أعلنت رام الله أنها "لا تثق" بخبراء الامراض الاسرائيليين الذين قضوا بأن ميسرة أبو حمدية، وهو ارهابي وسجين مؤبد، مات بمرض السرطان. وقد عرفوا حتى قبل ان ينتهي التحقيق كيف ينددون هناك بالعلاج الطبي الذي تلقاه الارهابي في السجن. ومع كل ذلك فانني لا أشكوهم بل أشكو السلطات وصاغة الرأي العام عندنا. إن مستشفياتنا مليئة بالمرضى العرب حتى من غزة الحماسية. وفي السجن الاسرائيلي يتمتع القتلة بعلاج طبي ما كانوا يحلمون به ويخرجون مع أسنان جديدة باهظة الكلفة، ويكتسبون ثقافة ولغات. وماذا عن السجن؟ انه سجن دار استجمام واكاديمية ونادٍ للارهاب – نظري وعملي. وبرغم كل ذلك حينما يحتقر قائدهم أبو مازن في وقاحة وصلف النزاهة المهنية لأطبائنا، فاننا نسكت. لأن هذه هي قواعد اللعب التي أقررناها وهي أن "الفلسطيني" هو دائما المسكين والمتهِم أصلا. وعمل اسرائيل ان تتلقى الطعن وتضبط نفسها وان تدافع عن نفسها بلغة ضعيفة في أحسن الحالات. وسنعتذر بعد لعائلة الارهابي الميت وندفع اليها تعويضات. يندد العالم كله بـ "شوارع الفصل العنصري" في يهودا والسامرة برغم ان اليهود والعرب يستعملون كل شارع مفتوح لليهود معا على الملأ. وفي مقابل ذلك تحظر لافتات كبيرة باللون الاحمر الساطع على اليهود ان يسيروا في الشوارع في مناطق خصصتها اوسلو للفلسطينيين. وبحسب أمر من المحكمة العليا فُتح للعرب ايضا الشارع 443 لكن شارعا مجاورا كان يُقصر وقت السفر من كتلة دولاف – تلمونيم الى القدس بنصف ساعة على الأقل – مغلق أمام اليهود الى اليوم. انه فصل عنصري وعنصرية ايضا، فمواطنو اسرائيل العرب أحرار في الدخول الى جنين أما اليهودي فيعاقب عن مخالفة جنائية. متى أخذت جهة اعلامية رسمية صحفيين الى الميدان كي يتحققوا من ان الفصل العنصري في شوارع يهودا والسامرة موجه على اليهود وحدهم؟ وأي وسيلة تعبير عندنا كشفت في يوم من الايام عن عورة فصلهم العنصري وأنه الويل لليهودي الاسرائيلي اذا تجرأ على ان يطأ ارض نابلس أو 90 في المائة من الخليل أو كل قرية عربية؟ لأن هذه هي القاعدة وهي ان دولة اليهود مكانها على مقعد المتهمين. ولماذا؟ لأنها أجلت نفسها بنفسها هناك. لا تكف أبواق دعاية رام الله عن تسميتنا "نازيين". فلماذا لم يجعلهم أي متحدث حكومي ووسيلة تعبير اسرائيلية يواجهون الحقيقة وهي ان زعيمهم مؤسس حركتهم القومية الذي يُجلونه حتى اليوم، الحاج أمين الحسيني، كان نازيا حقا، فقد كان مقربا من هتلر وهملر منشيء فرق الـ "اس.اس"، ومدير اذاعة المانيا النازية الى العالم العربي طول ايام الحرب ومشاركا فعالا في ابادة اليهود؟ ومن يذكر ان العرب ارتقبوا نصر هتلر في نفاد صبر؟ وأنهم الى اليوم أكبر مستهلكي كتاب كفاحي ورسومهم الكاريكاتورية تنافس "شتيرمر"؟ ومن أين جاءت عقدة الذنب اللعينة التي تمنعنا من ان نقول الحقيقة حتى لأنفسنا؟. هل "السلام يُصنع مع العدو"؟ هل كان البريطانيون والامريكيون يُسلمون للعدو الالماني لو أنه انشأ في وسط برلين "ميدان هاينرخ هملر" أو أتموا جنازة عسكرية رسمية له كما فعل الفلسطينيون للارهابي أبو حمدية؟ ليس غير اليهود هم الذين أوجدوا "السلام مع الأعداء" بل هذا مرضنا. رمانا اوباما في خطبته بقوله: "عنف المستوطنين بالفلسطينيين لا يعاقَب عليه". وقال كذلك: "ليس من العدل منع الفلسطينيين من فلاحة ارضهم، وتقييد حركة طلاب الجامعات في الضفة الغربية وطرد عائلات فلسطينية من بيوتها". وكل واحدة من هذه الاتهامات كذب وافتراء ولم نسمع مع كل ذلك حتى تغريدة إنكار مهذبة. متى نعرف ان العالم لن يحترمنا ما لم نحترم أنفسنا، وان الاستقلال المادي الذي سنحتفل به بعد قليل لا أساس له من غير استقلال الروح؟.