"مديا كان يمكنها أن تكون إمرأة مصرية او أي إمرأة اخرى"، تقول المخرجة المصرية الشابة يسرى الشرقاوي في مقابلة صحفية، "ولهذا فقد قررت أن اسمي مسرحيتي "ليست إمرأة يونانية". ظاهرا، يدور الحديث عن معالجة اخرى لمسرحية اوريبيدس، "مديا"، هذه المرة باللغة العربية. ولكن كان للشرقاوي سبب ممتاز لان تختار بالذات هذه التراجيديا اليونانية. مديا، التي قتلت الزوجة الشابة لزوجها الخائن يسون وطفليهما، اصبحت في المسرحية الجديدة إمرأة مصرية شابة، ام لطفلين، فرض عليها بأمر ضابط شرطة أن تغادر بلادها وأن تبقي طفليها تحت رعاية زوجها، بعد أن هجرها هذا وتزوج مع شابة، هي بالصدفة ابنة ضابط الشرطة. في المسرحية، تقرر البطلة المصرية الانتقام وقتل العروس وطفليها لانها تعرف بان ابوهما لا يمكنه أن يواصل العيش بدونهما. "ليست امرأة يونانية"، التي تعرض في مسرح الروابط في القاهرة وتنال النجاح الكبير، هي احدى الابداعات الجديدة التي كتبت وعرضت بعد الثورة في مصر، وهي كفيلة بان تركز الى انتعاش المسرح المصري بعد سنتين من الجمود. منذ الثورة الشعبية والاحداث السياسية العاصفة التي رافقتها – تعطل الابداع المسرحي. الشرقاوي، تجتهد لان تشرح بان مسرحيتها ليست تعبيرا عن العجز الاجتماعي، بل ايضا تمثيلا لثورة آمن شبابها بأنهم ينالون مستقبلا جديدا وها هي تقع عليهم الخيانة الكبرى – فقد حصلوا على حكم ليس هو الذي تمنوه. الشرقاوي لا تشير علنا وبصراحة الى الاخوان المسلمين بانهم الجهة التي خيبت آمال الثوار، وتفضل ان تبقي الجواب على مسألة الذنب لقراء المقابلة. كما أن مسرحية عالم النفس عصام اللباد، "الدولاب والقمر" تعنى ظاهرا بجوانب اجتماعية. فهو يصف تحقيقا لحالة اغتصاب جماعي لشابة مصرية انتحرت بعد الحدث. الشرطي المحقق، الذي يميل كما هو متوقع الى جانب المغتصبين، يسأل اصدقاء الضحية أين عملت واذا كانت تعتمر الحجاب. أحد الاصدقاء يشرح للشرطي بان المغتصبة عملت كنادلة في كافتيريا وأنه حسب سياسة المطعم محظور على النساء اعتمار الحجاب. "حسنا، واضح أن إمرأة تعمل في كافتيريا ولا تعتمر الحجاب تساهم في التنكيل بها"، يقول الشرطي، "لعلها بشكل عام تصرفت بشكل استفزازي وهكذا أثارت المعتدين عليها". هنا لا تعود حاجة الى تفسيرات المسرحي: العلاقة المشوهة بين الحجاب وبين المس بالاخلاق – مكشوفة وحادة. ومع أن المسرحيات عن علاقات الرجال – النساء في المجتمع المصري ليست جديدة، لكن المسرحيات الجديدة يجب تفسيرها على خلفية التحولات السياسية. في مصر الجديدة، حركة الاخوان المسلمين والحركات السلفية الاخرى لا تمسك فقط بالسلطة بل وتجتهد ايضا لان تقرر حدود الخطاب الجماهيري والمجال الفني. واذا كانت في عهد مبارك مسرحيات الشرقاوي واللباد استقبلت كرسالة اجتماعية لاذعة، فانها اليوم تعتبر كاحتجاج ضد ما يمكن للحكم الجديد وممثليه ان يفعلوه. اشارات تهديد في هذا الاتجاه برزت في شهر ايلول، عندما رفع المحامي اسلام الوحشي، رجل الاخوان المسلمين، شكوى الى وزير الداخلية ضد المركز الثقافي "ساقية الساوي" على أنه سمح لعروض لفرق الروك في مصر. هذه الشكوى ذكرت الشباب المصريين الذين وصلوا الى المركز الثقافي بجموعهم كي يسمعوا موسيقى الروك، بالتنكيل من جانب قوات أمن مبارك بفرق مشابهة في التسعينيات. في حينه نجحت الدولة في أن تصد على نحو شبه تام عروض علنية كهذه. أما بعد الثورة فاستيقظ من جديد في مصر الامل في الا يعتبر الروك "موسيقى شيطانية" اخرى في المركز الثقافي. المشوق هو أن مؤسس المركز، محمد الساوي، نجل الكاتب المصري، عبد المنعم الساوي، هو بالذات مقرب من الاخوان المسلمين. غير أن في هذه الاثناء يبدو أن الصدام بين الطرفين محتم. في مدينة المينيا في جنوبي مصر منعوا عرضا لفرق من الشابات، وفي الاسكندرية جرت محاولة من نشطاء من الاخوان المسلمين لمنع عرض مسرحية اعتبرت بانها "تمس باسس الثقافة المصرية". ووصف الناطق بلسان حركة "الدعوة السلفية"، عبدالمنعم الشحات، وصف الكاتب المحبوب نجيب محفوظ بـ "الكافر"، اتهم بان كتبه تشجع اللواط والالحاد. كما دعا أيضا الى تدمير تماثيل فرعونية بدعوى أنها تشجع ثقافة لا تؤمن بالله. وفي الشهر الماضي هاجمت مجموعة من النساء المنقبات الراقصة ميشيل ميرات، التي تظاهرت امام المحكمة في القاهرة وقصصن شعرها الطويل. اما طلب المسرحي المخرج احمد عبدالله بان يصور فيلمه الوثائقي داخل مسجد فقد رفض وسيارة المخرج خالد يوسف افسدها مؤيدو الزعيم السلفي صلاح ابو اسماعيل. "هذه فترة خطيرة سيجتهد فيها الاخوان المسلمون والسلفيون باظهار قدرتهم على منع كل ما لم ينجحوا في عمله في عهد مبارك"، يقول لـ "هآرتس" سينمائي مصري زار في الماضي اسرائيل مرتين. "اذا كان بوسعنا في الماضي أن نأمل على الاقل في أن يساعدنا وزير الثقافة ورؤساء الاتحادات المهنية، فان الاحساس الان هو أننا يتامى". هل عهد مبارك قدم حرية أكبر للفنانيين في المسرح والسينما؟ "كان في حينه احساس بان على الاقل هناك قواعد معروفة للعب. كانت رقابة وعرفنا كيف يمكن تجاوزها، كانت تحذيرات وتهديدات، ولكننا كنا نعرف سراديب البيروقراطية. الان يخيل أنه لا يوجد مع من يمكن أن نتحدث. كل ملتحٍ يمكنه أن يقرر ما يروق له في المسرح أو في السينما". من الجهة الاخر، فور الانتخابات للبرلمان في كانون الثاني الماضي، أقام فنانون مصريون "جبهة الابداع المصرية" هدفها الدفاع عن حرية التعبير. وفي نفس الشهر ساروا نحو مبنى البرلمان في القاهرة وطالبوا ممثلي الشعب الجدد بالاعتراف باهمية الفن على كل انواعه والسماح له بالعيش دون قيود. ومنذئذ، حل البرلمان بأمر من المحكمة الدستورية، ولكن نشاط "الجبهة" لم ينته. اعضاؤها وقياداتها يقترحون على الفنانين المساعدة في كل حالة تنكيل أو تهديد بالغاء عروض. وفي الشهر الماضي قام اعضاء المجموعة بمسيرة اخرى من ميدان طلعت حرب حتى ميدان التحرير للاعراب عن قلقهم من الدستور الجديد ومن حقيقة انه لا يضمن بشكل قاطع حرية التعبير في مصر. من أجل محاولة تبديد المخاوف، التقى الرئيس محمد مرسي قبل نحو ثلاثة اشهر بمجموعة فنانين وممثلين، ووعدهم بان نظامه لا يعتزم منع الابداع أو فرض الرقابة بما "يتجاوز ما ورد في القانون". المشكلة هي أن القانون عمومي وغامض لدرجة أنه يسمح بتفسير واسع لتعريف الجرائم. مسألة هامة بقدر لا يقل عن ذلك تتعلق بالميزانيات التي يمكن ان يتوقعها المسرح، الاوبيرا والمؤسسات الثقافية الرسمية التي تعتمد على طاولة الحكومة. إذ بينما الفرق الصغيرة، فنانو الشارع أو المسارح بملكية خاصة اعتمدت في الماضي ايضا على بيع التذاكر أو التبرعات، فان المسارح الكبرى أو بيوت الاوبيرا تعتمد جدا على المساعدة الحكومية. والقلق الان هو أي نوع من الضغوط يمكن ان تتوقعها هذه المؤسسات الثقافية في اعقاب صعود الاخوان المسلمين. مهما يكن من أمر، فان هذه التساؤلات لن تتضح الا بعد أن ينتخب في مصر برلمان جديد يتعين عليه أن يقرر اطار الميزانية الجديدة. والنتيجة هي أنه اذا كانت السنة الاولى من الثورة اثارت زخما ابداعية، وجد تعبيره في مضامين ثورية مثل "مسرح المظلومين" الذي اشرك الجمهور في مسرحياته، التسجيلات التي حظيت بمبيعات هائلة مثل "هذه ثورتنا، ونحن سنكملها" و "ارحل ايها النظام العسكري"، أما الان فيظهر في مستنقع الثقافة المصرية حذر شديد جدا. وهكذا، فانه عندما تحتاج مسرحية مثل "ليست إمرأة يونانية" الى مساعدة المخرجة كي توضح كيف ترتبط بالثورة، واصحاب التسجيلات يحتاجون الى تلطيف كلماتهم، يبدو أن المشهد الثقافي في مصر سيظهر كيف ان الثورة تمر عنه.