المساواة في العبء الأمني، مفهوم درج الاسرائيليون على اتخاذه شعاراً يعكس شعوراً لديهم بالظلم والغبن نتيجة أن ثمة شريحة كبيرة "الأصوليون" لا يخدمون في الجيش، وبالتالي لا يشاركون بقية أفراد المجتمع تحمل أعباء الخدمة العسكرية، على الرغم من تمتعهم بكل امتيازات المواطنة وتمتعهم بنصيب في الموازنة أكبر من نسبتهم العددية.المساواة في العبء، شعار طالما ردده الإسرائيليون، وطالبوا به منذ سنوات طويلة، وكان عنواناً لاحتجاجات شعبية كبيرة وموجة تركبها أحزاب علمانية، وحتى رؤساء الوزارات تنافسوا على رفع هذه الراية لا سيما قبل الانتخابات، فالتنافس على انتقاد الأصوليين والتشهير بهم يأتي في المرتبة الثانية بعد التنافس على كراهية الفلسطينيين والتحريض على فلسطينيي الـ 48، والمساواة في العبء شكل في الانتخابات الأخيرة الشعار الأهم للاصطفاف والتجاذب السياسي، وكان حزب لبيد "يوجد مستقبل" قد ربط مستقبله السياسي به، وفى اتفاقه الائتلافي مع نتنياهو أصر لبيد على تشكل لجنة ائتلافية برئاسة حزبه تعمل على إعداد قانون المساواة في العبء بحيث تنتهى من اعداه بعد ثلاثة أشهر من تشكيل الحكومة، وعلى أن يتم الانتهاء من المصادقة علية في الحكومة في فتره قصيرة لا تتعدى ستة أشهر.اللجنة شكلت من كافة الأحزاب المشكلة للحكومة، وترأسها الوزير يعقوب بيري الذى شغل في السابق رئاسة الشباك، وقد توصلت الى مشروع قانون هو عبارة عن مقترح يتعلق بالزام المتدينين الاصوليين بالخدمة العسكرية والمدنية، سيتم تقديمه لاحقاً للحكومة التي ستصادق عليه ثم تحوله الى اللجنة الوزارية القانونية التي ستقوم بتقديمه للكنيست في صيغة مشروع قانون للتصويت عليه في أربع قراءات ليتحول الى قانون ساري المفعول. أهم بنود المقترحالمقترح يؤكد على الخدمة الالزامية لكل المتدينين عندما يبلغون سن السابعة عشر، حيث يفرض عليهم الحضور لمكتب التجنيد، ويفرض عقوبات جنائية على من يتغيب عن الحضور، لكن المقترح يراعي التدرج الزمني في التطبيق، حيث حدد نسبة عددية لكل سنة حتى الوصول للتطبيق الكامل عام 2016، كما يمنح المتدينين فرصه تأجيل تجنيدهم حتى سن 21 عام، ويمنح اعفاء كامل من الخدمة لـ 1800 من مجموع المتدينين الذين ينطبق عليهم قانون التجنيد كل دورة والبالغ 8000 شخص.والمقترح يفرض عقوبات جنائية على المتهربين، ويفرض عقوبات اقتصادية على المدارس والمعاهد الدينية التي يتهرب طلابها من الخدمة، ويفرض على الحاخام المسؤول عن المعهد الديني الذي يتهرب طلابه من الخدمة بتحمل مسؤولية شخصية، ويمنح الجيش الحق في متابعة دوام من يتم اعفاؤه أو تأجيل خدمته في المعهد الديني، كما يقترح تقديم حوافز مادية وامتيازات مدنية للمعاهد الدينية التي تصل الى نسبة تجنيد عالية. تغيير الوضع القائماذا ما تم تمرير المقترح الخاص بتجنيد الاصوليين بصيغته الحالية واعتمدته الكنيست كقانون ملزم؛ فإن من شأن ذلك أن يشكل تغييراً نوعياً وجذرياً على علاقة الدولة ومؤسساتها على المستوى الرسمي مع المجتمع الأصولي وأحزابه الممثلة له، الأمر الذي يعتبر تغيير على اتفاقية الوضع القائم التي وقعها بن غوريون مباشرة بعد تأسيس كيانهم، والتي راعت خصوصية الاوساط الاصولية بهدف احتوائهم والتهرب من صراع ديني صهيوني علماني كان سيكون له ارتدادات خارج اطار الكيان في مجتمعات غربية وامريكية يعيش بها مئات الآلاف من الأصوليين.وقدر زعماء اسرائيل من بعد بن غوريون هذه الاتفاقية، واعتبروها ثابت "وطني إسرائيلي" يسمح بالمحافظة على ما يسمى بالنسيج الاجتماعي الهش في العلاقة الاجتماعية بين الاصولية والصهيونية، وذلك برغم حماستهم الشديدة لفرض الخدمة على الأصوليين، لكنهم دوماً تراجعوا عن الايفاء بشعاراتهم هذه لشعورهم بالمسؤولية تجاه المحافظة على الحد الادنى من مظاهر الوحدة الاجتماعية، بالإضافة لأسباب ائتلافية حزبية سياسية، حيث كانت الاحزاب الرئيسية المرشحة لتشكيل الحكومة مضطرة للائتلاف مع الاحزاب الأصولية، وكانت الاخيرة تستغل الى أبعد مدى كونها بيضة القبان التي ترجح كفة الائتلاف لصالح حزب العمل او حزب الليكود.نتنياهو وحزبه الليكود وعلى الرغم من العلمانية الظاهرة التي تسم الحزب؛ لم يكن يفضل أن يتحمل شخصياً مسؤولية انفراط العقد التاريخي بين معسكر اليمين بزعامته وبين الاحزاب الاصولية لما يترتب على ذلك من ثمن سياسي قد يدفعه الحزب في المستقبل عندما يناصبه الاصوليون العداء، علاوة على مسؤولية ما سيترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على علاقة الاصوليين في الداخل والخارج بالدولة، لكنه لا يملك أي خيار سوى الاستسلام لوزير ماليته لبيد الذى يعتبر تمرير هذا القانون بالنسبة لحزبه وجمهوره الانتخابي مسألة حياة أو موت، ولأن استقرار وبقاء حكومة نتنياهو مرتبط ببقاء حزب لبيد فيها، ولأن الشارع الإسرائيلي بغالبيته يؤيد المساواة في العبء؛ فإن نتنياهو مضطر لأن يساير هذا الاتجاه الى أن تُتاح له فرصة التملص عبر أحابيل يجيد استخدامها واستغلالها، وهذا ما جعله يطلب من وزير حربه يعلون - الذى أصر على جعل الاجراءات العقابية بحق المتهربين من صلاحية وزير الحرب - ان يتراجع في ظل تهديد لبيد بالخروج من الحكومة. ردود فعل الاصوليينمنذ أن تشكلت حكومة نتنياهو الثالثة وتم استبعاد الاصوليين منها وأصبح حزب لبيد عمود خيمتها الرئيسي والذى تتركز أجندته على العداء الاجتماعي للأصوليين؛ فإن هؤلاء يشعرون انها حكومة حرب عليهم، حرب اقتصادية فيما يتعلق بالتقليصات الاقتصادية، لكن الأهم بالنسبة لهم حرب قانون المساواة في العبء الذى سيؤدى لاحقاً الى أن يفرض على شبابهم خدمة الصهيونية أمنياً عوضاً عن خدمة الرب في قراءة وتعلم التوراة في معاهدهم الدينية، مما سيجرهم الى مواجهات حقيقية لأول مرة مع القانون ومع مؤسسات الدولة، ما يهدد حالة الاستقرار التي عاشوها على مدار عقود، كما أن الأمر بالنسبة لهم يعتبر مسألة عقيدية.بيد أنهم لا يسارعون الى اعلان الحرب وينتظرون ويراهنون على عنصر الزمن متسلحين بثقة تجاربهم السابقة مع هذه التوجهات والاقتراحات التي كانت دوماً تنتهي الى استمرار الوضع القائم (قانون طال ولجنة بلسنر)، وكأنهم لا يريدون استباق الأحداث معتقدين ربما أن تسخين الصراع وزيادة التجاذب حول مشروع المقترح في هذه الظروف سيؤدي الى اصطفاف شعبي كبير ضدهم، سيستفيد منه لبيد "عدوهم"، وسيقيد قدرة نتنياهو في المناورة على تفريغ المقترح من مضمونه أو تأجيله على الأقل. مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية