احتجاجا قويا بعكس خطوة استراتيجية تُغير اللعب موجهة على الحليف بشار الاسد وتوجب ردا أشد وأكثر خطرا ايضا. ويأخذ الامريكيون في الحسبان ايضا امكانية أن الاسد قد يستغل كل هجوم عليه كي يوسع المعركة حتى على اسرائيل كي يظهر بمظهر بطل سوريا لا من يقضي على مواطنيها.
وفي هذه الاثناء يشتغل الخبراء والمحللون بالعثور على السوابق التاريخية المناسبة. فهم يستمدون النموذج السياسي القانوني من المعارك الانسانية في يوغسلافيا في تسعينيات القرن الماضي ونهاية القرن الماضي ومن حرب كوسوفو في الأساس حيث عملت قوات حلف شمال الاطلسي دون موافقة من مجلس الأمن وبخلاف رأي روسيا والصين والهند موجهة العمل على حليف موسكو الصربي سلوفودان ميلوسوفيتش.
إن السوابق العسكرية ذات الصلة، كما يقول أكثر الخبراء، أكثر تواضعا وهي القصف الجوي في اطار عملية "ثعلب الصحراء" للولايات المتحدة وبريطانيا على العراق في 1998 مثلا، لكنها في الأساس القصف المحدود بصواريخ بحرية لأهداف محدودة في السودان وافغانستان في نفس السنة.
إن تفضيل هجوم بصواريخ بحرية، كما يقول الخبراء، ينبع من حقيقة أن الحديث عن عملية رخيصة نسبيا تتم من مسافة بعيدة ولا تُعرض للخطر أي جندي امريكي. وهي تُمكّن من اصابة جراحية لأهداف مختارة وتمنح في الأساس امكانية ما يسميه الامريكيون في البيس بول وحوادث الطرق "إضرب واهرب" – كما يفضل اوباما وأكثر الامريكيين.
بدأت نشرات الاخبار في أكثر الشبكات أمس بتقارير اخبارية عن الحريق الضخم الذي شب في المتنزه القومي الجميل يوس ماتي، والمسيرة التي تمت في واشنطن تذكرا لمرور خمسين سنة على خطبة "عندي حلم" التاريخية لمارتن لوثر كينغ، وبالقتل المزعزع لـ دلبرت بلتون إبن الثامنة والثمانين الذي حارب في الجيش الامريكي في الحرب العالمية الثانية وضُرب حتى الموت بقسوة على أيدي ثلاثة شباب أفارقة امريكيين أرادوا في الحاصل أن يروا "كيف يكون قتل شخص ما".


