القدس المحتلة سما على الرغم من شح المواد الاستخبارية عن حزب الله في الدولة العبرية، فان مراكز الابحاث الاستراتيجية الاسرائيلية، المرتبطة بالمؤسستين الامنية والسياسية في تل ابيب، تُحاول سبر اغوار ظاهرة هذا التنظيم اللبناني، الذي يقض مضاجع صناع القرار في اسرائيل.ففي دولة الاحتلال، تُشكل اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية الركيزة الاساسية للدولة والجيش والحروب والانتصارات او الهزائم، بل ان الانجازات الامنية والعسكرية الاسرائيلية التي حولوها الى اساطير، وخاصة على صعيد الاغتيالات والعمليات الخاصة، تحققت بالنسبة لهم بفضل فعالية اجهزة الاستخبارات.فمن وجهة نظر المؤسسة الاستخبارية الاسرائيلية، يساوي جاسوس واحد اكثر من الف جندي في ارض المعركة، كما قال نابليون بونابرت في زمنه، وربما اصبح يساوي اليوم في اعقاب الهزائم الاسرائيلية عشرة الاف جندي في الميدان، اذ بدون الجاسوس - اي المعلومة - يبقى الجندي اعمى لا يرى شيئًا. وهذا هو المحرك لبحث جديد لمعهد الامن القومي الاسرائيلي (INSS) حول الميول القائمة في البيئة الاستراتيجية التي يجب على الاستخبارات الاسرائيلية الاستعداد لها في العقد المقبل.وجاء في البحث المبنى القائم حاليا لاجهزة الاستخبارات الاسرائيلية هش للغاية، ولا يستطيع مواجهة التحديات الجسام القائمة امام الدولة العبرية.وقد تجلت هشاشة الاستخبارات الاسرائيلية عمليا وميدانيا هناك في لبنان اثناء حرب صيف 2006 وما قبلها وما بعدها، وكذلك هناك في سورية حينما ظهر زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله فجاة الى جانب الرئيس السوري بشار الاسد والايراني محمود احمدي نجاد، والاخطر من ناحية تل ابيب هو نجاح حزب الله في اختراق المؤسسة العسكرية والاستخبارية الاسرائيلية. فمنذ هزيمة اسرائيل في حرب 2006 اصيب جنرالاتها ومحللوها وكبار باحثيها بالذهول، ولم يستفيقوا من هول الهزيمة، فاعلن وزير الامن الاسبق والجنرال في الاحتياط بنيامين بن اليعازر ان الحكومة الاسرائيلية ذُهلت من قدرة حزب الله على البقاء، في ما كشف الجنرال في الاحتياط، متان فيلنائي النقاب عن حالة الذهول لديهم بقوله: لم نستوعب مع من نقاتل، وهذا جزء من التهور، علاوة على ذلك، اعترفت المؤسسة العسكرية بما قالت انه الصفعة التي تلقيناها من حزب الله اضاعت قوة الردع الاسرائيلية، اما الجنرال احتياط ران كوهين فكشف ان المستوى السياسي اتخذ قراراته بشكل متسرع، بدون معرفة من سيذهب الى القتال، وكيف يمكن تحقيق الانجازات، مشيرا الى ان الاخفاقات تكمن في عدم معرفة الجيش بقدرات حزب الله القتالية، على حد تعبيره.وفي هذا السياق، اخذوا يتساءلون: كيف حدث ذلك؟ لماذا لم ننتصر في الحرب؟ ما العمل مع حزب الله الذي تحول الى تهديد رادع لاسرائيل؟ ما العمل مع نصر الله الذي بات يحظى بمصداقية قيادية شخصية لا نظير لها على امتداد الساحة العربية والاسلامية، بل والاسرائيلية الى حد كبير؟ اين مخبا الامين العام للحزب الذي اصبح يشكل نصف الاعلام ونصف المعركة؟ كيف يمكن التخلص من الحزب وامينه العام؟ وغير ذلك من الاسئلة والتساؤلات الكبيرة التي تقض مضاجع المؤسسة العسكرية الامنية الاستخبارية والسياسية الاسرائيلية.فعلى سبيل الذكر لا الحصر، قال الخبير في الشؤون الاستراتيجية، د. رونين بيرغمان، في مقال نشره في صحيفة ’يديعوت احرونوت’ ان الحرب التي تورطت فيها دولة اسرائيل كشفت قصورين فادحين: اولهما انهيار مفهوم التسلط الجوي، ويقوم على حسم اي معركة جوا مع الاستعانة بقوة برية صغيرة. والثاني فشل استخباراتي ذريع سيُكتب الكثير عنه بنسبة اكبر مما كتب عن الاخفاق في حرب اكتوبر من العام 1973.كما تطرق الخبير الى ما اسماه بالعمى الاستخباري، قائلا ان الاستخبارات الاسرائيلية فشلت في اختراق حزب الله فشلا ذريعا رغم ان مئات من عناصرها عملت في هذا الاتجاه، مضيفًا ان عدم النجاح في اختراق مركز صنع القرار في حزب الله، انعكس بشكل واضحٍ وجلي في النتائج التي تمخضت عنها الحرب، بمعنى تطوير القدرات الاستخبارية على صعيد الجبهة اللبنانية الداخلية، والخارجية على صعيد دولة الاحتلال وجيشه ومؤسساته العسكرية والاستخبارية والتسليحية المختلفة، اضافة الى عناصر البطن الرخوة لديه، اي العمق الداخلي الاسرائيلي، التي تُقلق المنظومة السياسية والامنية ازاءها قلقًا كبيرًا متزايدًا في ضوء انكشافها المرعب امام حرب الصواريخ القادمة. فعمل حزب الله الاستخباري، كما يتبين وفقًا للشهادات والقرائن التي يعززها بحث مركز دراسات الامن القومي الاسرائيلي، عمل متوال ومماسس يشبه اسلوب عمل اجهزة الاستخبارات النظامية الكبيرة، اذ ان جمع المعلومات الاستخبارية الموجهة، والعمل في اوساط جماهيرية مختلفة، اضافة الى تطور خبرة مشغلي المصادر البشرية وكيفية تجنيدها، تدل على ان مسارات ماسسة الذراع الاستخبارية لحزب الله في السنوات الاخيرة، لم تتخلف عن مسارات ماسسة الذراع العسكرية، على حد قول البحث الاسرائيلي.وبالمجمل فان هذه العوامل مجتمعةً تُشير الى تحول حزب الله من الناحية الاستخبارية والعملياتية، الى اكثر تركيزا وخطورةً ونجاعةً وردعًا، كما جاء في بحث مركز دراسات الامن القومي، التابع لجماعة تل ابيب، والمرتبط عضويًا بالمؤسستين الامنية والسياسية في تل ابيب.على صلة بما سلف، زعم جهاز الامن العام (الشاباك الاسرائيلي) في تقريره التلخيصي للعام 2012، زعم ان ان خلايا عديدة تابعة لحزب الله والحرس الثوري الايراني انتشرت في مختلف انحاء العالم، وقامت بكثيف جهودها لتنفيذ اكبر عدد من العمليات ضد اهداف اسرائيلية، لكن التنسيق بين اجهزة الامن في الدولة العبرية ونظيراتها في الدول الصديقة بالغرب ساهم في احباط العديد من العمليات المسلحة التي خطط لتنفيذها ضد يهود واهداف اسرائيلية. وتابع التقرير قائلا ان العام المنصرم ارتفاعًا كبيرا في العمليات ضد الدولة العبرية، وكان اخطرها عملية (بورغاس) في بلغاريا، التي استهدفت سياحا اسرائيليين وادت الى مقتل خمسة واصابة العشرات، علاوة على ذلك، ادعى التقرير انه تم القاء القبض على عدة خلايا تابعة لحزب الله والحرس الثوري الايراني في عدد من الدول، بينها في قبرص وكينيا وتايلاند.