القدس المحتلة سما على الرغم من اعتبار القانون الإسرائيلي نشر الأقوال العنصرية التحريضية خرقًا للقانون، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تدأب على إعطاء منصة للعديد من الشخصيات المتطرفة التي تقوم بالتحريض العنصري المباشر ضد الفئات التي يعتبرها الإسرائيليون "عدوًّا"، خاصة الشعب الفلسطيني. يُعرّف القانون الإسرائيلي العنصرية على أنها: ملاحقة، إهانة، احتقار، عداء، عدائية أو عنف، أو التسبب بأضرار تجاه مجموعة سكانية أو جمهور، وكل ذلك بسبب اللون أو الانتماء العرقي أو الانتماء القومي - الإثني. كما يقضي القانون الإسرائيلي بأن من ينشر تصريحات بهدف التحريض على العنصرية، يعرض نفسه لعقوبة السجن لخمس سنوات، حتى إن لم يؤد النشر لارتكاب عمل عنصري؛ كما أن نشر أو إسماع تعابير يمكنها أن تمسّ مسًّا فظًّا بمشاعر الآخرين، يعتبر نشرًا عنصريًّا أيضًا. إنّ مسألة تجنيد وتجند الإعلام الإسرائيلي لصالح الرواية الحكومية، ولخدمة الاحتلال الإسرائيلي، ليست خافية على أحد، هذا التجند يترافق مع حملة تحريض عنصرية ممنهجة ضد العرب والمسلمين، خاصة الفلسطينيين، لتسويغ السياسات الإسرائيلية وشرعنة الاحتلال، من خلال شيطنة من تمارس العنصرية ضدّهم، ونزع صفة الإنسانية عنهم، وإلصاق صفات حيوانية بهم. وعلى الرغم من أن القانون الإسرائيلي يُجرّم التحريض العنصري، إلا أن الشكاوى القضائية التي قدمتها منظمات حقوقية لم تؤد إلى إدانة المُحرّضين، أو حتى التحقيق معهم وتقديم لوائح اتهام ضدهم. من جهة أخرى، قدمت لائحة اتهام ضد الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر، بتهمة التحريض العنصري خلال الاحتجاجات على هدم باب المغاربة عام 2007، التهمة التي تمت تبرئته منها لاحقًا، بعد أن أثبت محاموه التناقض في أقوال الشرطة وعدم دقة ترجمة أقواله. وإن دلت سياسة الكيل بمكيالين هذه على شيء، فعلى التناغم الواضح بين المؤسستين الإعلامية والقضائية، إذ تقوم الأولى بالتحريض الإعلامي، والأخيرة بالتنفيذ الفعلي. تعتمد المقالة الحالية على رصد أجري على مدار عامين لوسائل الإعلام الإسرائيلية المركزية، العلمانية والدينية، سأتناول من خلالها أبرز حالات التحريض العنصري ضد العرب والمسلمين اعتمادًا على نصوص توراتية ووقائع تاريخية مُزيّفة. هذه الحالات التي ينكشف عليها الجمهور الإسرائيلي يوميًّا، والتي تُشكّل وعيه حول العرب والمسلمين، وتُرسّخ الأفكار السلبية عنهم، وعلى الرّغم من أنّ بعضها يحمل إساءات عنصريّة بالغة وواضحة، فإنّها تمرّ مرور الكرام في وسائل الإعلام المركزية، دون رقابة أو محاسبة. إسناد الصراع العربي الإسرائيلي لجذور تاريخية دينية، وتبرير التحريض العنصري ضد العرب "القصور، الإحباط، والشعور اللا-واعي بالدونية مقابل اليهود، كل تلك الأمور خلقت رواسب عميقة، تُحوّلُ كل المسلمين رويدًا رويدًا إلى مجانين. إنها حرب ابن الجارية ضد ابن السيدة، حرب إسماعيل ضد إسحق، إنها حرب حتى القضاء على اليهوديّ الأخير." قد يلخص هذا الاقتباس العنصري بقلم يعقوب شنفلد، المنشور في صحيفة "هموديع" الدينية بتاريخ 30.3.2012، والذي يعتبر النبي إسماعيل الذي يُرمزُ إليه في الإعلام الإسرائيلي بصفته "أب العرب" - ابن الجارية، بينما يعتبر إسحاق "أب اليهود" - الضحية المتفوقة عرقيًّا، قد يُلخّص جوهر محاولات وسائل الإعلام الإسرائيلية، خاصة الدينية، أدلجة الصراع العربي الإسرائيلي دينيًّا، وتبرير التحريض العنصري ضد العرب "سلالة إسماعيل"، استنادًا إلى نصوص وعقائد تُنسبُ للتوراة، وتحمل أوصافًا عنصرية تحريضية. تستند العديد من المقالات العنصرية ضد العرب المنشورة في وسائل الإعلام الإسرائيلية على آية توراتية تتحدث عن النبي إسماعيل، وردت في [تكوين 16، الآية 12]: "ويكونُ إنسانًا وحشيًّا يُعادي الجميعَ والجميعُ يعادونَهُ، ويعيشُ مستوحشًا متحدّيًا كلَّ إخوتِهِ"؛ وعلى الرّغم من أن تأويل هذه الآية غير متفق عليه، حيث تُرجح بعض التفسيرات أن الترجمة الدقيقة للآية هي "يكون إنسانًا قويًّا"، أو "ويكونُ رجلاً كحمارِ الوحشِ، يدُهُ مرفوعةٌ على كلِّ إنسانٍ، ويدُ كلِّ إنسانٍ مرفوعةٌ عليهِ، ويعيشُ في مواجهةِ جميعِ إخوتِهِ"؛ إلا أن توظيف الآية أعلاه في المقالات المنشورة في وسائل الإعلام الإسرائيلية يُؤكد اعتماد التأويل الأول "ويكونُ إنسانًا وحشيًّا." أحد الأمثلة على ذلك ما ورد في مقالة بقلم أ. يتسحاقي، نشرتها صحيفة "يتد نأمان" الدينية بتاريخ 28.8.2011: "في التوارة يوجد تعريف واضح لا لبس فيه لإسماعيل، ويكون إنسانًا وحشيًّا. وقد وُصف إسماعيل ’بالوحشي‘ قبل أن يوصف ’بالإنسان‘، هذه هي حقيقة أبناء إسماعيل التي لا يمكن تغييرها أبدًا." وفي مقالة أخرى كتبها أريئيل كاهانا، نُشرت في صحيفة "ماكور ريشون" بتاريخ 14.3.2011: "هكذا أظهر لنا التاريخ القريب الذي بدأ بالعودة إلى صهيون. حافز القتل مزروع في الشعب العربي، على الأقل منذ أن التقى دربه بدرب الشعب اليهودي، اليهود يتصرفون على نحو: يد تمسك بالرسالة والأخرى بالعمل، والعرب يردون بـ ’سيكون إنسانًا وحشيًّا‘. هذا هو طابعهم، هذه هي سماتهم." ويُطلقُ العديد من الكتاب لقب "الإسماعيلين" على العرب، كنوع من التحقير، حيث ورد في مقالة عنصرية كتبها آفي بنطوف، نشرت في موقع "كيكار هشبات" الديني بتاريخ 27.3.2011: "هكذا هم هؤلاء الإسماعيليون، المتوحشون، المتعطشون للدماء، أسوأ من الحيوانات في الغابة. في الغابة هناك حيوان مُفْتَرِسٌ وحيوان مُفْتَرَس، حيوان يفترس الآخر كي يسكت جوعه، ويربي صغاره بإخلاص. أحيانًا يقوم نمر بتربية صغار القردة، لكن الحيوانات لا تقتل الإنسان دون سبب، العرب يفعلون ذلك، يعيشون على أنقاض ضحاياهم، السكين في شمالهم، حمقى وأياديهم ملطخة بدماء أحبائنا." أما صحيفة "هموديع"، فقد عنونت مقالتها الافتتاحية بتاريخ 3.5.2011 بـ "لنلقن أبناء إسماعيل درسًا"؛ وجاء في المقالة: "نتمنى أن يتعلم الإرهابيون المسلمون من تصفية أسامة بن لادن، ويعلموا أنه من الممكن الوصول إليهم في أي مكان. هل ستتعلم الشياطين الإسلامية الدرس وتتعظ مما حصل لبن لادن؟". وجاء في مقالة كتبها أ. يتسحاقي، نشرت في صحيفة "يتدن أمان" بتاريخ 11.4.2011: "في السنوات الأخيرة، وجد المخرج جوليانو مير-خميس ضالته في مخيم جنين، سكن هناك وهناك عمل من أجل تطوير ’الثقافة‘ الفلسطينية، معتقدًا أنه من الممكن ’تثقيف‘ أحفاد من كُتِبَ عنه في التوراة ’إنسان وحشي‘. ردود اليساريين اليهود التي كانت ضد قتل جوليانو مير-خميس تثبت أنهم لا يعرفون الحقيقة حول شخصية رعاياهم في معسكر إسماعيل. ثقافة القتل الفلسطينية، أو ثقافة القتل الإسلامية عامة، ضاربة في الجذور لدرجة أن اليسار الإسرائيلي لا ينجح في رؤيته أمرًا خطيرًا." شيطنة الدين الإسلامي العنصرية والتحريض في وسائل الإعلام الإسرائيلية لا يقتصران على العرب فقط، بل يشملان المسلمين أيضًا، ويعتمدان على شيطنة الدين الإسلامي، وتزوير الحقائق التاريخية وإخراج آيات قرآنية عن سياقها. وعلى الرغم من تقارب المفاهيم اليهودية والإسلامية المتمثلة بتوحيد الله، ورغم العلاقات التاريخية الطيبة بين اليهود والأكثريات العربية والإسلامية التي عاشوا بينها، واحتضان الثقافة الإسلامية لليهود باعتبارهم "أهل كتاب"، ورغم تلازم مصائرهم بمصائر الإمبراطوريتين العربية والعثمانية الإسلاميتين، ودولة الأندلس، حيث لقوا النتائج المأساوية ذاتها التي لقيها المسلمون خلال الحروب الصليبية وسقوط الأندلس، بل وشاركوا أحيانًا في صدها إلى جانب المسلمين (فرّاج، 2002)؛ إلا أن الانقلاب على التاريخ وخرق الانسجام العرقي والديني بين اليهود من جهة والمسلمين والعرب من جهة أخرى، قد وقع مع استحداث الصراع الذي قادته الصهيونية على أرض فلسطين، وهو ما قضى وفرض على معظم الكتاب الإسرائيليين التركيز على عناصر الاختلاف والتناقض الديني والثقافي، في حين أكد الباحثون اليهود خلال القرن التاسع عشر على علاقة قربى ثقافية وحضارية مع المسلمين، كما أشار د. عفيف فراج في كتابه "اليهودية بين حضانة الشرق الثقافية وحضانة الغرب السياسية." ويقوم معظم الكتاب الإسرائيليين بالتركيز على حالات الصدام التاريخية بين المسلمين واليهود، وعلى تهويلها وعزلها عن السياق التاريخي والاجتماعي الذي وقعت ضمنه، بهدف التأكيد على أن حال اليهود في ظل الإسلام لم يختلف عن حالهم في أوروبا وألمانيا النازية، كما يُظهر الاقتباس التالي بقلم د. رؤوفين باركو، المنشور في صحيفة "إسرائيل اليوم" اليومية، بتاريخ 19.10.2011: "إلى جانب الميراث العنيف الذي تعلمه رجال حماس من محمد، هم يطبقون درسين رئيسيين تعلموه من الحصار الذي فرضه محمد على مدينة ’الكفار‘ الطائف. لقد أمطر المدينة بالحجارة الضخمة ومس بالمدنيين، النساء والأطفال دون تمييز"، وأضاف محرفًا آيات القرآن الكريم: "كيف تتعامل الشريعة الإسلامية مع أسرى العدو؟ ستجدون الإجابة في القرآن، حيث جاء فيه: اقتلوا الكفار حيثما وجدتموهم، وانصبوا لهم الكمائن في كل مكان. وجاء في القرآن أيضًا: عندما تصادفون الكفار اضربوهم بالسيف وكبلوهم بالأغلال. يبيّن مصير مئات الأسرى من قبيلة بني قريظة اليهودية الذين خضعوا لمقاتلي محمد وكبلوا وألقي بهم في صحراء السعودية الحارة جدًّا، التعامل الإسلامي الحقيقي مع الأسرى. لقد أمر محمد بذبحهم ودفنهم في مقبرة جماعية. أجريت في هذه المرحلة أيضًا ’صفقات‘: تم بيع زوجات وأولاد اليهود الذين ذُبحوا كعبيد مقابل السلاح والبضائع. ضمن هذه الثقافة الإسلامية ’الأخلاقية‘ عاش جلعاد شاليط، وحيدًا في أسره، لا يملك أي حقوق إنسانية في مكان لا تساوي فيه قيمة الفرد - المسلم أيضًا - قشرة ثوم." كما ورد في صحيفة "هموديع" الدينية بتاريخ 22.3.2012، بقلم م. شالوم: "العالم يعرف كيف يتجاهل ويصمت، عندما يقوم اليهود في إسرائيل بالدفاع عن أنفسهم من المعادين للسامية المتوحشين من إنتاج الإسلام، والذين لا يشبعون من الإرهاب الوحشي، وفي الحالة السيئة يقومون بإدانة اليهود الذين يدافعون عن أنفسهم حين يقع قتلى يُسمون بـ’الأبرياء‘". وورد في تقرير آخر في الصحيفة، أعده يوسف لافي، نشر بتاريخ 23.3.2012: "إنها حرب عالمية يخوضها الإرهاب الإسلامي. الأطفال اليهود، على مدار تاريخنا المروي بالدم والألم، كانوا دائمًا على رأس الأولوية بالنسبة للقتلة، العرب والمسلمون اليوم هم حَمَلَةُ صليب حَمْلَةِ الدم هذه، يجب أن يكون هذا عرضًا ساخرًا. أيديولوجيا تقدس قتل الأطفال لأنهم يهود، ترقص على دم الأطفال اليهود، تحث الأمهات على توزيع الحلوى كي يعبرن عن فرحهن بموت أبنائهن وبناتهن خلال انفجار قتلوا فيه أنفسهم وقتلوا أطفالًا يهودًا، وتجعل الأمهات ذاتهن يتمنين فقدان باقي نسلهن - تلك الأيديولوجيا تتحدث عن إسرائيل التي تقتل الأطفال الفلسطينيين، الأطفال الذين يستخدمهم المسؤولون الفلسطينيون كدروع بشرية قرب الأهداف الإرهابية. يستخدمون أطفالهم لأنهم يعرفون أن الجيش الإسرائيلي سيتنازل عن مهاجمة تلك الأهداف كي لا يمس بالأطفال، وإذا تم المس بهم- لا يتم ذلك عمدًا." وتربط الصحيفة بين ما تصفه بـ "الإرهاب العربي" وبين القرآن الكريم، من خلال مقالة كتبها يتسحاك تنينباوم، نشرت بتاريخ 23.3.2012: "الإسلاميون يحتلون الجزء بعد الجزء من هذه البلدان، إنهم لا يشكلون تهديدًا على العالم الجديد، فقط إسرائيل واليهود هم المشكلة العالمية. النزعة الإسلامية العامة تؤثر على اليهود في الدول المتحررة أيضًا، إنهم هدف للإرهاب العربي الذي توجهه أيديولوجيا المساجد الناتجة عن القرآن. اليهودي هو ضحية - ديانة، كل من يزيله من العالم يحظى بـ ’الجنة‘ الإسلامية." اتهامات وإساءات عنصرية صريحة ولا تتوانى بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية عن توجيه إساءات عنصرية صارخة ضد الدين الإسلامي، حيث ورد في المقالة الافتتاحية لصحيفة "يتد نأمان" بتاريخ 26.3.2012: "كقاعدة، الثقافة الإسلامية تقمع بشكل شمولي حقوق المواطن حيثما وُجد، إنها ثقافة إرهاب، عنصرية، إذلال وقمع، من يحاول أن يرفع رأسه يقطعونه فورًا." كما ورد في المقالة الافتتحاية للصحيفة بتاريخ 25.3.2012: "الأيديولوجيا الأشد خطرًا من الأخريات هي الأيديولوجيا الإسلامية المتطرفة، التي هدفها الأساسي سيطرة الإسلام على الغرب. صحيح أن التعميم ممنوع، وأن الكثير من المهاجرين المسلمين يجدون أماكنهم في الدول التي هاجروا إليها، ولكن هؤلاء بقوا مع أيديولوجيا الإسلام التي تريد أن تحتل العالم كله تحت نعال دين محمد الهدامة، إنهم ليسوا أقلية بالتأكيد." وفي مقالة أخرى كتبها م. شالوم: "الكذب والمكر هما أبرز صفات العرب، إنها صفات راسخة في ’دين‘ محمد، و’اتفاقية قريش‘ تثبت أن الخداع مسموح وإجباري من أجل هزم العدو وتحقيق الأهداف." وجاء في مقالة كتبها البروفسور هيلل فايس، ونشرتها صحيفة "ماكور ريشون" الدينية بتاريخ 15.12.2010: "لقد تحول الإسلام إلى جزمة تدوس أوروبا. القيادة الأوروبية تطلب من إسرائيل إخلاء القدس، هذه هي العنصرية! أولئك اللذين ابتكروا المصطلح ’عنصرية‘ قاموا بتبنيه." وورد في مقالة عنصرية نشرتها صحيفة "هموديع" الدينية بتاريخ 22.6.2012، بقلم يعقوب شنفلد: "الظمأ الحيواني للدم يجعل تصرفات المسلمين مجنونة، ويبدو أن الإسلام كله يحاول بسبب خيبة أمله الانتحار وجرف كل العالم نحو الضياع، يبدو أنه منذ الأزل لم يكن هنالك ما هو أكثر جنونًا من دين السيف، القتل والضياع اللذان تحزم بهما الإسلام اليوم." أما موقع "إن. إف. سي" فلم يتوانى في نشر مقالة تصف الإسلام بـ "دين الشيطان"، حيث ورد في مقالة كتبها يهودا دروري، نشرت بتاريخ 29.1.2012: "هناك من يعارضونني لأنني أعرض الإسلام كدين عنيف ودموي؛ ربما يجدون هم أكاديميًّا متسامحًا يعيش في الغرب ويدعي أن الإسلام هو دين الحب والسلام.. لكننا نعرف الإسلام أكثر منهم! أنا أتفهم أنه من الصعب على يساري أن يُليّن مواقفه ويتقبل الحقيقة الفظيعة التي تقضي بأن لا وجود لمسلمين ’صالحين‘، وأن كل هدف العرب، هنا على الأقل، هو إبادتنا! إنهم يقولون ذلك ليلًا نهارًا في وسائل إعلامهم، ولا يتوقفون لحظة عن التحريض ضدنا. الإسلام دين الشيطان." كما نشر الموقع إهانة صارخة للنبي محمد، عبر مقالة كتبها د. يوفل برندستيتر، نُشرت بتاريخ 8.1.2011: "إن إقامة دولة إسرائيل عبارة عن بصقة في وجه النبي محمد، الذي قال: إن اليهود لا يملكون حقًّا في العيش إلا تحت حكم الإسلام، وقد قام بسلب كل حقوقهم، وبالذات حقهم في الدفاع عن أنفسهم." تفوق العرق اليهودي الارتهان لنظرية تَمَيُّزِ "سلالة إسحق" وتفوقها العرقي على "سلالة إسماعيل"، يترافق مع الارتهان لنظرية "شعب الله المختار" والتفوق الديني على الأغيار، فما زال العديد من الكتاب الإسرائيليين مقتنعين بأن اليهود هم "الشعب المختار" المتفوق دينيًّا وثقافيًّا على الشعوب الأخرى. يقول رؤوفين باركو في مقالته المنشورة في صحيفة "إسرائيل اليوم" بتاريخ 19.10.2011، مؤكدًا على "التفوق العرقي" لليهود على العرب والتفوق الديني لـ"شعب الله المختار": "العديد من الفلسطينيين يعترفون بأنه في حين أن الإسلاميين مستعدون لقتل مواطنيهم وأسراهم، فإن اليهود مستعدون للتضحية بأمن مواطنيهم من أجل جندي إسرائيلي واحد موجود في الأسر؛ هذه المعادلة: تحرير مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل أسير يهودي واحد تعزز الشعور المحزن بأن رجال حماس، سلالة هاجر، يشعرون بأنهم رخيصون ولا يساوون صفرًا، وأنهم لا يعتبرون حياة الإنسان الفلسطيني ذات قيمة، مقابل التفوق الأخلاقي والقومي لليهود وإسرائيل. إضراب الأسرى الجاري حاليًّا في السجون الإسرائيلية نموذج حي للتقييم الذاتي المشوه والمليء بالتناقضات لأبطال الإسلام الفلسطيني، الذين منعوا من جلعاد شاليط حقوقه الأساسية كإنسان وكأسير وفقًا للقانون الدولي، ومن ناحية أخرى، هم يضربون عن الطعام ويطالبون بوقاحة غير مفهومة بالرفاهيات، بالتعليم، بالغذاء، بزيارات الأقارب ومشاهدة وسائل الإعلام. هذا يؤكد أنه في مكان ما من الجزء الخلفي لدماغ الفلسطيني يوجد اعتراف ضمني بتفوق اليهود الأخلاقي. إنهم صادقون، هناك فرق جوهري بين اليهود والإسلاميين الفلسطينيين، الحديث لا يدور فقط حول إنجازات اليهود في العلم وجوائز نوبل التي حصل عليها الشعب المختار، الحديث يدور في الأساس عن تقدير اليهود للحياة مقابل صناعة الموت التي ينتجها الإسلاميون." التحريض العنصري المبطن وإن كان يبدو أن حملات تديين الصراع العربي الإسرائيلي تدور بمعظمها على صفحات الصحف الإسرائيلية الدينية فقط، فإن ذلك يعود إلى أن الصحف الإسرائيلية العلمانية المركزية تتبع أسلوبًا أشدّ دهاءً في هذا الجانب، إذ تقوم بالامتناع عن توجيه عبارات عنصرية مباشرة للعرب والمسلمين، وتتبع أسلوب التحريض المبطن وغير المباشر. يبرز ذلك على سبيل المثال من خلال التركيز على نشر أخبار تُظْهِرُ العرب والمسلمين بصورة سلبية تُكرس الأفكار النمطية المسبقة، إذ يتم حصر التغطية عامةَ بحوادث القتل والعنف وتغييب القضايا الجوهرية، كما يبرز التحريض غير المباشر من خلال مسألة التشديد على السيطرة الإسلامية على المسجد الأقصى ومحيطه، وما تدعيه الصحف الإسرائيلية من حفريات يجريها الوقف الإسلامي "للقضاء على الآثار اليهودية" المزعومة، وكأنها معركة يقودها المسلمون ضد الوجود اليهودي في القدس، "مركز الكون" وفقًا للمعتقدات اليهودية؛ أو كما فعلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" حين نشرت بتاريخ 2.10.2010 رسالة لأحد قرائها الذي انتقد بناء مسجد في نيويورك، مكان برجي التجارة العالميين، قال فيها: "كان يجب أن يطلق على هذا الحرج اسم ’حرج ضحايا الإرهاب الإسلامي‘، لكي نذكر العالم أن المخربين الانتحاريين هم فقط من المسلمين. لم نسمع في أي مرة عن مخرب مسيحي أو يهودي، المسلمون المتطرفون هم فقط من يقومون بالعمليات الانتحارية ويقتلون الناس الأبرياء." أو يكون ذلك من خلال نسب حوادث عنف فردية للمسلمين عامة، وإظهار جرائم قتل غير المسلمين كأمر عقائدي في الدين الإسلامي، كما حصل في حادثة قتل شاب جزائري يدعى محمد مراح عددًا من اليهود في مدينة تولوز الفرنسية، حيث نشرت صحيفة "معاريف" بتاريخ 25.3.2012 مقالة بعنوان "الإرهاب الإسلامي حي ويضرب"؛ وجاء في المقالة التي كتبها بوعاز بيسموط: "الإرهابي محمد مراح، الذي قتل بوحشية كبيرة سبعة أشخاص، من ضمنهم معلم وثلاثة تلاميذ يهود صغار، جعل فرنسا تفهم أن هذا الورم السرطاني، الذي يُطلق عليه إرهاب إسلامي، حي ويضرب، يتنفس ويقتل أيضًا." ولا تخلو وسائل الإعلام العلمانية من التحريض العنصري المباشر أيضًا، فكما أشرنا سابقًا إلى توجيه إساءات صريحة عبر موقع "إن. إف. سي"، نشير هنا إلى صحيفة "هآرتس" المحسوبة على اليسار الإسرائيلي، حيث جاء في مقالة كتبها يسرائيل هرئيل، نشرت بتاريخ 17.3.2012: "كان على أولئك الذين يؤمنون بأن السلام ممكن مع الفلسطينيين وأنهم شركاء، أن يقولوا الحقيقية حول التحريض الذي يقوم به شركاؤهم. لا يمكن إثبات وجود علاقة مباشرة بين القتل في إيتمار والتحريض اليومي، الأسباب هي أسباب جذرية. خلال سنوات قتل في الجزائر ما يقارب الـ 300 ألف، وفي دارفور أيضًا، وفي لبنان، وسوريا، والعراق، ومناطق أخرى في العالم الإسلامي، التحريض الفلسطيني هو تعبير عن هذا الطابع الوحشي، وليس السبب لوجوده." كما لا يخلو الأمر من إساءات عنصرية بالغة كتلك التي وردت على لسان المذيع اليميني أفري جلعاد، الذي قال في برنامجه "الكلمة الأخيرة"، الذي بث بتاريخ 12.6.2012 على إذاعة "جالي تساهل": "في الحقيقة نريد أن نبحث عن مساحات كبيرة لنا، ولكن لا نريد أن ننسى أن الذين يدقون أبوابنا هم من أتباع الإسلام، والإسلام مرض متفشٍّ في العالم، ولا أريد أن أقول إنه سرطان العصر لأنه مصطلح منبوذ، والحقيقة أن الإسلام يسود العالم ونحن نرى ذلك في كل مكان، وهم يريدون السيطرة بأفكارهم ومعتقداتهم، وعلينا أن نكون حذرين في أمور حياتنا"؛ وقد أثارت هذه الأقوال العنصرية للمذيع أفري غلعاد غضبًا شعبيًّا ومظاهرات احتجاجية، وقدمت شكوى لمستشار الحكومة القضائي ضده، إلا أنها كالعادة، لم يؤتَ أُكُلَها. ختامًا إذًا فالعالم الإنساني ينقسم إلى قسمين وفقًا للمقالات المذكورة: اليهود سلالة إسحق، المتفوقون دينيًّا وعرقيًا من جهة، والمسلمون "الإرهابيون" والعرب سلالة إسماعيل "المتوحشون" من جهة أخرى؛ وبهذا يتقمص مروجو حملات التحريض العنصري في وسائل الإعلام الإسرائيلية، المتمسكون بنظرية "شعب الله المختار" المتميز عن "الأغيار"، يتقمصون دور الألماني المؤمن بفوقية العرق "الآري"، دور الجلاد الذي اضطهدهم ونفذ ضدهم عمليات تطهير عرقية. وبناءً عليه، فإن هذا "التفوق الديني العرقي" المفترض، ما هو إلا محاولة لإضفاء شرعية أيديولوجية ودينية على الاحتلال الإسرائيلي وعلى الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني الرازح تحت نيره، من خلال شيطنة "العدو" ونزع صفة الآدمية عنه باعتباره إنسانًا دونيًّا وغير سوي، لا يمكن التعامل معه وفقًا للمعايير المُتعارف عليها بين البشر؛ وما التشديد على شيطنة الدين الإسلامي ورموزه إلا محاولة إضافية لتبرير وإباحة حروب الحلفاء ضد دول إسلامية وعربية تحت ذريعة ما يُطلق عليه "الجهاد الإسلامي العالمي." وفي ظل هذا الواقع الذي يعج بالتناقضات والمغالطات، لا غرابة في أن يجد المتابع لوسائل الإعلام الإسرائيلية في الصفحة ذاتها، تحريضًا عنصريًّا ضد العرب والمسلمين، وأسفله خبرًا ينتقد "عنصرية ومعاداة السامية" لدى الفئات ذاتها التي يُحرّض ضدّها بشكل عنصري ممنهج. * نشرت المقالة في مجلة "سجال" التي يصدرها مركز "إعلام".