خبر : بين إسقاط طائرة وسقوط قذيفة، ماذا تغير في الموقف التركي؟ ..صادق الشافعي

السبت 13 أكتوبر 2012 09:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT
بين إسقاط طائرة وسقوط قذيفة، ماذا تغير في الموقف التركي؟ ..صادق الشافعي



مهما كان التقييم لدور تركيا في الحدث السوري والموقف منه، فإن ذلك يجب ألا يحجب عن رؤيتنا ما قدمته القيادة التركية بزعامة أردوغان من إنجازات هامة عديدة وأساسية لصالح شعبها وتقدمه ورفاهه وحرياته العامة، وأيضاً لصالح الدولة التركية وقوتها ودورها في المنطقة. وهو ما جعل التجربة التركية أنموذجاً ومثلاً يحتذى لشعوب المنطقة. وهذا هو ما مكن تركيا من امتلاك مشروع الخاص لعموم الإقليم مواز للمشروع الايراني، وفي غياب تام للمشروع العربي، وجعل من الإقليم وبالذات الدول العربية منه، المجال الحيوي للقوة التركية الصاعدة ودائرة الفعل الأولى لبرنامجها. لكن الحدث السوري واستطالته الكبيرة دونما حسم، او حتى ظهور افق للحسم او للحل التوافقي، انتقل بالدور التركي من دائرة الأمل به والتعويل عليه في البداية، الى دائرة التشكك والرفض والى خسارة تركيا نسبة وازنة من أهل المنطقة.لقد تطور الموقف التركي من دور التأييد السياسي المتزن لقوى المعارضة من جهة والناصح للنظام القائم من جهة أخرى كمرحلة اولى، حتى وصل في مرحلته الأخيرة الى موقف الانحياز التام لقوى المعارضة والدعم الكامل لها والقاعدة الرئيسية لقياداتها وتحركاتها واتصالاتها والممر الآمن لقواتها (بكل تشكيلاتها) ولسلاحها وتمويلها، بما شكل الحبل السري لكل وجودها واستمرارها. وإذا كان يمكن تفسير الموقف التركي في المرحلة الأولى بالتقاء القيادة التركية الفكري والسياسي مع جماعة الإخوان المسلمين السورية التي شكلت القوة الأساسية في المعارضة وفي تشكيلها السياسي الأبرز (المجلس الوطني) في تلك المرحلة، فان ذلك لم يعد كافيا لتفسير هذا الموقف في المرحلة الأخيرة. لقد استوعبت القيادة التركية حادث إسقاط طائرة تركية فوق المياه الإقليمية السورية ومقتل قائديها وامتصت تبعاته، فلماذا هذا التصعيد اللافت لحادث سقوط قذيفة انطلقت خطأً من الأراضي السورية على منزل داخل الأراضي التركية وادت الى سقوط ضحايا أبرياء؟ لقد أوصل التصعيد التركي في التعامل مع هذا الحادث الوضع بين البلدين الى حافة الحرب، واستدعى دخول "الناتو" على الخط مؤيداً للموقف التركي. (لاحظ، دونما إشارة إلى استعداده للتدخل العسكري) ولا يزال الوضع على حاله. ثم أليس حدث سقوط هذه القذيفة وغيرها من الاحداث امر متوقع تماما ما دامت تركيا تفتح حدودها مع سورية على الغارب امام قوى المعارضة ومراكزها وسلاحها وعملياتها وكرها وفرها، وفي الاتجاهين؟ ما الذي تغير بين حادث إسقاط الطائرة وحادث سقوط القذيفة لتتغير طريقة المعالجة الى هذه الدرجة؟ في الإجابة على هذا السؤال تبرز الاحتمالات التالية: 1- ان الحدث السوري قد طال بأكثر مما يفترض، وانه دخل في باب الرتابة الدموية والتدميرية دونما افق واضح للحسم او احتمال جاد لحل توافقي.ويبدو ان تركيا، وربما معها آخرون، قد وصلت الى قناعة ان المعارضة بأوضاعها العامة وبمستوى أدائها ليست قادرة على انجاز مهمة إسقاط النظام. 2- إن طول الوقت قد ساعد على تضخم أعداد العناصر المتطرفة، من القاعدة وغيرها، من اكثر من بلد واكثر من اتجاه. وهؤلاء لهم برامجهم وأهدافهم وطرائق عملهم الخاصة التي يصعب التكهن بها او ضبطها او السيطرة عليها. إن تضخم أعداد هؤلاء بقدر ما يخلقه من مخاطر وفوضى ودم ودمار، فانه، الى جانب عوامل وامور اخرى، يضعف من هيمنة جماعة الإخوان المسلمين ( حليف تركيا الأول) على الحركة العامة للمعارضة وتحكمها في مسارها، وتحكمها في مآلها ايضاً. 3- ان تفاعلات الحدث السوري قد بدأت ترمي بشررها على الوضع التركي الداخلي على شكل مظاهرات معترضة على سياسة الحكومة تنظمها قوى المعارضة، وعلى شكل تصاعد الفعل العسكري للجماعات الكردية المنادية بالانفصال. وهذا ما لا تريد له القيادة التركية ان يستمر أو أن يتفاقم. أن التصعيد التركي اللافت ضد سورية والمستوى الخطر الذي وصل اليه، بقدر ما يراد منه إظهار قوة الدولة التركية وهيبة قيادتها، فإنه يبدو أيضا كضغط على الدول والقوى الأخرى وتذكير لها بضرورة رفع وتيرة وسرعة وضغوطها وأفعالها لإنجاز المهمة وعدم إبقاء ثقل المسؤولية الأكبر على أكتاف تركيا.وقد يكون التصعيد تمهيداً ومقدمة لفرض المطلب التركي الدائم بضرورة توفير منطقة آمنة بعمق كاف لتكون ارض تجمع وتنظيم لقوى المعارضة وقيادتها، وساحة لتخطيط وانطلاق هجماتها ضد مواقع النظام السوري وقواته. وبما يوفره ذلك من ظروف افضل لتحقيق درجة أعلى من التنسيق بين قوى المعارضة المختلفة في برامجها وعلاقاتها وافعالها، ودرجة أعلى في قدرة القوى الخارجية على دعمها والتنسيق معها وتوجيهها. وما توفره المنطقة العازلة أيضا من قدرة افضل للسيطرة على القوى المتطرفة المشار اليها وضبط عموم حركتها ضمن الحركة العامة للمعارضة وفي حدود التنسيق مع القوى الخارجية وتوجيهاتها. وهذا المطلب اذا ما تحقق هو ما يمكّن من العمل على تطويره الى ارض محررة تقام عليها سلطة سورية معارضة ومحمية.