افتتحت إسرائيل عدوانها على قطاع غزّة باغتيال قائد الجناح العسكريّ لحماس أحمد الجعبري في الرابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر. وقد اتّخذت اللّجنة الوزاريّة الإسرائيليّة المصغّرة للشؤون الأمنيّة، والمؤلّفة من تسعة أعضاء قرار الاغتيال وشنّ العدوان سرًّا في صباح الثالث عشر من الشهر نفسه، وذلك على الرّغم من توصّل إسرائيل ومصر إلى مسودة اتّفاق بشأن التّهدئة مع فصائل المقاومة الفلسطينيّة. لقد قامت إسرائيل بعمليّة خداع جرى الإعداد لها مسبقًا لتضليل الفلسطينيّين ومصر، من خلال إعلان عددٍ من المسؤولين الإسرائيليّين انتهاء جولة المواجهة بين إسرائيل والمقاومة وتعميم ذلك على وسائل الإعلام الإسرائيليّة، والتي تقتبس منها وسائل الإعلام العربيّة بكثافة. لقد كان اغتيال الجعبري هدفًا قائمًا بذاته بالنّسبة إلى إسرائيل. وهو في نظرها يبرّر خرق أيّ تهدئة، كما يبرّر الخداع والتّضليل.وقد جرى شنّ العدوان في ظلّ أجواء عربيّة مختلفة تمامًا عن تلك الأجواء التي سادت أثناء عدوان إسرائيل السابق على القطاع، وكان لهذا المتغيّر أبعد الأثر في قلب الحسابات الإسرائيليّة. سنقف في هذه الورقة على دوافع العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة وأهدافه، ونتبيّن العوامل التي ساهمت في إفشاله وإنهائه بشكلٍ متوافقٍ مع مطالب المقاومة الفلسطينيّة في غزّة. دوافع العدوان وأهدافه عدّد وزير الدفاع الإسرائيليّ إيهود براك ثلاثة أهداف للعدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة، وهي: ترميم قوّة الردع الإسرائيليّة، وضرب القدرة العسكريّة للتّنظيمات الفلسطينيّة، وضمان تهدئة طويلة يتوقّف خلالها إطلاق الصّواريخ على إسرائيل. وتركت الحكومة الإسرائيليّة أهداف العدوان "الرسميّة" عامّةً دون أن تحدّدها، حتّى تقرّر القيادة الإسرائيليّة بكلّ حرّية تحديدها وفقًا لما يحقّقه العدوان من أهداف فعليّة بعد انتهائه، وادّعاء أنّ هذه كانت أهداف العمليّة العسكريّة، لا سيّما وأنّ هذه المسألة تحظى بأهمّية كبيرة عشيّة انتخابات الكنيست، وتؤثّر في نمط تصويت النّاخب الإسرائيليّ في انتخابات الكنيست المقبلة المقرّر إجراؤها في 22 كانون الثاني / يناير 2013. ويبدو أنّ دوافع العدوان وأهدافه التي ذكرها براك ضعيفة وغير مقنعة، حتّى بالنسبة إلى قطاعٍ واسعٍ من الإسرائيليّين. فصحيح أنّ المقاومة في قطاع غزّة أزعجت إسرائيل وأفشلت سياسة الرّدع الإسرائيليّة ضدّها، لا سيّما العمليّتين العسكريّتين اللّتين نفّذتهما المقاومة ضدّ سيّارة جيب عسكريّة تابعةٍ للجيش الإسرائيليّ على حدود غزّة. كما بدا واضحًا أنّ دوافع عدوان إسرائيل على قطاع غزّة في هذه الفترة بالذّات - خاصّةً أنّه جرى بعد توصّل الطرفين إلى مسودة اتّفاق تهدئة، يومًا قبل العدوان - مرتبطةٌ بتوفّر فرصة لم تُتَحْ في السابق لاغتيال الجعبري. كما يرتبط انتهاز الفرصة ارتباطًا وثيقًا بالوضع الداخليّ في إسرائيل عشيّة انتخابات الكنيست، وبمحاولة نتنياهو وبراك فرض أجندة أمنيّة عسكريّة على هذه الانتخابات التي تخدمهما وتضاعف فرص حزبيهما في الحصول على أصواتٍ أكثر. فمن المعروف أنّ المعارضة كادت تنجح في فرض أجندة اجتماعيّةٍ - اقتصاديّةٍ بالاستفادة من حركة الاحتجاج الاجتماعيّة الواسعة التي سادت إسرائيل في النصف الثاني من عام 2011، وبداية عام 2012. فالائتلاف اليمينيّ الحاكم يخسر في حالة تصدّر القضايا الاجتماعيّة جدول أعمال الانتخابات. ويتّضح ممّا رشح من معلوماتٍ وتحليلاتٍ في وسائل الإعلام الإسرائيليّة أنّ خطّة نتنياهو وبراك الأساسيّة كانت تتمثّل في شنّ عدوانٍ قصير في مدّته الزمنيّة، يجري في بدايته اغتيال القائد العسكريّ أحمد الجعبري، وقصف مواقع منصّات الصواريخ البعيدة والمتوسّطة المدى، ومن ثمّ العمل على التوصّل إلى وقف إطلاق النار من خلال الضّغط على المقاومة في قطاع غزّة بالتّهديد بشنّ حربٍ برّية على القطاع حتّى تقبل المقاومة وقف إطلاق النّار وفقًا للشروط الإسرائيليّة. وفي سياق عملها على منح صدقيّةٍ للتهديد بشنّ حربٍ بريّة على قطاع غزّة، وفي نوعٍ من الحرب النفسيّة، قرّرت الحكومة الإسرائيليّة على نحوٍ تظاهريّ في بداية العدوان منحَ رئيس الأركان العامّة الجيش الإسرائيليّ صلاحيّات استدعاء 30 ألفًا من أفراد قوّات الاحتياط للخدمة العسكريّة. وبعد مرور يومين على هذا القرار، وقبل أن يستكمل رئيس الأركان استدعاء هذه القوّات، قرّرت الحكومة الإسرائيليّة تكليف رئيس الأركان باستدعاء 45 ألفًا آخرين من أفراد قوّات الاحتياط، علمًا بأنّ إسرائيل كانت قد استدعت 10 آلاف فرد فقط من قوّات الاحتياط في عدوانها على قطاع غزّة في نهاية عام 2008. وبعد فشل الهجمات الإسرائيليّة الجوّية على قطاع غزّة في تحقيق أهدافها، وفي كسر إرادة المقاومة في مواجهة العدوان، وفي ضوء استمرار الفصائل الفلسطينيّة في قصف الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة بكثافة، ضاعفت إسرائيل تهديداتها بشنِّ هجومٍ برّي. فقد اعتقد نتنياهو وبراك أنّ الولايات المتّحدة وعددًا من الدول الأوروبيّة المهمّة تخشى قيام إسرائيل بشنِّ حربٍ برّية على قطاع غزّة، ما قد يقود إلى توسيع دائرة الصراع ويؤثّر سلبًا في العلاقات الإسرائيليّة - المصريّة. وقد راهَنَا على أن تقوم الولايات المتّحدة والدول المهمّة في أوروبا بالضّغط على الأطراف المعنيّة، ولا سيّما على مصر من أجل العمل للتوصّل إلى وقفِ إطلاق الصّواريخ، قبل أن تشنّ إسرائيل هجومًا بريًّا على غزّة. حسابات إسرائيل المخطئة يبدو أنّ حسابات إسرائيل وتهديداتها لم يكن لها ما تستند إليه. فالواضح أنّها خاضت عدوانها الجديد على قطاع غزّة بناءً على عقليّة الحرب السابقة التي شنّتها على القطاع في أواخر عام 2008، ولم تدرك - بشكلٍ كافٍ - التغيّرات التي طرأت على قدرات المقاومة في قطاع غزّة، وعلى الوضع الفلسطينيّ المجرّد من أيّ "عمليّة سلميّة"، وعلى الوضع الإقليميّ بعد الربيع العربيّ، ولم تحسب لها حسابًا. وقد ساهمت مجموعة من العوامل في إفشال العدوان الإسرائيليّ من ناحيةٍ، وفي تحقيق المقاومة إنجازات فعليّة من ناحيةٍ أخرى. وفي مقدّمة إنجازات المقاومة إنهاء سياسة الاغتيالات الإسرائيليّة، وفكّ الحصار عن قطاع غزّة. ويأتي على رأس عوامل فشل العدوان صلابة المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، وتطوّر قدراتها القتاليّة، والتفاف الشعب الفلسطينيّ في القطاع وفي مختلف الأماكن، لا سيّما في الضفّة الغربيّة، حولها. لقد استغلّت حركات المقاومة في غزّة فترة الثورة المصريّة، وحالة غياب الدولة طوال أكثر من عامٍ لتكثيف تزوّدها بالسّلاح بشكلٍ غير مسبوق. وكان لإيران دورٌ أساسيٌّ ومهمّ في عمليّة التّسليح هذه، قبل توقُّفها عن دعم حركة حماس في منتصف عام 2011، بسبب رفض الحركة الوقوف إلى جانب النظام السوريّ. وتبرّعت بعض الدول العربيّة (وهي قليلة) بالمال، وبعضها الآخر بالسّلاح، في دعم هذا الجهد بطريقةٍ غير علنيّة (ولكنّه معروف عند الأطراف الدّاعمة والمتلقّية)، وفي دعم الحكومة الفلسطينيّة المُقالة لتتمكّن من إدارة القطاع. فعلى الرّغم من استمرار القصف الجوّي الإسرائيليّ الذي استهدف التّنظيمات الفلسطينيّة وأهدافًا مدنيّة على حدٍّ سواء، فشلت إسرائيل في إرغام المقاومة على قبول وقف إطلاق النّار وفقًا للشّروط الإسرائيليّة. وتمسّكت حماس والجهاد بشروطهما لوقف إطلاق النار، كما تمسّكتا بحقّهما في مقاومة العدوان والاحتلال، وواصلتا قصف المدن الإسرائيليّة بالصواريخ بكثافةٍ وفاعليّة ونوعيّةٍ أكثر ممّا توقّعته إسرائيل طوال أيّام العدوان. وتمكّنت المقاومة من خلال هذا القصف المتواصل، والذي فشلت إسرائيل في إيقافه أو في التخفيف من وتيرته، من شلِّ الحياة في إسرائيل في كامل الشّريط الذي يبلغ مداه 40 كيلومترًا عن قطاع غزّة، فقد أغلقت المرافق العامّة والمدارس أبوابها، والتزم الناس بيوتهم أو غادروها نحو الشّمال. علاوةً على ذلك، قصفت صواريخ المقاومة تل أبيب والقدس عدّة مرّات، ما ترك آثارًا معنويّةً ونفسيّةً كبيرة على المجتمع الإسرائيليّ. لقد احتفظت المقاومة بزمام المبادرة، وأبقت الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة طوال أيّام المواجهة عرضةً لقصف صواريخها المتوسّطة والبعيدة المدى. وأثار ذلك قلقًا كبيرًا في إسرائيل، وخشيةً من أن تتمكّن المقاومة في المستقبل القريب من تطوير صواريخها من حيث نوعيّتها، ومداها، ودقّتها في إصابة الأهداف، وقدرتها التدميريّة، ما يمنح المقاومة قدرةً ردعيّة تمنع إسرائيل من شنّ أيّ عدوان على غزّة في المستقبل. إلى جانب ذلك، وخلافًا للحرب الإسرائيليّة السابقة على قطاع غزّة، توحّد الفلسطينيّون في القطاع والضفّة وفي كلّ الأماكن ضدّ العدوان. وانطلقت التظاهرات والمواجهات مع جيش الاحتلال في الضفّة الغربيّة، وشاركت فيها مختلف الفصائل والفعاليّات الفلسطينيّة، ما قد يؤشّر إلى ظهور إرهاصات أوليّة لإمكانيّة انطلاق تحرّك شعبيّ واسعٍ ومقاومٍ للاحتلال في الضفّة الغربيّة. وقد ساهمت الفعاليات والنشاطات الفلسطينيّة المختلفة ضدّ العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة في إحداث مزيدٍ من الضّغط الشعبيّ الفلسطينيّ على قيادتَي فتح وحماس لإنهاء الانقسام، الشّرط الأساس من أجل نجاح النّضال الوطنيّ الفلسطينيّ في تحقيق أهدافه. الوضع العربيّ الجديد ودور مصر ما بعد الثّورة حين جرى العدوان السّابق على قطاع غزّة في نهاية عام 2008، كان الحصار الإسرائيليّ المصريّ على القطاع محْكمًا، وكانت المفاوضات الإسرائيليّة الفلسطينيّة جارية، وكان النّظام العربيّ الرسميّ غير مبالٍ بالرأي العامّ العربيّ. ولم ينجح العرب حتّى في الاتّفاق على عقد اجتماعٍ لإدانة العدوان، إذ قامت دول عربيّة رئيسة بالسّعي علنًا لإفشال مؤتمر قمّة ضدّ العدوان عُقد في الدوحة تحت عنوان "قمّة غزّة". أمّا بعد موجة التغيير في الوطن العربيّ، فقد انقلبت الأمور رأسًا على عقب واستغلّت الحكومات العربيّة العدوان لكسر الحصار علنًا وتنظيم زيارات رسميّة تضامنيّة إلى القطاع تنديدًا بالعدوان وتضامنًا مع الشعب الفلسطينيّ، بتعاونٍ واضحٍ أظهرته الإدارة المصريّة والجامعة العربيّة. لقد بدأت حملة التّضامن وكسر الحصار بزيارةٍ قام بها أمير قطر قبل العدوان، أعقبتها أثناء العدوان زيارة رئيس الحكومة المصريّة، ووزير الخارجيّة التونسيّ، ثمّ وفد وزراء الخارجيّة العرب والأمين العامّ لجامعة الدّول العربيّة. ومن الأهمّية بمكانٍ في هذا السّياق الإشارة إلى غياب أيّ تمثيل للحكومة الليبيّة الجديدة بعد الثورة في حملات التّضامن هذه. وأولت إسرائيل اهتمامًا كبيرًا بالثورة المصريّة، لمكانة مصر وأهمّية دورها في المنطقة، ولما يحمله التغيير في مصر من تأثيرٍ في طبيعة علاقاتها مع إسرائيل ومصير اتفاقيّة كامب ديفيد التي أخرجت مصر من دائرة الحرب مع إسرائيل وعزّزت مكانة إسرائيل في المنطقة. وعليه، توطّدت العلاقات تدريجيًّا بين مصر وإسرائيل حتّى وصلت إلى شراكة إستراتيجيّة بين الدولتين في النّصف الثاني من فترة حكم مبارك. وقد غيّرت ثورة 25 يناير المصريّة طبيعة العلاقات بين مصر وإسرائيل ونوعيّتها، خاصّةً بعد انتخاب محمد مرسي رئيسًا لمصر، ووضعت حدًّا للشّراكة الإستراتيجيّة بين الدولتين، وحرّرت الإرادة الوطنيّة المصريّة من تبعيّتها للأجندة الإسرائيليّة - الأميركيّة في المنطقة بشكلٍ عامّ وفي القضيّة الفلسطينيّة بشكلٍ خاصّ. وعلى الرّغم من صعوبة أوضاعها الداخليّة، بدأت مصر في استعادة مكانتها ودورها في المنطقة المتعارض والمتناقض مع دور إسرائيل وسياستها العدوانيّة. لقد كانت إسرائيل تعوّل في كلّ عدوان على تعاون نظام مبارك في استخدام أوراقه الكثيرة على حدود قطاع غزّة، للضّغط على المقاومة الفلسطينيّة وجعلها تقبل الشروط الإسرائيليّة. بعد انتخاب محمد مرسي رئيسًا لمصر، تفاعلت وجهتا نظر في دائرة متّخذي القرار في إسرائيل بشأن تأثير ذلك في الحدّ من "حرّية" إسرائيل في الاعتداء على قطاع غزّة. شدّدت وجهة النظر الأولى على أنّه من أجل الحفاظ على حدٍّ أدنى من العلاقات مع مصر وعدم الوصول إلى قطيعةٍ سياسيّة معها فإنّ إسرائيل مضطرّةٌ إلى "ضبط النفس" والامتناع عن القيام بعمليّاتٍ عسكريّة كبيرة ضدّ قطاع غزّة، على منوال الحرب التي شنّتها على القطاع في أواخر عام 2008. أمّا وجهة النظر الأخرى، فقد أقرّت بالضرورة القصوى في الحفاظ على علاقات إيجابيّةٍ مع مصر، ولكنّها في الوقت ذاته دعت إلى محاولة تعويد النظام المصريّ الجديد على ميزان القوى على أرض الواقع، واختبار ردود فعله على العدوان على غزّة، أو مدى تكيّفه معه، والتّعامل مع هذه الرّدود وفقًا لتطوّر الأحداث من دون الوصول إلى قطيعة مع مصر. لقد اختلف ردّ فعل النظام الجديد في مصر على العدوان اختلافًا جذريًّا عن تعامل نظام مبارك. إذ رفضت مصر العدوان الإسرائيليّ، ووقفت سياسيًّا ومعنويًّا إلى جانب المقاومة، ونشطت دبلوماسيًّا وسياسيًّا على المستويات العربيّة والإقليميّة والدوليّة من أجل وقف العدوان الإسرائيليّ، والتوصُّل إلى اتّفاق تهدئةٍ يضمن الشّروط والمطالب الأساسيّة في غزّة ويحقّقها. توقيت العدوان كعادته، اصطفّ المجتمع الإسرائيليّ ونخبه وأحزابه ووسائل إعلامه خلف العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة. وعلى الرّغم من هذا الاصطفاف الرسميّ، بدا واضحًا أنّ هذا العدوان أربك المعارضة السياسيّة في إسرائيل - التي وقفت إلى جانبه - ولم تتمكّن من الرقيّ بذاتها إلى طرح السّؤال: لماذا شَنُّ عدوان في هذا الوقت بالذّات؟ وعلى الرّغم من ذلك، طرح عددٌ من المحلّلين البارزين في إسرائيل السؤال المركزيّ: لماذا أقدم نتنياهو وبراك على اغتيال أحمد الجعبري، في هذا الوقت بالذّات؟ وتساءلوا عمّا إذا كان بالإمكان تنفيذ عمليّة الاغتيال قبل ذلك أو تأجيلها إلى ما بعد انتخابات الكنيست. أكّد رئيس تحرير صحيفة هآرتس وعددٌ من المحلّلين الإسرائيليّين أنّ اغتيال الجعبري مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بانتخابات الكنيست القادمة، فالصّراع في إسرائيل ضدّ العدوّ الخارجيّ يساعد الحكومة في تعزيز فرص أحزابها الأساسيّة في الفوز في الانتخابات، لأنّ الجمهور الإسرائيليّ يصطفّ خلف الجيش وخلف الحكومة، ويجري إسقاط القضايا الاجتماعيّة - الاقتصاديّة من أجندة الانتخابات. وأشار رئيس تحرير صحيفة هآرتس إلى أنّ الحكومات الإسرائيليّة درجت على المبادرة لفرض أجندة أمنيّة عسكريّة ضدّ عدوٍّ خارجيّ على الانتخابات. وقد فعل بن غوريون ذلك مثلًا، إذ بادر عشيّة انتخابات الكنيست في عام 1955 بالقيام بعمليّات عسكريّة ضدّ قطاع غزّة؛ وفي عشيّة انتخابات سنة 1981 قصف بيغن المفاعل النوويّ العراقيّ؛ وفي عشيّة انتخابات سنة 1996 قام شمعون بيرس بعمليّة عناقيد الغضب ضدّ لبنان؛ وفي عشيّة انتخابات سنة 2009 شنّ إيهود أولمرت وإيهود براك العدوان على غزّة. إلى جانب سعي نتنياهو وبراك لفرض أجندةٍ أمنيّة على انتخابات الكنيست المقبلة، يبدو أنّ العدوان على غزّة قد ساهم أيضًا في إضعاف إيهود أولمرت، ويبدو أنّه سدَّ الطّريق أمام عودته إلى الحياة السياسيّة، وحرَمه من تزعّم قائمة انتخابيّة في الانتخابات المقبلة، وأضعف أيضًا شعبيّة وزيرة الخارجيّة السابقة تسيبي ليفني، ما سيؤثّر في النّتيجة التي تحرزها إذا ما قرّرت خوض الانتخابات. خاتمة ساهمت مجموعةٌ من العوامل في إفشال العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة. وكان في مقدّمتها صمود المقاومة الفلسطينيّة في القطاع، واستمرارها في قصف الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة بكثافة وفاعليّة مؤثِّرة، والتفاف الشعب الفلسطينيّ حولها. يضاف إلى ذلك موقف مصر المهمّ والفعّال الدّاعم للمقاومة الذي حظي بمساندة الرأي العامّ العربيّ وجامعة الدُّول العربيّة، لا سيّما دول الربيع العربيّ، وتلقّى دعمًا إقليميًّا من تركيا. وبفضل ذلك، تمكّنت المقاومة في غزّة - بدعمٍ مصريّ - من فرض مطالبها الأساسيّة في اتّفاق التهدئة الذي جرى التوصّل إليه في القاهرة، إذ شمل وقف الاغتيالات الإسرائيليّة وفكّ الحصار؛ ما يفتح الباب أمام إعادة بناء قطاع غزّة والعمل بجديَّة من أجل إنهاء الانقسام. أمّا إسرائيليًّا، فليس من الواضح بعدُ إذا ما كان نتنياهو وبراك سيستفيدان انتخابيًّا من العدوان على غزّة، لا سيّما في ضوء نجاح حماس والتنظيمات الفلسطينيّة في تحقيق مطالبها الأساسيّة في نصِّ اتّفاق التّهدئة. وحدة تحليل السياسات في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"