نعم، لدينا رئيس وزراء "كثير حكي" لكن، أيضاً، كثير شغل، أي هو مزيج من رجل الأقوال ورجل الأعمال. إنه حاضر في كل بند كلام، وحاضر أيضاً في افتتاح كل مشروع. لكن، ما وصفته قبل سنوات بـ "رجل ديجتال" صار يميل ليكون "رجل دولة". صعدت سلم رئيس الوزراء طرداً منذ رئاسته الحكومة ٢٠٠٧، متولياً أيضا أصعب الحقائب، حقيبة المالية، وهي في معظم الدول من أثقل الحقائب، وفي حكومات السلطة أثقلها. هل هناك علاقة بين هبوط بورصة فلسطين - نابلس، ونزول "شعبية" الخبير ورجل الدولة سلام فياض؟ وهذا منذ العام ٢٠١١. حامل البطيختين أعطى البطيخة الثقيلة، المالية، لوزير كفؤ مثله، وإداري مثله، نبيل قسيس، أدار مشروع بيت لحم ٢٠٠٠، وجامعة بيرزيت، أكثر جامعات فلسطين مشاكل.. ولكن خطاب الوزير الجديد للمالية في اجتماع لجنة تنسيق المساعدات بنيويورك لا يختلف عن خطاب رئيس وزير المالية القديم. مع ذلك، فرئيس الحكومة الذي أقال السلطة من عثرة الانفصال الغزي، وبنى الإدارة لتكون مؤهلة لمسؤوليات دولة، ربما له، كما لأي مسؤول ومواطن، طموح سياسي، يجعله يغلب لسان "رجل الدولة" على لسان "الخبير المالي" الكبير.. وهذا خلاف وزير ماليته الجديد، نبيل قسيس الذي يبقى وزيراً إدارياً كفؤاً. في آخر خطاباته، أمام مؤتمر "دعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية - الائتلاف الأهلي" في مقر الهلال الأحمر، تحدث فياض بصفته "رجل دولة" أولاً، ثم وزير مالية سابقاً وخبيراً اقتصادياً ثانياً، ونفى أن يكون قطاع غزة "حملاً زائداً"، رافضاً دعوات لوقف إنفاق سلطة رام الله على قطاع غزة، لكنه تأسّف لأن حكومة غزة وتجارها يتهربون من سداد عائدات المقاصة والفواتير.. ومن ثم تذهب الأموال إلى سلطة الاحتلال. هذا الخرق تم سدّه في الضفة. بلغة الأرقام، وقد تحدث بها رئيس الوزراء مراراً في لقاءاته المختارة مع الصحافيين ورجال الأعمال..الخ، فإن حصة غزة من الميزانية العامة بين ٤٥ - ٤٨٪، وحصتها من الضرائب حالياً ٢ - ٤٪ وكانت سابقاً تزيد على ٢٠٪. يعرف رئيس الوزراء أن آخر استطلاع رأي عام حصل فيه انقلاب لافت، إذ رأت الغالبية، لأول مرة أن غزة تتمتع بوضع اقتصادي أحسن من الضفة. صحيح أن البطالة في القطاع أعلى، والفقر أكثر انتشاراً وحدّةً، لكن الراتب الحكومي هو ذاته للموظف في رام الله ولزميله في غزة .. مع فارق كبير جداً في الأسعار لصالح غزة!. موقفي ورأيي السياسي والوطني ألاّ تخليَ عن القطاع، ولو كانت مساحته ١٪ من فلسطين الطبيعية.. أو حتى كيلو متر واحد. مع هذا يجب تعديل ما في حصص الكعكة الوطنية. نحو توازن ما، يراعي فروق الأسعار مثلاً، أو ترشيد أموال "بدل المواصلات" والعلاوات الوظيفية سواء في غزة أو الضفة، استطراداً لضبط حركة السيارات الحكومية. الحكومة سارعت إلى ردّ الخصميات في الرواتب العليا وكانت ١٠ - ١٢٪ وشمل هذا جميع موظفي السلطة، وهكذا قبضنا راتب آب في أيلول على ثلاث دفعات، سيقال إن هذا "وفق إمكانيات المالية". حتى لا يكون كلامي ينطلق من كوني موظف سلطة متقاعداً في رام الله، فإنني أقتبس من مقالة زميلي من غزة توفيق وصفي "دفاتر الأيام - الأربعاء" وهو موظف سلطة أيضاً. "لا يظهر راتب موظف غزة في السوق، كما يقول كثير من التجار والباعة، فيوم راتب سلطة حماس يوم عادي لا تتحرك فيه السوق، ويوم نصف راتب سلطة رام الله يحرك البلد بأسرها". كان زميلي حسين حجازي قد كتب ذات سبت، إن غزة قبل الانقسام شهدت مشاريع وطرقاً أكثر بكثير جداً مما بعد الانقسام.. وأن حكومة رام الله تدفع رواتب أهم وأكبر وزارتين في غزة: وزارة التربية، ووزارة الصحة .. ومن ثم، فإن "تشاوفات" رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية لا مبرر لها، وهي تتضمن مغالطات ووقاحات أيضاً. من واجب رئيس الحكومة أن يواصل الحديث كرجل دولة، لكن من واجبه أيضاً أن يجد السبيل لتخفيف "الحمل الزائد" الغزي على وزارة المالية، وأيضاً ضغط النفقات غير الضرورية في الضفة. أمامنا أقسى الشهور، وسنواجه "عقوبات" مالية وسياسية، حتى من الأشقاء، جراء موقفنا السياسي، وكانت تظاهرات الاحتجاج الشعبي إنذاراً للحكومة والسلطة معاً. ملاحظة عابرة: سيقدمون الانتخابات في إسرائيل على خلفية خلاف حول الميزانية .. لا خلاف حول السياسة. حسن البطل