عاصفة المطر في الاسبوع الماضي دفعت الى الزاوية تصريح انتقادي حاد من رئيس الدولة. ففي مقابلة مع "نيويورك تايمز" قال بيرس ضمن امور اخرى انه "دون افق سياسي، الفلسطينيون سيعودون الى الارهاب". لا أنوي الخوض في مسألة اذا كان يجدر برئيس الدولة ان ينتقد عشية الانتخابات وأن يوصي المواطن الا يصوت في صالح حزب السلطة، بل ان افحص من ناحية موضوعية هذا القول في موضوع العلاقة بين الارهاب و "الافق السياسي". هذا القول، باشكاله المختلفة – دون مفاوضات سياسية أو دون مسيرة سياسية جوهرية او جريئة أو حقيقية فان بانتظارها ارهابا او انتفاضة – اصبح عندنا قولا دارجا، شعارا، مثابة كليشيه يقال على نحو شبه ديني. والاستنتاج المنطقي الذي ينبغي لكل ذي عقل ان يستخلصه هو أنه عندما يكون افق سياسي، وتكون المسيرة السياسية حقيقية تماما، فلن يكون ارهاب ولن يكون عنف فلسطيني. اما أنا فأدعي بالمقابل بان هذا القول ليس صحيحا بل ومضلل. لماذا؟ بداية، تجربتنا في الماضي مع الفلسطينيين تدلنا على أنه لا صلة بين المسيرة السياسية والارهاب. فمنذ التوقيع على اتفاق اوسلو الاول (ايلول 1993) وحتى اتفاق اوسلو الثاني (ايلول 1995)، والذي في اطاره أخلينا ضمن امور اخرى المدن الفلسطينية في يهودا والسامرة، قتل من الارهاب الفلسطيني 164 شخصا واصيب المئات. وبالمقابل في كل سنوات الانتفاضة الاولى الخمسة قتل 155 شخصا، معظمهم ليس من ارهاب الفلسطينيين. بكلمات اخرى، في الوقت الذي وصلت فيه المسيرة السياسية مع الفلسطينيين الى ذروة الذرى وخلقت للفلسطينيين افقا سياسيا بلا حدود، شبه حالم، ارتفع ارهابهم بمئات في المائة. نواصل من ناحية التاريخ. شمعون بيرس تسلم رئاسة الوزراء في اعقاب اغتيال رابين. لم يكن هناك من يحب المفاوضات السياسية أكثر حماسة منه، لم يكن زعيم لم يبذل كل جهده وقدرته وخبرته في دفع التسوية السياسية مع الفلسطينيين الى الامام، مثلما كان بيرس. ولكن في هذه الفترة القصيرة في ولايته كرئيس للوزراء (من تشرين الثاني 1995 وحتى ايار 1996) قتل 59 شخصا في عمليات ارهابية فلسطينية. كان هذا بيرس نفسه، في شباط 1996، بعد العملية في خط باص 18 في الطريق الى القدس، الذي قال (صحيفة "دافار"، 26/شباط): "الكثير جدا من الاسرائيليين يعرفون بان للسلام يوجد ثمن بالارواح ايضا". بعض آخر من التاريخ. على مدى ثلاث سنوات ولاية نتنياهو كرئيس وزراء قتل 44 شخصا على ايدي الفلسطينيين، منهم 16 جندي من الجيش الاسرائيلي في احداث "نفق المبكى". ليس عدد الخسائر وحده انخفض في حينه بل وعدد العمليات انخفض على نحو ساحق، وفي السنة الاخيرة من ولايته كانت كمية العمليات هامشية، دون أي ضحية في الارواح. وذلك في فترة كان فيها الافق السياسي الفلسطيني في تراجع سريع. في اثناء ولاية باراك كرئيس للوزراء نهضت المسيرة السياسية مع الفلسطينيين لتبلغ ذرى جديدة والافق امتلأ بالذهب. اما النتيجة: ارهاب فلسطيني اجرامي غير مسبوق، يدمغ ذاكرتنا الجماعية. لا ينبغي لاحد أن يستنتج هنا بالذات بان الجمود السياسي يؤدي الى انخفاض في الارهاب. فهذا لا أساس له من الصحة بالضبط مثلما هي المفاوضات السياسية لا تمنع الارهاب. واحيانا العناصر المتطرفة بالذات قد تصعد الارهاب امام خطوات سياسية لا تروق لها. برأيي، أن العامل المركزي الذي يوجه الارهاب (نحو الصعود، الهبوط، الجمود) هو قدرات جهاز الامن الاسرائيلي بكل عناصره: في البعد الاستخباري – العملياتي الهجومي، في البعد الاستخباري – العملياتي الدفاعي وفي البعد الاعلامي. في وجه هذه القدرات توجد قدرات منظمات الارهاب. هذه مواجهة مستمرة، وعلى دولة اسرائيل أن تبقي فيها على التفوق والتصميم كل الوقت. في اللحظة التي تهبط فيها قدرات اسرائيل او ترتفع فيها قدرات الارهاب، سنشهد عمليات ارهابية ضدنا، وذلك سواء كانت هناك مسيرة سلمية أم لا. المسيرة السياسية، سواء كانت جوهرية أم احتفالية، هي دوما جيدة وهامة، ولكنها ليست علاجا جيدا بالضرورة ضد الارهاب.