خلَص صاحب العمود الصحفي في "نيويورك تايمز" توماس فريدمان الى ادعاء غريب إن لم نقل انه هاذٍ في القيادة الاسرائيلية وهو ان نجاح جدار الفصل والقبة الحديدية في غير مصلحة اسرائيل لأن اسرائيل شعرت عقب ذلك بأنها لا تحتاج الى فعل شيء للدفع بالسلام الى الأمام. من الغريب ان هذه وسائل دفاعية واضحة وهي تنقذ الأرواح. وبحسب هذا المنطق ايضا فان علاج نجمة داود الحمراء الناجع لمصابي الارهاب يضعضع السلام. لكن العكس هو الصحيح وهو انه كلما زاد عدد القتلى الاسرائيليين ابتعد السلام وعملية "السور الواقي" دليل على ذلك. بعد ذلك أضاف فريدمان وصف مذهبين في اسرائيل على نحو يريحه. أحدهما "ايديولوجية صقرية" بقيادة بنيامين نتنياهو والآخر "مذهب اسحق رابين" واهود باراك هو المتحدث البارز عنه. بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" حذّر باراك من تسليمٍ قَدَري ومتشائم لعدم وجود اتفاق مع الفلسطينيين. بيد ان باراك هو الشخص الذي اقترح على ياسر عرفات وعلى أبو مازن التباحث في تقسيم القدس وفرا من وجهه في اللحظة التي سمعا فيها أجراس السلام. آنذاك قال باراك انه لا يوجد الآن شريك فلسطيني ولم يغفر له اليسار الاسرائيلي قط. ان اهود اولمرت يعلم ان هذه هي الحقيقة ايضا، فقد اعتدى هو ايضا على أمر محظور آخر ووافق على ادخال لاجئين فلسطينيين الى اسرائيل وفر أبو مازن من السلام. فما الذي استنتجه اولمرت من ذلك؟ استنتج ان نتنياهو مذنب. فالاستقامة ليست هي جانبه القوي. يوجد قولان حقيقيان بالنسبة لاسرائيل وهما انه يجب عليها ان تبحث دائما عن موطيء لقدم الحمامة من اجل السلام المأمول حتى حينما لا يوجد شريك؛ وقد تبنى نتنياهو في الحقيقة حل "دولتين للشعبين" لكنه لم يُجزه في الحكومة. ان هاتين الحقيقتين ليستا أكثر من شُبهة معقولة في ان الحكومة لا تقصد بجدية الحل الذي وافق عليه نتنياهو في خطبة بار ايلان واذا كان الامر كذلك فهو مؤسف جدا. وهو كذلك بيقين في نظر اسرائيليين مثلي يريدون اقامة اسرائيل في حدود الكتل الاستيطانية الى جانب فلسطين المنزوعة السلاح. بيد ان من يزعمون ذلك في اليسار الاسرائيلي يتجاهلون حقيقة ان أبو مازن – وخالد مشعل واسماعيل هنية وأتباعهما بيقين – لا يُشك في أنهم لا يقصدون الى حل التقسيم. فقد برهنوا بحقائق صلبة على أنهم غير مهتمين بأكثر السلام مرونة مما تستطيع اسرائيل ان تبسطه أمامهم. واليسار الذي يؤثم نتنياهو يثير ادعاءا مشروعا؛ لكنه حينما لا يتهم أبو مازن بالادعاء نفسه فانه يكذب على نفسه. يزعم اشخاص نزيهين مثل الدكتور يوسي بيلين وزهافا غلئون أنه لو أراد نتنياهو ان يسعى الى تسوية مع الفلسطينيين لمنعه اليمين في حزبه من ذلك. لكن خالد مشعل والقيادة في غزة يشترطان كل وحدة وطنية فلسطينية بالغاء كل اشارة الى التسوية التي يقترحها أبو مازن والتي لا ينوي احترامها أصلا أكثر مما يفعل اليمين المتطرف بالحكومة الاسرائيلية. خطب مشعل خطبة معادية لليهود فتاكة وسكت أبو مازن. لكن يجب عليهم في ميرتس ان يعترفوا وان يعلنوا ان الفلسطينيين لا اسرائيل هم عائقو السلام المركزيون في الشرق الاوسط. وليست عندهم الشجاعة لاقرار ذلك في كل ايام السنة ولا في فترة انتخابات، بيقين.