زيارة أوباما المقررة للمنطقة في 22 من الشهر الجاري باتت تفرض نفسها على التفاعلات والتجاذبات السياسية، وقد بدأ الاهتمام بها يستحوذ على وسائل الاعلام قبل جولة كيري الممهدة للزيارة، وسوف تحظى باهتمام أوسع بعد أن ينته الاهتمام بتشكيل حكومة نتنياهو المنوي عرضها على الكنيست يوم الأربعاء القادم، وقبل أن تصل تحضيرات الزيارة لذروتها فإن وسائل الإعلام يومياً تتناول الزيارة بالتسريب والتكهن والتحليل، سواء من زاوية تعظيم التوقعات من الزيارة، وما يمكن أن تشكله من رافعة أو أدوات ضغط فيما يتعلق بموضوع التسوية؛ أو من زاوية التقليل من شأنها على المستوى السياسي وإيلاء أهمية كبيرة للتعاون في مجال الملف الإيراني، وملفات اقليمية ساخنة أخرى.سياق الزيارةان سياق الزيارة من حيث الظرف والتوقيت لا يمكن عزله عن أهدافها، أو تأثيره على ملفاتها، وعلى مضامين الرسائل التي ينوى كل طرف التأكيد عليها، ونحن نقصد هنا الطرفين الإسرائيلي والأمريكي، لأن اسرائيل هي المحطة الأساسية لزيارة أوباما، وإن كانت ستشمل بشكل عابر محطات أخرى. ومن حيث الظرف والتوقيت يمكن أن نلاحظ التالي:انها الزيارة الأولى للسيد أوباما بصفته رئيساً للبيت الابيض، وتأتي في بداية ولايته الثانية بعد أن امتنع عن القيام بها في ولايته الأولى رغم كل ضغوطات اللوبي الصهيوني، ورغم حاجته لكسب ثقة الناخب اليهودي، الا انه أصر على الامتناع عن القيام بها لأسباب كثيرة، ولكن ربما أهمها يكمن في قناعة أوباما أنها لن تفضِ لأى اختراق في أي ملف، ولن تكون أكثر من زيارة مجاملات قد تعرضه لابتزاز أو تزيد من مخاطر الصدام مع اسرائيل، مما سيجعلها فشل كبير لإدارته على مستوى السياسيات الخارجية، وربما تخوفه أيضاً من أن تستغل من قبل نتنياهو لتعزيز مكانته السياسية والحزبية، لذلك كله ربما امتنع أوباما عن زيارة اسرائيل في ولايته الأولى.كما تأتي في وقت مناسب لأوباما، فهو قد تحرر من سيف الصوت اليهودي وضغوط نتنياهو المباشرة وغير المباشرة التي وصلت ذروة الابتزاز عندما أراد أن يفرض على أوباما تبنى الجدول الزمني للخطوط الحمراء الاسرائيلية في الملف الإيراني، وربما أولى مؤشرات هذا التحرر غياب أوباما عن مؤتمر الايباك الصهيوني، وتأتي أيضاً في توقيت مناسب لأوباما على مستوى الداخل الإسرائيلي، حيث نتنياهو أضعف من أن يكون سيد اسرائيل المطلق في ظل نتائج الانتخابات الاسرائيلية والتشكيلة المحتملة لحكومته، فعلى الأقل أحزاب لبيد وليفني وموفاز يعارضون موقف نتنياهو من علاج الملف الإيراني بعيداً عن التنسيق مع أمريكا، الأمر الذي سيجعل أوباما في موقف مريح.ومن حيث التوقيت والظرف أيضاً؛ فإن الملف السوري بكل مكوناته - تفكك الدولة، وسيطرة الجماعات المسلحة على المناطق القريبة من مستوطنات الجولان المحتل، وخطر وصول الأسلحة السورية بأنواعها للمسلحين أو نقل بعضها لحزب الله - وما ينطوي عليه ذلك من تهديدات أمنية وتسخين يهدد بالانفجار، ربما يدفع الملف السوري للأولوية على أجندة الزيارة على حساب الملفات الأخرى.ملفات ثلاثة وتهدئة وكسب ثقةربما سيركز أوباما في زيارته لتل أبيب على تحقيق عدة أهداف: على المستوى الرسمي، سيسعى أوباما إلى استغلال الوقت الأكبر من زيارته في علاج الملفين السوري والإيراني، وسيولي جزء أقل للملف الفلسطيني، أما على المستوى غير الرسمي، فسيعمل على كسب ثقة الشارع الإسرائيلي عبر مخاطبتهم مباشرة.في الملف الإيراني، سيسعى لإحراز موافقة اسرائيلية علنية على منح المزيد من الوقت للخيار الدبلوماسي مقابل تعهد أمريكي بمنع ايران من أن تكون دولة نووية، بحيث يطمئن أن اسرائيل لن تفرض علية سياسة خارجية، تجره مرغماً الى مستنقع الشرق الأوسط أو الى التورط رغم انفه في حروب جديدة، وهو الذى تعهد لشعبه بأن ينهي حروب أمريكا، ويعيد الجيش من ساحات الحرب، مقابل التضحية بالملف الفلسطيني، أو منح اسرائيل ضوء أخضر في الملف السوري.أما في الملف السوري، الذي نعتقد أنه الأكثر اشتعالاً وتعجلاً لما ينطوي عليه من تهديد بانفجار قد يفاجئ الجميع بحجمه وتداعياته، فإننا نرجح أن يتبنى أوباما الموقف الإسرائيلي، وسوف نشهد تطابقاً في المواقف وتنسيق أمنى وسياسي عالي يأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمنية الاسرائيلية، ويوفر لها غطاءً دولياً في حال احتاجت ذلك.أما في ملف التسوية، فإن أوباما الذي لا زال يتذكر تجربته الأولى المريرة مع نتنياهو، عندما اضطره الأخير أن يذعن للضغوط الاسرائيلية بشأن عدم تجميد الاستيطان كشرط للمفاوضات، فإنه على الأرجح سيحاول أن يناقش ملف التسوية بحذر شديد، حذر يستند الى معرفته أنه لن يستطيع أن يفرض أي موقف جدى يذكر، وبالتالي سيحاول استكشاف الملف مجدداً مع الحديث بعمومية عن إطار جديد هدفه الأساسي ادخال الأطراف إلى غرفة المفاوضات دون أي التزامات أو تعهدات في محاولة منه لخلق أجواء من التهدئة وصيانة عملية التسوية، بحيث يخلق تفاؤلاً يخفف حدة التوتر والاحتقان، وربما يستطيع أن ينتزع من نتنياهو بعض التسهيلات للسلطة في إطار بوادر حسن الثقة - اطلاق سراح بعض الأسرى القدامى، وتخفيف عدد الحواجز، وتحويل منتظم لأموال الضرائب، وتجميد جزئي للبناء في مستوطنات شرقي الجدار، وتعليق اجراءات البناء في منطقة E1 ..الخ - أي أن الضغط الأمريكي الأكبر سيوجه للطرف الفلسطيني للتنازل عن المطالب الفلسطينية المتعلقة بتجميد شامل للبناء في المستوطنات والجدول الزمنى وأولوية الحدود على الترتيبات الأمنية ومرجعيات المفاوضات.الانحياز الأمريكي سيكون جلياً لصالح اسرائيل، بينما سيكتفى الأمريكان بتصريحات عامة مكررة عن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم القابلة للحياة، ولكن فقط عبر المفاوضات المباشرة، مما سيدخل القيادة الفلسطينية إلى امتحان عسير آخر يخيرها بين الرضوخ أو تحميلها مسؤولية الفشل، على الرغم من أنها تستطيع أن تمتلك خيارات أخرى لو أرادت.