خبر : خطر، غباء / بقلم: أوري بار – يوسف / هآرتس 10/12/2012

الإثنين 10 ديسمبر 2012 03:47 م / بتوقيت القدس +2GMT
خطر، غباء / بقلم: أوري بار – يوسف / هآرتس  10/12/2012



 كان هذا قبل أقل من شهرين ونصف الشهر. فقد ألقى رئيس الوزراء خطابا دراماتيكيا في الامم المتحدة عن التهديد الايراني في ذروته امتشق رسما في وسطه صورة لقنبلة وخط احمر عنقها، يؤشر الى اللحظة التي سيكون بينها وبين القنبلة النووية خطوة واحدة. وكانت هذه ذروة جهد اسرائيلي هائل، ليس واضحا حتى اليوم ماذا كان فيه من حقيقي وماذا كان فيه من زائف، لتجنيد أمم العالم، وأولا وقبل كل الآخرين الولايات المتحدة ودول غربي اوروبا، للعمل قبل ان يكون متأخرا.             على مدى كل السنة الاخيرة أوضح لنا بنيامين نتنياهو كم هو التهديد الايراني خطير. في خطاب في مؤتمر "ايباك" في بداية شهر آذار شبّه بين استجداء يهود الولايات المتحدة الرئيس روزفلت لقصف منشآت الابادة في اوشفيتس، وبين مساعي اسرائيل لاقناع الأسرة الدولية بالحاجة الى العمل ضد ايران قبل ان يكون متأخرا، ووعد بأنه "كرئيس وزراء اسرائيل، لن أسمح لشعبي أبدا ان يعيش تحت ظل الابادة". وبالفعل كان نتنياهو واضحا بأن اسرائيل لن يسعها العمل وحدها. ففي مقابلة احتفالية مع "اسرائيل اليوم" عشية عيد الفصح قال: "اليوم من يريد ان يقود دولة اسرائيل في ضوء الوضع والتهديدات، ملزم بأن يكون قادرا على ان يعمل بشكل حثيث وفاعل في الساحة الدولية".             وهو لم يكن وحده في هذا الشأن. وسواء أيده كل الوزراء  الذين شاركوا في عملية اتخاذ القرارات في عمل اسرائيلي فوري أم رأوا في خطوة كهذه مثابة مخرج أخير، فقد رأى الوزراء وعلى رأسهم اهود باراك في القنبلة الايرانية خطرا جسيما، تهديدا وجوديا. وقد رأى الجميع في تجنيد الدعم الدولي، لغرض اقامة تحالف يصفي البنية التحتية النووية الايرانية بالقوة، أو من اجل تشديد نظام العقوبات على ايران، أو من اجل نيل الدعم والمساعدة لاسرائيل اذا ما سارت نحو الحرب وحدها – مثابة شرط ضروري للنجاح.             لا مجال للتشكيك بصدق نتنياهو ووزرائه. فهم حقا يرون في القنبلة الايرانية تهديدا وجوديا على اسرائيل، ويمكن بالتأكيد ان نفهم لماذا، وبالتأكيد يمكن ان نبرر تطلعهم الى نيل دعم دولي متين وناجع قدر الامكان لتعطيل هذا الخطر. ولكن بالذات لهذا السبب يمكن ويجب التشكيك بتفكرهم. إذ ان سلسلة من الخطوات المشكوك فيها التي اتخذوها في أعقاب قرار الامم المتحدة في موضوع الدولة الفلسطينية تقضم من الذخر الأهم الذي يقف في صالح اسرائيل في التصدي للتهديد الوجودي المحدق من ايران.             ليس واضحا ما الذي دفع نتنياهو ووزراءه لأن يقرروا رزمة العقوبات ضد الفلسطينيين. فهل كان هنا تقدير زائد مغلوط لصبر الأسرة الدولية تجاه السياسة الاسرائيلية (التي تعتبر، حتى من أفضل اصدقائها، بأنها تخرب فرص السلام)، أم ربما يدور الحديث عن "رد صهيوني مناسب" يرمي الى الاظهار بأننا لا نتراجع أمام الضغط الخارجي. وربما يدور الحديث بشكل عام عن "اثر نفتالي بينيت" بمعنى تخوف نتنياهو ورجاله من انه بدون رد قوي قد يفقدون الاصوات في الانتخابات القادمة لليمين المتزمت، الذي لا يزال بعضا منه يوجد خارج قائمة "الليكود بيتنا".             كائنة ما تكون الاعتبارات – فان أمرا واحدا تُثبته القضية الاخيرة جيدا: نتنياهو ووزراؤه غير قادرين على ان يميزوا بين الأساسي والتافه، بين ما من شأنه حقا ان يشكل تهديدا وجوديا على دولة اسرائيل وبين الاستعراض الغبي للقوة الذي بينه وبين ضمان أمن الدولة لا توجد أي صلة على الاطلاق. إذ انه حتى عندما لا يلقي نتنياهو خطابات مصقعة تشبه بين ايران محمود احمدي نجاد والماني ادولف هتلر، فان الساعة تبقى تدق، واجهزة الطرد المركزي تواصل الدوران وطهران تواصل التقدم نحو القنبلة.             ان سياسة تُقرب العقوبات على اسرائيل لا تشجع تشديد العقوبات على ايران، وعزلة دبلوماسية على القدس تجعل من الصعب أكثر بلورة ائتلاف ناجع ضد طهران. واذا كان نتنياهو يعتزم بالفعل الخروج الى حرب ضد ايران في الربيع، بعد الانتخابات، كما يلمح لنا مقربوه، فلماذا لا يفعل كل ما يمكن كي يجند الدعم الدولي الذي هو نفسه يرى فيه شرطا ضروريا لنجاح الحرب؟ لماذا يستفز أمم العالم بالذات عندما يقترب من اللحظة الأكثر مصيرية منذ قرر دافيد بن غوريون اقامة الدولة؟.             لا يهم اذا كان الحديث يدور عن خطأ في التفكر، عن رد فعل شرطي أم عن اعتبار سياسي ساخر، فان القرارات الاخيرة التي اتخذها، باسناد من وزراء التسعة، تمس مسا شديدا بأمن دولة اسرائيل. وعن ذلك سبق ان قال السياسي الفرنسي تيلران: "هذا اسوأ من الجريمة، هذا غباء".   بروفيسور يحاضر في دائرة العلاقات الدولية في جامعة حيفا