إن أكثر ما يتمناه نتنياهو ويكثر الصلاة من أجله هو أن تمضى الأسابيع الخمسة القادمة دون أن يرتكب أخطاء، ودون أن تحدث أي تطورات أو مفاجآت غير محسوبة، وأن يحالفه الحظ ليستطيع بعدها أن ينتشى بمتعة خروجه بسلام من أشد اللحظات تعقيداً ليشعر مجدداً أنه الملك، وهو في سبيل ذلك على استعداد أن يرقص على الحبال كالبهلوان، وأن يقوم بكل الخدع التي يشير عليه مستشاروه بها، فهو يعيش ظروفاً معقدة وحرجة، فمن جهة لا زالت مساعيه في تشكيل حكومته تبوء بالفشل، وقد انتهت المهلة الأولى وقد دخل المهلة الزمنية الأخيرة التي لا تتجاوز الأسبوعين، وهما أسبوعين حاسمين، فإما أن ينجح وإما أن يفشل ويعيد التفويض للرئيس بيرس الذى إن لم يجد من الكتل الأخرى مرشحاً قادراً على تشكيل الحكومة فإنه سيعلن عن انتخابات عامة جديدة، والأحزاب التي يدير معها حوار الائتلاف تدرك ذلك ولا تنوى اضاعة فرصة ابتزازه حتى اللحظة الأخيرة، ومن جهة أخرى زيارة أوباما وهى الزيارة الاولى له كرئيس للبيت الأبيض، من المفترض أن تجرى في هذا الشهر، لكن الزيارة لا زالت معلقة وتنتظر أخبار التشكيل الحكومي، ومن جهة ثالثة فإن اضراب الأسرى والحراك الشعبي واستشهاد الأسير جردات يأتي بالنسبة لنتنياهو كأمر مهدد للاستقرار ومهدد بقلب الطاولة، وتغيير أجندات في ظرف دقيق وحساس. كل ذلك يشعر نتنياهو بالتوتر والرغبة فقط في أن ينتهى هذا الكابوس. يحولون الأموال ويعالجون مصاباً في مستشفى رفيديا حكومة نتنياهو التي تقوم الآن بتسيير الأعمال والتي أعلنت البناء في E1 وجمدت تحويل أموال الضرائب للسلطة كعقاب على توجه الاخير لطلب عضوية الأمم المتحدة، والتي مارست قولاً وعملاً أبشع الممارسات الاحتلالية استيطاناً وتهويداً وقتلاً واطلاقاً ليد المستوطنين، هي نفسها التي أمرت بسرعة تحويل أموال الضرائب، واجتهدت لتطويق الهبة الشعبية واحتوائها، لأن آخر ما تريده على ما يبدو أن تنفجر موجة كبيرة من الاحتجاج الشعبي الفلسطيني في هذا التوقيت، وربما هذا ما يفسر قيامهم بعلاج أحد مصابي الهبة داخل مستشفى رفيديا بنابلس، ومن ثم نقله بطائرة هيلوكوبتر الى مستشفى هداسا لاستكمال علاجه، وقد كانت عملية دخول الطاقم الطبي الإسرائيلي الى نابلس والى مستشفى رفيديا وعلاج المصاب هناك وخروجهم مع المصاب الى اقرب منطقة يمكن استخدامها كمهبط لطائرة الهيلوكوبتر في عملية من السرية والتمويه بموافقة ومرافقة الجهات الفلسطينية، بما يشير الى أن القيادات الاحتلالية أرادت انقاذ المصاب الفلسطيني ليس رأفة بحياته ولا لأى شيء آخر سوى لخشيتها من أن يشكل استشهاده - في لحظة المشاعر الوطنية - عامل تفجير واشتعال لحالة كانت قابلة حقاً للاشتعال. رسائل تهدئة سياسية وفي حمى التشكيل الحكومي والاستعداد لزيارة أوباما يجتهد مكتب نتنياهو في ارسال رسائل مهدئة سياسياً لكل من يهمه الأمر، بدءاً من ليفنى وأبو مازن والملك عبد الله وحتى أوباما، فيعلنون أن نتنياهو يفكر بتجميد البناء في المستوطنات التي تقع خارج القدس وخارج الكتل الاستيطانية في عناوين كبيرة صاخبة تافهة المضمون، وتتعلق بمجرد نوايا، والأمر أشبه بترويج وتسويق لبضاعة فاسدة يريدون مقابلها أثماناً باهظة، ويبدو أنه من جملة هذه الرسائل والتحضيرات لزيارة أوباما جرت زيارة نتنياهو لعمان ولقاءة مع الملك عبد الله حسب تقرير وكالة الأنباء الفرنسية قبل أسبوع، وهي زيارات اعتدنا على اجرائها قبل أي لقاءات مع الأمريكان، سواء من قبل العرب أو الاسرائيليين هدفها التسلح بتقرير إيجابي عن العلاقة بين الطرفين يرضى عنه الأمريكان. وقد جرى لقاء آخر بينهما في العاصمة عمان في ديسمبر الماضي يبدو أنه كان على خلفية الانتخابات الاسرائيلية والوضع السوري، وقد سبق اللقاء الأخير قمة جمعت الملك عبد الله مع بيرس على هامش اجتماعات قمة دافوس الاقتصادية. نتنياهو سيبقى مخلصاً لنفسه، مخلصاً لسياسات التضليل والخداع، مخلصاً لتمسكه بسياسات الاستيطان واستغلال أي مفاوضات لتمرير الوقت وادارة الصراع واحتواء ما يعرف بمسيرة نزع الشرعية عن الاحتلال وتجميل صورة الاحتلال طالما بقى الوضع الفلسطيني والعربي على حاله.