غزة / سما / ما أسوأ أن تكون جراحاتنا وعذاباتنا بوق دعاية لمن يمعن قتله فينا بشكل منهجي، ومسرحية لإظهار انسانية مزعومة لكيان غاصب قاتل وكاذب، يغرس مخالبه في لحمنا ويفتح بواباته لعلاج جرحى الحرب السورية في ذروة الزيف والادعاء بالإنسانية الكاذبة، وفى ذروة انحطاط الهوية والانتماء الذى قد ينساق السوريون إليه في حال استمرت هذه الحرب البشعة، فصراع الأخوة الدامي قد يضطر المتقاتلين لتحالفات غير مشروعة تقفز عن ثوابت كانت المشترك الموحد، ولنا في التاريخ عبرة، تحالف أبناء الملك العادل الأيوبي مع الفرنجة للاستقواء على بعضهم بعضاً. ربما نغالى في قراءة حدث قد يعتبره البعض مجرد حالة استثنائية لن يكون لها ما بعدها، ولا تشكل تغييراً جديداً على الموقف الإسرائيلي السوري أو على موقف السوريين من اسرائيل، وهذا أيضاً ما يقوله الجيش الإسرائيلي في معرض توضيحه لخلفيات قراره إدخال الجرحى السوريون السبعة للعلاج في المستشفيات الاسرائيلية، على أنها مجرد بادرة انسانية لمن وصلوا للجدار وطلبوا المساعدة، لكن هذا التصريح لا يعبر عن عمق الأمر، ولا عن عمق توظيفه والاستفادة منه اسرائيلياً. نسمع ونقرأ الكثير مما يبث في الإعلام العربي لسوريين من المعارضة، ومن البسطاء المكتويين بنار الجيش السوري الذين يقارنون بين ما يسمونه أو ما يفسر برحمة اسرائيل حيال أعدائها وبين وحشية جيش الأسد حيال شعبه، وهو ما يغرس في الوعى العربي تقدير مهين ومغلوط عن انسانية ورحمة العدو القاتل، والإعلام الإسرائيلي كأنما يحتفل بمثل هذه الاحداث وتلك الاقوال، ويكيل المديح ويعبر عن افتخاره بالانتماء لدولة تستطيع أن تكون انسانية ورحيمة مع اعدائها، وتشكل لهم ملجأ من أبناء جلدتهم، وبعضها يهتم بترجمته ونقله للإعلام الأجنبي، كما أن سياسيي تل أبيب يستغلونه ويوظفونه في تسويق دعايتهم عن شرق أوسط متوحش مقابل دولة اليهود الديمقراطية التي تصر على التزامها بالأعراف والقيم الانسانية والاخلاقية في تنكر وقح لهمجية قتلهم الوحشي منذ دير ياسين، وعلى كل أراضي دول الطوق العربي. الانسانية مدخل للتوظيف السياسي والاعلامي في اسرائيل يصغون ويدققون ويراقبون ما يحدث في سوريا أكثر من أي مكان آخر في العالم، ويجرون الدراسات والأبحاث، ويضعون الخطط والسيناريوهات التي تتغير وتتبدل بمستوى تغير الحالة، ويقولون انهم مستعدون وجاهزون لأي طارئ، لأنهم يدركون أن لتداعيات الأزمة مخاطر عليهم وفرص قد تحملها لهم، والمخاطر قد تكون تكتيكية أو استراتيجية مرهون بطبيعة التهديد وامكاناته الكامنة، أما الفرص فهي تكتيكية قصيرة أو مرحلية متوسطة. مداخل اسرائيل في الأزمة السورية متعددة، ومن المؤكد أنها باتت أحد الأطراف المؤثرة، وهى لاعب حاضر في الساحة السورية، والسؤال هو لأي مدىً ولأي عمق يصل تأثيرها الراهن والمستقبلي؟. التدخل من الباب الإنساني هو أحد الخيارات الذى ربما تعمل على تحقيقه تل أبيب، فرغم تخوفاتها من تداعيات الأزمة، ورغم التوتر والتسخين (التراشق المدفعي على جانبي الحدود) الذى حدث العام الماضي، ورغم تعزيز الحدود بالألوية ومختلف الأسلحة، وبناء الجدار الإلكتروني عالي التقنية، إلا أنها جهزت في وقت مبكر مساحات لاستيعاب اللاجئين الذين قد يفرون من الجانب الآخر للحدود طالبين لجوءاً انسانياً، كما يحدث على حدود سوريا مع الأردن وتركيا ولبنان، فقد كانت الفرضية الاسرائيلية أنها دولة جذب، وهى كمثيلاتها من الدول السابقة دولة حدودية مع سوريا، فلماذا قد يستثنيها السوريون من اللجوء؟. كانت تتمنى اسرائيل أن يصل طالبي اللجوء السوريين لتسطيع أن تظهر انسانيتها، وتكون جزءاً من الدول الراعية للجوء السوريين، بما يجعلها ذلك جزء من منظومة مفاعيل قرار إقليمي إنساني، يمنحها أفضليات ومدخلاً ناعماً للأزمة السورية. اسرائيل كعادتها تجيد القتل وتجيد الظهور بمظهر الرحيم، تنكل بالمهاجرين الأفارقة سجناً وحرماناً من أبسط الحقوق، وابتزازاً وعنصرية اضطرت الأمم المتحدة لتذكير اسرائيل بحقوق اللاجئين وواجبات الدول الراعية لهم، وفى نفس الوقت تظهر استعداداً لإنسانية تستحضرها على عجل للتوظيف الإعلامي والسياسي المفضوح. وأخيراً، فإن شعور البعض أن العدو رحيم وإنساني في مقارنة لوحشية الاحتراب الداخلي إنما ينم عن تشوه قيمي وأخلاقي، يفرض على حكامنا أن يتقوا الله في شعوبهم.