أليس من الصحيح أن أتلقى باعتباري صهيونيا متدينا طوال حياتي التنبؤات التي تقول إن حزب "البيت اليهودي" الذي بُعث من جديد يتوقع ان يصبح ثالث أكبر حزب في الكنيست؟ والجواب نعم، لكن... إن نفتالي بينيت وهو شاب قوي الحضور في الاربعين من عمره ذو فضل عظيم لأنه تولى حكم الحزب الذاوي ونفخ فيه روحا جديدة. إن أكثر الاسرائيليين سيتقبلون بالمباركة حزبا صهيونيا متدينا يستعمل ضغطا على الحكومة لتعيين حاخامين صهيونيين للمؤسسات الدينية في الدولة وللفحص عن موضوعات كالتهويد والزواج والطلاق كانت الى الآن تخضع لسيطرة الحريديين الصارمة المبالغ فيها. وسيؤيدون طلب ان تُمكّن المدارس الحريدية طلابها من اكتساب القدرات المطلوبة للانضمام الى دائرة العمل وطلب وقف دعم اولئك الذين يرفضون العمل لتحصيل الرزق. وسيتبنون بجدية الجهود التدريجية لالزام الحريديين الخدمة في الجيش أو الخدمة المدنية. لكن توجد جوانب اخرى ايضا. إن المتدينين الصهاينة بذلوا لارض اسرائيل منذ كانوا حبا مليئا بالشوق وكانوا معروفين بأنهم مؤيدون معتدلون للمعسكر الوطني. لكن كثيرين منهم تبنوا منذ 1967 توجها "مسيحانيا" للحفاظ على ارض اسرائيل وهو شيء ولّد انتقادات على حصرهم عنايتهم في "الارض" واهمالهم "نفس" الشعب – أعني التربية والهوية اليهوديتين. يسكن متدينون صهاينة كثيرون اليوم في مستوطنات وهم جزء مهم مما يعتبر النواة الصلبة لليمين السياسي. ومع ذلك فان عددا أخذ يزداد من اعضاء الكنيست ممن يعتمرون القبعات المنسوجة هم جزء من أكثر الاحزاب في التيار المركزي للسياسة ولا سيما في صفوف المعسكر الوطني المعتدل. في حين تسير الأمة بصورة حادة في الاتجاه القومي، شعر مؤيدون كثيرون من المركز – اليمين بقلق من التوجه اليميني الذي أظهرته الانتخابات التمهيدية الاخيرة في الليكود – وهي مخاوف زادت بعد الاتحاد مع اسرائيل بيتنا. إن "البيت اليهودي" سيقوي هذه التوجهات. إن واحدا من انتقادات بينيت المركزية لنتنياهو هو انه "ليّن" جدا. وهو يطالب بأن ترفض الحكومة سياسة الدولتين وتضم المنطقة (ج) فورا. إن مواقف كهذه هي شرعية بلا شك، وينقل بينيت رسائله على نحو فصيح مميز. لكن السياسة هي فن غير الممكن. وأكثر الاسرائيليين اليوم يعترفون بأنه سيكون من غير السليم عقلا بالنسبة لاسرائيل أن تستجيب لدولة فلسطينية في حين ما تزال حماس فيه تنفخ في مؤخراتنا. لكن رفضا رسميا ايضا لسياسة الدولتين وضم المناطق لا يقبله أكثر المصوتين لأن هذا الاجراء سيسبب ضررا لا يمكن التنبؤ به، وأهم من كل ذلك انه سيقضي على علاقاتنا بالولايات المتحدة. توجد ثرثرة غير مسؤولة كثيرة تتعلق باظهار "قوتنا" و"العمل من اجل أنفسنا". فهل سيقول نفتالي بينيت للولايات المتحدة "هذه شؤوننا فلا تتدخلي"؟. لا يفهم اليمينيون المتطرفون أنه برغم انجازاتنا التي لا مثيل لها، فان دولة صغيرة كاسرائيل في المحيط الذي يتغير تغيرا سريعا تعوزها الوسائل الاقتصادية للحفاظ المستقل على تفوق عسكري تقني، ومع عدم وجود تأييد الولايات المتحدة الدبلوماسي تستطيع دول المؤتمر الاسلامي والدول المعادية المحالفة ان تفرض عقوبات وان تخنقنا بالفعل – في حين ستنظر الدول الاوروبية متنحية في أفضل الحالات. وأين سيضعنا ذلك في كل ما يتعلق بالقضية الذرية وهي تهديد وجودي حقيقي يواجهنا؟ والى أي من الدول يقترح المنتقدون أن نتجه سوى الولايات المتحدة؟ هل الى روسيا أم الى الصين؟.وعلى ذلك فان الحفاظ على تأييد الشعب الامريكي ومجلس النواب الامريكي حيوي من غير ان نصبح تابعين للولايات المتحدة. حتى لو وجدت موضوعات ذات أهمية قومية سنضطر الى الوقوف بثبات عندها كما هي الحال في المواجهة الحالية المتعلقة بالبناء للسكن وانشاء اتصال مناطقي بين القدس ومعاليه ادوميم. آمل ان يؤلف نتنياهو بعد الانتخابات حكومة وطنية واسعة يظهر فيها حزب "البيت اليهودي" شريكا مهما ومسؤولا. ومع ذلك اذا عرض "البيت اليهودي" مطالب سياسية غير منضبطة أو سلك على نحو غوغائي لاجتذاب مصوتين متطرفين فانه سيُدفع جانبا ويصبح حزب معارضة يمينيا متطرفا آخر لا تأثير له. وسيضيع فرصة تاريخية لتنحية الحريديين عن دورهم باعتبارهم حُراس الدين. وسيتبخر على مر الزمن مثل احزاب عابرة اخرى. فعليه بدل ان يُرى حزب يمين متطرف ان يصبح قوة دينية – قومية ذات تأثير تؤدي دورا مهما في صوغ مستقبل الدولة والشعب اليهودي.