إن الأفق الاسرائيلي الفلسطيني يزداد قتامة الى درجة فقدان الأمل. فالجمود السياسي المطلق، والوضع الاقتصادي الآخذ في التدهور، وضعف السلطة الفلسطينية وصعود قوة حماس – وذلك بفعل نشاط اسرائيلي متعمد، بقدر غير قليل – كل ذلك أعاد الفلسطينيين الى الشوارع وزاد في ظواهر العنف والشغب. ان الجو مشحون بـ "بخار الوقود" كما قال رئيس "الشباك" السابق يوفال ديسكن الذي أحسن وصف الازمة التي أخذت تقترب في مقابلة صحفية صريحة صائبة نشرت في نهاية الاسبوع الماضي. إن قوات الامن الفلسطينية تكافح المشاغبين لكن يبدو انها تفعل ذلك بتصميم أقل؛ وقد يكون أسهم في ذلك تأخير اسرائيل لرواتبهم. وفي اثناء ذلك تسخر حماس بصوت جهير من فشل السلطة الفلسطينية في طريق السلام وتدعو الى انتفاضة ثالثة. ان تجديد التفاوض السياسي ضرورة فورية لمحاولة منع الهياج المرتقب؛ لكن لما كان احتمال احراز تسوية دائمة ضعيفا، اذا لم نشأ المبالغة بسبب تكوين الحكومة في اسرائيل وبسبب ضعف السلطة الفلسطينية، فربما كان من المناسب ان نعود ونفكر في مباديء "خريطة الطريق" وان نحاول تحقيقها. أدرك رئيس الوزراء شارون الذي أتم في هذه الايام سبع سنين منذ عولج على أثر جلطته الدماغية، أدرك منذ زمن ان الدولة الفلسطينية ستنشأ حتما سواء أردنا ذلك أم لم نُرده، وأن "خريطة الطريق" هي الصيغة الأفضل لتقليل أخطارها. إن جوهر منطق "خريطة الطريق" هو اشتراط التقدم السياسي في تغيير الواقع الفلسطيني في مراحل متصلة يتم الفحص عنها بشدة على الدوام، الى ان يحين موعد التباحث في الترتيبات الدائمة – وهو تباحث سيشتمل على موضوعات صعبة مؤلمة كاخلاء مستوطنات وتقسيم مدينة القدس ومسألة اللاجئين. وفي السنين التي تمر بين بدء التقدم وتحقيق الاتفاق يُطلب الى الفلسطينيين ان يظهروا نضجا رسميا مثل: نظام مستقر وأمن ومنع الارهاب، وسلطة القانون ونظم ادارية ملائمة. وحينما يكون ذلك تختفي المخاوف وتزول الهواجس وتزداد الثقة ويبقى بين الشعبين الجو المطلوب للحسم في الشؤون "الوجودية". أجازت حكومة اسرائيل "خريطة الطريق" بقرار من الحكومة في 25/5/2003 وكان ذلك ايضا بقرار متفق عليه من مجلس الامن. وهذه هي الخطة السياسية التي يقبلها العالم كله لادارة مسيرة السلام الاسرائيلية الفلسطينية ولم تُلغ حكومة اسرائيل الحالية قط ولم تغير القرار الذي يُجيزها بل هي تتجاهله ببساطة وهذا مؤسف. ان الفصل الثاني من "خريطة الطريق" يُقر قاعدة سياسية تدريجية ومناسبة لتجديد التفاوض الذي يرمي الى احراز هدف سياسي وعملي وموزون وجزئي وهو دولة فلسطينية ذات خصائص سيادة محدودة، في الحدود الحالية؛ وقد أصبحت هذه الدولة موجودة أصلا بعد قرار الامم المتحدة الاخير. وسيكون استمرار التفاوض – نحو المرحلة الثالثة وهي التباحث في التسوية الدائمة – مشروطا بأداء السلطة الفلسطينية العملي في جميع مجالات الادارة. إن الأهداف التي وضعت للسلطة الفلسطينية في "خريطة الطريق" ليست سهلة ألبتة، واحرازها سيستغرق غير قليل من الوقت؛ والى ذلك الحين سيؤجل التباحث في التسوية الدائمة. لكن فيما بين هذين ستحظى السلطة الفلسطينية بانجاز سياسي مهم – دولة فلسطينية في حدود مؤقتة – يمكن ان يمنع الشر القريب. التزمت السلطة بـ "خريطة الطريق" ويمكن – ومن المؤكد ان من المناسب الفحص عن ذلك – ان توافق على تجديد التفاوض مع اسرائيل على أساس الفصل الثاني. ان السلطة الفلسطينية يائسة؛ وهي لا تريد صعود قوة المتطرفين وعودة الارهاب والعنف وهدم الاقتصاد وانهيار الاستقرار الذي كان سائدا منذ ست سنين. إن وعدا دوليا حقيقيا بأن تلك المرحلة البينية لن تصبح نهائية وانه سيمكن بعد بضع سنوات حينما تتم ظروف ذلك ان ينتقل المتفاوضون الى التباحث في التسوية الدائمة، يمكن ان يعيد السلطة الفلسطينية الى مائدة التفاوض، فهذه آخر لحظة للمحاولة.