وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون كيري للمرة الثالثة في المنطقة ضمن محاولات أمريكية حثيثة لاستئناف مسيرة التسوية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي؛ ولا جديد البته، بحسب الصحف الاسرائيلية فإن كيري يسعى الى حمل الأطراف الى لقاء رباعي في العاصمة الأردنية عمان؛ عباس كما تقول معاريف رفض الطلب الأمريكي ويقول انه ما لم تتخذ "اسرائيل" خطوة فانه لن يتوجه لا الى عمان ولا الى غيرها، ويطالب بأن تظهر حكومة الاحتلال خارطة تظهر الحدود التي ستجري المفاوضات عليها. فرئيس الوزراء الاسرائيلي الصهيوني - الكذاب الكبير كما هم اليهود - يواصل الكذب والتضليل ويعلن الشيء ونقيضه، فهو يريد من الفلسطينيين العودة للمفاوضات دون شروط، في حين انه يملي شروط اسرائيل على الملأ: لا عودة الى حدود 67، لا تفاوض على القدس، لا لعودة للاجئين، لا لوقف الاستيطان، ويطالب بضرورة اعتراف الفلسطينيين بـ " يهودية الدولة".كيري نفسه ليست لديه أية مقترحات أو أفكار سوى الحديث عن خطوات اظهار حسن النوايا وبناء الثقة والاستماع للأطراف، والواضح ان كيري رغم الحماس الذي يبديه في جلب الأطراف للتفاوض غير قادر على لحلحة الموقف الاسرائيلي سنتيمتر واحد، ليس فقط في المواقف الاسرائيلية السياسية؛ بل حتى في المواضيع الانسانية والحياتية أو ما يسميها الأمريكان "مبادرات حسن النوايا" مثل الافراج عن الأسرى المضربين عن الطعام أو المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية من قبل توقيع اتفاقية أوسلو. يذهب كيري للقاء أركان الحكومة الاسرائيلية ويعود خالي الوفاض ليجلس مع الفلسطينيين وليس لديه شيء سوى نقل التعنت الاسرائيلي على أمل أن يعود عباس بصفته الطرف الأضعف للمفاوضات بالمجان.ليس سهلاً على رئيس السلطة محمود عباس الاستجابة المجانية للضغط الأمريكي، فعباس يعرف أن الشعب الفلسطيني بات واعياً لمدى التضليل والخديعة التي يمارسها نتنياهو، وواعياً أيضاً لدوافع التحرك الأمريكي في هذا الظرف الحساس الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط برمتها. وليس من المعقول أن يكون عباس والسلطة - مهما كانت ضعيفة وخاضعة للابتزاز بحكم عوامل كثيرة: منها عدم الاسناد العربي الذي تجلى واضحاً في أزمتها المالية الأخيرة، والصراع الداخلي مع حركة حماس الذي قسم الشعب الفلسطيني سياسياً وجغرافياً - أقل وعياً للخديعة الاسرائيلية بغطاء أمريكي، وهو يعي أن مثل هذه العودة غير مقبولة أبداً من الجمهور الفلسطيني بالذات في هذه اللحظة، ولا يمكن أن يكون حال الفلسطينيين وسلطتهم حسب المثل الفلسطيني "صام وصام وأفطر على بصلة". اذا كانت أمريكا بعظمتها وجبروتها وما لديها من كل أوراق القوة عاجزة عن إحداث أي اختراق ولو حتى انساني، فكيف للمفاوض الفلسطيني الفاقد لكل أوراق القوة من أمل من حكومة هي الأكثر تطرفاً في تاريخ الاحتلال وركيزتها الاساسية المستوطنين الاستعماريين - البيت اليهودي، الليكود بيتنا.جملة التقارير الواردة من واشنطن تؤكد أنه لا جديد في الموقف الأمريكي ان لم يكن عودة للوراء عن مواقف سابقة، فالتحرك الأمريكي يأتي في ذات النهج المعروف عن الأمريكان: الحفاظ على قواعد اللعبة القديمة والمعروفة؛ أي إعطاء العملية القديمة عمراً جديداً يضاف لعمر عشرين سنة مضت من العبث والأوهام؛ بما يمنح كسباً اضافياً للمشروع الصهيوني سيتكمل مهامه في تهويد الأرض وفرض حقائق جديدة، ويعيق التوجهات الفلسطينية للبحث عن مرجعيات لمواجهة الاحتلال مثل التوجه للمؤسسات الدولية، الأمم المتحدة، والاشتباك الدبلوماسي والقانوني مع الاحتلال، وتوفر للأمريكي- وهذا هو الأهم- فرصة معالجة ملفات في المنطقة وفي مقدمتها: النووي الايراني، والملف السوري، وضرب المشروع المقاوم والرافض للهيمنة الصهيوأمريكية على مقدرات المنطقة ودولها.ويمكن أن نلحظ هذا بوضوح في جولة كيري الحالية والتي ابتداها من تركيا، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير الخارجية التركي داود أوغلو حيث قال "نود أن نرى العلاقة الإسرائيلية - التركية التي هي مهمة للاستقرار في الشرق الأوسط، ولعملية السلام، وقد استعادت وضعها كاملاً".الأمريكيون - ادارة أوباما كما ظهر جلياً في زيارته الأخيرة لإسرائيل؛ والتي ظهر بجلاء انه أكثر حرصا على سلامة وأمن وبقاء اسرائيل أكثر من حرص قادة الحركة الصهيونية أنفسهم - يتحركون وفق مصالحهم، والتي تتضمن مصالح ربيبتهم المدللة اسرائيل، والهدف من تحرك أوباما في ولايتها الثانية بعدما أدارت ظهرها على مدار الثلاث سنوات للسلطة الفلسطينية؛ بل عمدت الى معاقبتها وتسببت في أزمتها المالية ثم صحت فجأة وقررت التحرك، انما أملاه متغيرات واعتبارات هامة في المنطقة دفعت بـ "أوباما" وادارته للتحرك في محاولة لتحسين وضع وفرص إسرائيل الإقليمية. وذلك جزء من إعادة ترتيب أوراق المنطقة بما يضمن المصالح الأميركية، وبما يؤدي إلى ادخال ودمج اسرائيل في المشهد الذي تحاول أمريكا وحلفائها تشكيله. منح فرص البحث عن السلام وفق الطريقة الأمريكية عمراً مديداً يساعد أمريكا في ترتيب الأوراق بشان تدمير سوريا دولة وشعباً بما يمكن التهيئة لتوجيه ضربة عسكرية الى ايران، ومحاصرة حزب الله، وصولاً الى ترويض حركات المقاومة الفلسطينية؛ بما يتوافق مع الحلول الاقليمية، والى هذا نجد الجهد الامريكي في تسريع عودة العلاقات بين اسرائيل وتركيا، بعد ذلك ستهمل واشنطن الشأن الفلسطيني مرة أخرى، وحينها يكون الفلسطينيون أكثر ضعفاً وأكثر قبولاً للانكسار أمام الضغط المالي والسياسي على أمل الاستسلام الكامل للمطالب الاسرائيلية.