قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) أمس استقالة رئيس الوزراء، د. سلام فياض. والتقى الرجلان أمس في مكتب أبو مازن في المقاطعة في رام الله. وفي ختام اللقاء قيل ان عباس شكر فياض على الفترة التي تولى فيها منصب رئيس الوزراء وطلب منه مواصلة عمله كرئيس حكومة انتقالية حتى تعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة جديدة. ولم تفاجيء استقالة فياض، الذي يتولى مهام منصبه منذ العام 2007 الدوائر السياسية في رام الله، بعد أن تدهورت علاقاته مع الرئيس عباس الى درك غير مسبوق. ومع ذلك، فان قبول عباس لاستقالته جاء مفاجئا. وحسب مصادر فلسطينية، فان فياض مصمما على الاستقالة ولم يستجب لمحاولات الاقناع من جانب الولايات المتحدة ببقائه في منصبه. وفي مكتب أبو مازن بدأت اتصالات لتشكيل الحكومة الجديدة. وحسب التقديرات، ففي مكتب ابو مازن يفضلون تعيين رجل مستقل مقرب من فتح، ذي خلفية اقتصادية صرفة للمنصب، يتخذ أمام الجمهور الفلسطيني صورة التكنوقراط وليس السياسي. وعلى رأس القائمة يوجد د. محمد مصطفى، مدير صندوق الاستثمار الوطني، ذو الخلفية السياسية والاقتصادية، رجل فتح منذ عهد ياسر عرفات، أو د. رامي الحمدالله، رئيس جامعة النجاح في نابلس، اكاديمي معروف جدا في الساحة الفلسطينية. امكانية اخرى هي أن يترأس عباس نفسه الحكومة كما سبق أن اتفق في صيغة المصالحة مع حماس. ومثل هذه الحكومة تهيىء الارضية للانتخابات، سواء في الضفة أم في قطاع غزة. ومع ذلك، في السلطة يفهمون بانه لم تنضج بعد مساعي المصالحة لتشكيل حكومة وحدة أو حكومة موظفين، ولهذا فان احتمالات هذا السينارو تبدو طفيفة. وكان فياض أعلن عن نيته الاستقالة في شهر شباط بسبب خلاف على السياسة الاقتصادية ولا سيما الاصلاحات الضريبية التي قررها. وتفاقمت الازمة بينه وبين ابو مازن على خلفية استقالة وزير المالية نبيل قسيس. وتشير مصادر فلسطينية مستقلة الى أن استقالة وزير المالية قسيس عمقت الشرخ بين رئيس الوزراء والرئيس، والذي نشأ بعد أن امتنع فياض عن الخضوع لاملاءات فتح في كل ما يتعلق بسلوك السلطة، بدءا بالتعيينات السياسية وانتهاء بالشفافية الاقتصادية. وقال مسؤول كبير في فتح لـ "هآرتس" ان الشرخ بين فتح وفياض، الذي يعتبر مرشحا مستقلا، قائم منذ فترة طويلة. وعلى حد قوله، فان محاولات تنحيته لم تنجح بسبب ضغط فلسطيني داخلي وتخوف من تدهور اقتصادي أو عقب ضغط خارجي. وأفاد مصدر فلسطيني "هآرتس" بان فياض قدم استقالته في الماضي، ولكن أبو مازن لم يقبلها بسبب الضغوط الداخلية والخارجية، ولا سيما من جهة الولايات المتحدة. وذلك كون فياض، الموظف الكبير السابق في البنك الدولي، نجح في استقرار ادارة الشؤون الاقتصادية للسلطة. وعلى حد قوله، هذه المرة تعتبر صورة الوضع مختلفة، وعباس تحدث في جلسات مغلقة لفتح عن أن في نيته اقالة فياض. وكان علم بنية فياض للاستقالة في نهاية الاسبوع، بل وتقرر موعد بينه وبين ابو مازن مساء يوم الخميس، ولكن اللقاء تأجل دون تفسير. وحسب تقارير عديدة في وسائل الاعلام العربية والفلسطينية، مارس الاتحاد الاوروبي والادارة الامريكية ضغطا شديدا على ابو مازن وفياض لعدم تنفيذ الخطوة، بل وقيل ان وزير الخارجية جون كيري اتصل شخصيا بعباس. وحسب مصادر فلسطينية، كان فياض مصمما على الاستقالة ولم يوافق على اقتراحات التوفيق والحل الوسط. وقال مصدر فلسطيني كبير لـ "هآرتس" ان فياض "لا يريد ان يتخذ صورة التعيين المفروض من جانب الامريكيين على الشعب الفلسطيني، ولهذا فقد كان مصمما هذه المرة على عدم التراجع وعلى نيته تنفيذ الاستقالة". وحسب التقديرات الفلسطينية، فان استقالة فياض ستدخل الساحة السياسية والاقتصادية في السلطة في حالة من انعدام اليقين. ويعد فياض، ذو السمعة العالمية في الاقتصاد، شخصية أساس في السلطة في كل ما يتعلق بالمساعدات الدولية. وقد وافقت دول عديدة على تحويل الاموال والمساعدات بسبب الشفافية التي قادها، ولا سيما في تنفيذ مشاريع في مجال البنى التحتية والمباني العامة. "لا ريب أن أغلبية الدول المانحة ستنتظر الان لترى من سيقود الحكومة والاقتصاد الفلسطيني ولا ريب أن مهمة تشكيل الحكومة لن تكون سهلة"، كما قال المصدر الفلسطيني الكبير. في حركة فتح لم يخفوا فرحتهم باستقالة فياض بل وهاجموا الادارة الامريكية على تدخلها في المسألة. عضو اللجنة المركزية لفتح، عزام الاحمد، قال ان تصريحات الادارة تشكل تدخلا فظا في الشؤون الداخلية في الساحة الفلسطينية لدرجة الاهانة: "الولايات المتحدة تتدخل تقريبا في كل خطوة عالمية عامة، ولكن ما حصل في الساحة الفلسطينية هو اهانة لا يمكننا ان نقبلها".