اليكم المفارقة المنطقية: لمساعدة المواطنين العرب في اسرائيل، يجب على احزاب اليسار والوسط ان تخبيء العرب في أقباء. والابتعاد عن أي تعاون مع احزاب عربية ولبس أقنعة القومية. هكذا فقط يستطيعون ان يجمعوا عددا من النواب اليهود آخرين قد يُمكّنونهم من ان يمنحوا السكان العرب بعد ان يتم انتخابهم شيئا أفضل من الخدمة. يُرى اليسار طالبا للحقوق، وعقبة في سبيل العنصرية والفاشية، ومشحونا بالشفقة على المحتاجين والمضطهدين. والاحزاب العربية هي يسار في اسرائيل ايضا. انه يسار اجتماعي لأنه لا مناص له من ذلك. وقد نشأ من سكان مضطهدين وهو يتنفس لذلك الايديولوجية الاجتماعية التي ترمي الى إبعاد الظلم والتمييز. فليس للاحزاب العربية ألبتة الاختيار بأن تكون يمينا اقتصاديا أو ان تدفع الى الأمام بالليبرالية الجديدة أو ان تُمثل أجندة أصحاب المال. لا يعني هذا أنه لا توجد طبقة غنية ثرية بين العرب في اسرائيل، لكنها تملك ما يكفي من الممثلين اليهود ليدفعوا بشؤونها الى الأمام. ما كان يمكن ان يوجد في ظاهر الامر أنسب وأدق من جهة ايديولوجية، وما هو في الأساس ذو طاقة ضخمة على التغيير الاجتماعي من التعاون بين الاحزاب العربية واحزاب اليسار والوسط – اليسار اليهودية. لكن كيف يمكن التعاون مع احزاب طائفة من السكان تعتبر "عدوا"؟. والنتيجة السياسية أكثر مأساوية. يجب على احزاب اليسار والوسط ان تحافظ على بُعد آمن من العرب اذا أرادت ان تزيد في وزنها الانتخابي. لأنه من ذا يصوت لميرتس اذا انشأت حملة انتخابية مشتركة مع حزب التجمع أو غيره، ولهذا من يُعرض نفسه لخطر رفع لافتات في الشوارع أو على الحافلات تقول "زهافا غلئون – حنين زعبي". فاذا كانت ميرتس كذلك فكيف يكون حزب العمل أم "الحركة" لتسيبي لفني، إنهما مستعدان بالطبع لاعلان نيتهما لتحسين وضع العرب في اسرائيل، لكن من بعيد فقط. وشاس ايضا التي هي رمز الاجتماعية الشرقية ورافعة راية الظلم الطائفي، تكف نفسها كفاً قويا عن شفقتها حينما تصل الى العرب. إنها معنية جدا بأصواتهم وهي تحصل عليها ايضا في عدد غير قليل من البلدات العربية بشرط ان يصوتوا لها أفرادا. فالائتلاف مع الاحزاب العربية لا يؤخذ في الحسبان. ان شاس تحارب التمييز في الحقيقة لكنها ليست حزبا منتحرا. إن القطيعة التي تفرضها احزاب يهودية على الاحزاب العربية تدفع هذه الى العجز. وتظل احتمالات تحسينها وضع ناخبيها ورفع المظالم الاقتصادية والاجتماعية أو حتى تحديد مضامين الكتب الدراسية التي تُدرس في المدارس العربية، تبقى صفرا، فتضطر هذه الاحزاب على نحو من المفارقة المنطقية الى ركوب الاحزاب اليسارية واحزاب الوسط الاسرائيلية كي تحصل على شيء من العظم وقطعة ميزانية اخرى أو شيء من الضجيج في الكنيست. وهذا في الأصل حلف بائسين لأن الاحزاب غير اليمينية اضطرت في السنوات الاخيرة ايضا الى التسول في هامش مسار آلة الضغط اليمينية. مع عدم وجود أمل في احراز شيء ما وتغيير اجتماعي تستطيع الاحزاب العربية معه ان تفخر بين المصوتين لها بقي لها ان تتمسك بالنضال الفلسطيني في الضفة والقطاع. لكنها بذلك تُبعد نفسها ثلاث مرات: فالاحزاب اليهودية لن تُعرض نفسها لخطر لمسها حتى بعصا، ولا يرى جزء كبير من الجمهور العربي أنها تمثله، وقد تبنتها الاحزاب اليمينية اليهودية باعتبارها رمزا للخيانة الوطنية يُمكّنها من ان تصم السكان العرب جميعا. وتكون النتيجة أن الاحزاب العربية بالنسبة للمجتمع اليهودي والعربي هي "حاضرة غائبة" ليس لها أي وزن وقيمة. وهي من وجهة نظر احزاب اليسار خزان "نواب مسمومين" استعمالهم خطير. هذا في الحقيقة يسار متميز، يسار يجب عليه ان يُقصي ويخفي زبائنه اذا أراد ان يساعدهم. يجب ان يكون يمينيا كي يكون يساريا.