غزة / سما / تشهد الضفة الفلسطينية منذ وقت طويل حالة من التوتر والاحتقان على صعيد الصراع مع الاحتلال وقطعان مستوطنيه، وقد كان الامر جلياً في مظاهرات رد الفعل الشعبية إبان عدوان عامود السحاب على قطاع غزة، وقد وصل الاحتقان أعلى درجاته حتى الآن في شكل الهبات والحراك الشعبي تنديداً بجريمة قتل الشهيد جردات تحت التعذيب، وتضامناً مع إضراب الأسرى، ولا يعرف أحد إن كانت هذه الهبة قد تتطور لما هو أبعد من ذلك، على الرغم من أن ثمة تقديرات تتوقع أن تستقر الأمور عند حالة لا يعود فيها الميدان الى الهدوء السابق، ولكنها لن تتطور لتصل حد فعل شعبي كبير بفعل تعقيدات الحالة الفلسطينية الداخلية، لكن الأمر لا يبدو انه مرهون فقط بقرار فلسطيني، حيث تقول التجربة ان الاحتلال هو لاعب رئيسي أيضاً، ويستطيع أن يؤثر في الحالة بشكل كبير عبر منسوب استخدامه للعنف وانتهاكاته وممارساته الاحتلالية والاستيطانية، وذلك وفقاً لمصالح تخدم أقطاب حكومته ومؤسساته الأمنية. الحراك الشعبي في الضفة في ظل مستوياته الحالية وتوقيته يشكل اسناداً ودعماً للسلطة الفلسطينية تحديداً، وهي الرابح الرئيسي حتى الآن رغم الارتباك الواضح عليها جراء تخوفاتها من احتمالات التصعيد أكثر فأكثر مما ينطوي في نظرها على مخاطر فقدانها للسيطرة . يحسن بالسلطة وقيادتها أن تستفيد من هذا الحراك الذى يشكل لها في هذا التوقيت فرصة ثمينة، وهى التي بدت قبل وقت قصير مجردة من كل أوراق الضغط، وكان يخيل أنها تترنح وتتآكل وغير ذات صلة من المنظور الغربي والإسرائيلي وحتى العربي، فلم يكن أفضل من هذه الفرصة للرئيس أبو مازن لينجح في فرض الصراع مع الاحتلال على أجندة أوباما في زيارته المقررة في مارس، وأيضاً على الساحة السياسية الاسرائيلية بعد ان غيبوها لصالح أجندات أخرى. تستطيع السلطة أن توظف الحالة الفلسطينية الراهنة ليس على مستوى زيارة أوباما والوضع السياسي في اسرائيل فحسب، بل والأهم من ذلك كله في فضح جرائم الاحتلال على مستوى المحافل القانونية والسياسية الدولية، عبر المطالبة بتفعيل القرارات الدولية المتعلقة بإدانة الاستيطان والاحتلال، والقرارات المتعلقة بتحريم منتوجات الاستيطان، وتسليط الضوء على جرائم الاحتلال والتوجه فعلاً لا قولاً لمحاكمة مجرمي الاحتلال. لكننا لا نعتقد أن السلطة بمكوناتها وآليات فعلها الحالية تستطيع أن تنجح كثيراً في ذلك، حتى لو امتلكت الارادة الكاملة والرغبة الشديدة في ذلك، فلا بد من العمل بالتوازي مع ذلك على إنهاء الانقسام، فكل ما يمكن أن يتنازل عنه طرفي الانقسام في سبيل إنهاءه من امتيازات حزبية لا يمكن أن يرى بالميكروسكوب مقارنة بما يدفعه الشعب للاحتلال. إضافة لإعادة الاعتبار ل م. ت. ف وضخ دماء جديدة في دوائر صنع القرار السياسي، فلا يجوز أن يبقوا الاشخاص هم أنفسهم الذين كانوا قبل عشرون عاماً، مع أنها لم تكن عشرون عاماً من الانجازات. اسرائيلياً لم يتفاجؤوا بالهبة الجماهيرية، بل كانوا يتوقعونها، وكان جيش الاحتلال على مستوى عالٍ من الجاهزية للتصدي والقمع، لكن المستوى السياسي أصيب بالهلع والارتباك لا سيما أنها قضت على كل مساعيه وجهوده السابقة الرامية لتغييب الصراع عن جدول اهتماماته لصالح قضايا وأجندات أخرى، وقد فاخر نتنياهو كثيراً بذلك في السابق واعتبره أحد أهم إنجازاته، وكان أشبه بمن يدفن راسه بالرمال، فقد اقتحمت علية الأحداث لحظات متعة شعورة بأنه السيد المسيطر الذى يلف العالم على أطراف أصابعه، ليكتسي وجهه فوراً بشحوب الخوف وتعرق المرتبك في مشهد يذكره بأحداث النفق عندما سارع للاستنجاد بكل من يستطيع الوصول لعرفات لتهدئة الأمور. لكنه بعد أن تناول الكثير من المهدئات السياسية وعبر التقارير الأمنية استعاد قدرته على التركيز، وعمل على مستويين: الأول إطفاء الحريق بأسرع وقت حتى لا يؤثر أكثر من اللازم على زيارة أوباما، والثاني حاول توظيفه في شكل ممارسة ضغوط وابتزاز على الأحزاب التي يتطلع لأن تشاركه ائتلافه الحكومي، باستخدام فزاعة أن الوقت ليس للمناكفات والأجندات الحزبية في ظل الحالة الأمنية المهددة ليتغلب بواسطة ذلك على تعقيدات مفاوضات التشكيل الحكومي.