خبر : شهادة للتاريخ:د. موسى أبو مرزوق كما عرفته..المسيرة والرؤية والعمق الاستراتيجي..د.أحمد يوسف

الأحد 07 أكتوبر 2012 01:30 م / بتوقيت القدس +2GMT
شهادة للتاريخ:د. موسى أبو مرزوق كما عرفته..المسيرة والرؤية والعمق الاستراتيجي..د.أحمد يوسف



الطفولة والشبابان تكتب عن أخٍ وصديق تعرفه منذ الصغر، وتشاركه الالتزام التنظيمي في مرحلة الشباب، وتصاحبه بعد ذلك في كل المراحل الحياتية؛ سنوات الدراسة بالجامعة في قاهرة المعز، ثم العمل بالإمارات، ثم الدراسة والعمل والجوار وقيادة العمل الإسلامي في معظم سنوات وجودنا بالولايات المتحدة الأمريكية، مسيرة طويلة تجاوزت الثلاثين عاماً لم أعرف فيها لأخي موسى أبو مرزوق الا فضائله ونعمائه، وجدّه واجتهاده لخدمة مشروعنا الإسلامي، وعمله الدؤوب في قيادة نشاطنا الفلسطيني، وخاصة خلال فترة وجودنا في أمريكا أو بعد مغادرته لها، وترأسه للمكتب السياسي لحركة حماس.على طول هذه المسيرة ومحطاتها الممتدة من غزة إلى مصر، ومن مصر إلى الإمارات، ومن الإمارات الى أمريكا، ثم الاعتقال والسجن في نيويورك والترحيل الى الأردن، وبعد ذلك الابعاد إلى سوريا، ثم الرحيل عنها بعد الثورة والعودة إلى مصر من جديد، كان د. موسى علماً فلسطينياً وقيادياً إسلامياً. مشوار تخللته الكثير من المواقف والحكايا والمشاهد والصور، حاولت اختصارها في عناوين حركية وإنسانية وسياسية واجتماعية وجهادية، كان فيها الدكتور  موسى أبو مرزوق يمتلك زمام المبادرة واحتضان المشهد الفلسطيني وتصدر أحداثه. مسجد الهدى: بداية الالتزام الحركي في مدينة رفح ومخيم يبنا نشأ د. موسي أبو مرزوق وترعرع في أسرة كان التدين طابعها العام، وكان إخوته وأخواته من الطلاب المجتهدين والمتميزين، كان أخوه الكبير اللواء محمود أبو مرزوق (أبو أحمد) من أوائل الضباط الذين تخرجوا من الكلية الحربية في مصر، وعادوا إلى غزة كضابط في جيش التحرير الفلسطيني. قد تكون جمعتني لقاءات بالدكتور موسى أبو مرزوق في السنوات التي سبقت التزامي بحركة الإخوان المسلمين، في حوارى مخيم الشابورة أو مخيم يبنا المجاور أو في الملعب البلدي، حيث كُنا جميعاً نعشق كرة القدم، فهي لعبتنا المفضلة وتسليتنا ورباطنا بعد انتهاء اليوم الدراسي، ولكن ذاكرتي لا تملك تفاصيل تلك المرحلة. قبل نكسة عام 67، كان معظم الشباب من المعجبين وطنياً بالرئيس جمال عبد الناصر (رحمه الله)؛ الزعيم الخالد للأمة وبطل القومية العربية، كما كانت تطلق عليه وسائل الإعلام المصرية. ولكن بعد هزيمة العرب المذلة في حرب 67، ووقوع باقي الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي إضافة إلى سيناء والجولان، حدث تحول كبير في اتجاهات الشباب، فقد شهد قطاع غزة حراكاً غير مسبوق باتجاه المساجد، من حيث عمارتها وإعمارها.. كان مسجد الهدى أو ما كان يُطلق عليه اسم "مسجد أبو الهنود" نسبة الى المؤذن الذي كان يمتلك صوتاً جميلاً يصدح به في الآذان وتواشيح الصباح، والذي يقع في مخيم يبنا، وهو المسجد الذي كان يتردد عليه العديد من الشخصيات الإخوانية، التي سبق لمخابرات النظام المصري ملاحقتها واعتقال الكثير منها، وقد تمكن البعض منهم من مغادرة قطاع غزة سراً إلى بعض دول الخليج مثل قطر والكويت، أمثال: الشهيد محمد يوسف النجار، والأستاذ أحمد رجب الأسمر. بدأت هذه العناصر الإخوانية في ممارسة نشاطها العلني من داخل المسجد، حيث شرعت بإقامة حلقات تعليم القرآن الكريم، ودروس الفقه والسيرة، وشهد المسجد حضوراً ملفتاً للنظر، حيث أخذ يتقاطر عليه الشباب بمختلف أعمارهم للاستماع إلى الدروس والعظات التي كان يُلقيها الشيخ حسين أحمد حسن (المصري)؛ إمام مسجد يافا الكبير من عام 36 – 1948، والشيخ رجب العطار والشيخ لطفي الهمص رحمهم الله جميعاً، وهم شخصيات إخوانية تتمتع بالتقدير والاحترام بين أهالي مدينة رفح ومخيم يبنا على وجه الخصوص. تكاثرت الأنشطة الدينية والثقافية في مسجد الهدى، وأخذ دعاة الإخوان وعلماؤهم في القاء خطب الجمعة ودروس ما بعد المغرب والعشاء، وكان من بين أولئك الشيخ أحمد ياسين (رحمه الله)، والشيخ عز الدين طه، والشيخ سليم شراب (رحمه الله)، والشيخ محمد الأغا (رحمه الله)، وآخرون. لقد أثمرت زيارات الشيخ أحمد ياسين إلى رفح والقائه دروساً في مسجد الهدى ثم لقاءاته ببعض الشباب الذين اختارهم الحاج محمود محسن؛ أحد أهم رجالات الإخوان المسلمين في المدينة، حيث كان تاجراً للأقمشة، وبيته مفتوح لاستقبال الشيخ أحمد ورعاية لقائه بهؤلاء الشباب، ويمكن القول إن في بيت هذا الرجل الصالح تمَّ تنظيم أول مجموعة على مستوى القطاع، والتي سرعان ما أصبح نظيراً لها بمسجد العباس في غزة ، ثم المعسكرات الوسطى، وبعد ذلك في مخيم جباليا، إلى أن أصبحت كل مدن القطاع ومخيماته تحتضن مجموعات إخوانية في سياق وحدة تنظيمية واحدة، وكان هناك من يعمل على مساعدة الشيخ أحمد ياسين في تحركه مع هذه المجموعات، أمثال: الأستاذ محمد الغرابلي (رحمه الله) والأستاذ عبد الفتاح دخان.  لا شك أن الترابط الكبير بين مدن القطاع وقراه قد ساعد على سرعة معرفة هؤلاء الشباب لبعضهم البعض، الأمر الذي مهدَّ الاجواء لنشاطات مشتركة وزيارات متبادلة ومعسكرات ترفيهية على شاطئ البحر يأتي إليها الشيخ أحمد ياسين وبعض القيادات التاريخية للحركة لإلقاء الدروس الوعظيّة، وتقديم شروحات للكثير من المفاهيم الحركية والتنظيمية. كان الشيخ الشهيد أحمد ياسين هو الأبرز من بين كل الدعاة في اجتذاب الشباب وتقسيمهم في وحدات عمل تنظيمية، وكان الدكتور موسى أبو مرزوق واحداً من بين هؤلاء الذين تمَّ تنظيمهم على يد الشيخ أحمد ياسين (رحمه الله). ان المشهد الذي ما زال حاضراً في ذاكرتي للشاب موسى أبو مرزوق هو جلوسه في باحة مسجد الهدى، وبين يديه أحد مجلدات "في ظلال القرآن" للشهيد سيد قطب يقرأ منه، ويتبادل مع بعض إخوانه الرأي حول ما جاء فيه. بعد احتلال قطاع غزة عام 67 بعدة شهور فتحت المدارس أبوابها، إلا أن العديد من الطلاب قاطعوا العودة إليها، باعتبار أن "لا تعليم تحت الاحتلال"، وكان الطالب موسى أبو مرزوق من بين هؤلاء، حيث درس الصف الحادي عشر في بيته (نظام منازل).. وفي السنة النهائية من مرحلة الثانوية العامة، توجه الأخ موسى لمقابلة الشيخ أحمد ياسين طالباً منه الرأي والمشورة فيما يتعلق برغبته في السفر إلى مصر والدراسة فيها.. أشار عليه الشيخ أحمد (رحمه الله) بالحرص على الالتحاق بالكلية الحربية، وذلك لحاجة في نفس الشيخ أن يراه ضابطاً تنتظره مهمات وطنية عندما يعود إلى غزة.. في مصر، درس الأخ موسى الثانوية العامة في مدينة شبين الكوم، وحاول جهده للالتحاق بالكلية الحربية إلا أن قراراً صدر بإلغاء مساواة الفلسطينيين بالمصريين مما يعني حرمان الأخ موسى من تحقيق أمنية شيخه أحمد ياسين، فالتحق الأخ موسى بمعهد شبين الكوم الصناعي والذي تحول في السنة الثانية إلى كلية هندسة تابعة لجامعة حلوان. انتقل موسى من شبين الكوم إلى القاهرة، حيث أصبح على احتكاك يومي مع إخوانه الطلاب من قطاع غزة. وبالرغم من الظروف الصعبة - نسبياً - التي كانت تواجه الإخوان والعمل الإسلامي في القاهرة إلا أن موسى استطاع تجنيد العديد من الطلاب الفلسطينيين والمصريين. في القاهرة: الدراسة تجمعنا من جديد انتقل الأخ موسى للقاهرة في وقت كان فيه النشاط الاسلامي في الجامعات المصرية على أوجه، ولعله كان الطالب الفلسطيني الوحيد الملتحي في الجامعات المصرية عام 1971. كان التنظيم الفلسطيني الذي يجمع طلاب الإخوان من قطاع غزة يعيش أزمة قيادة وتباعد في الأماكن، حيث إن الجامعات المصرية كانت موزعة في كل الأقاليم من الإسكندرية إلى أسيوط ومن الزقازيق إلى القاهرة والجيزة. كانت لنا جلساتنا الأسبوعية ولقاءاتنا الشهرية تبعاً لقرب المكان أو بعده، وكنا ندير أنشطتنا الدعوية والحركية بحذر شديد، وبعيداً – بالطبع - عن أعين أجهزة أمن الدولة المصرية. كان من حُسن حظنا أن سنوات السبعينيات شهدت انفراجاً في العلاقة بين الرئيس السادات والإخوان المسلمين، حيث تمَّ الافراج عنهم من السجون والمعتقلات، وسمح لهم النظام بالعودة إلى ممارسة أنشطتهم الدعوية والتربوية في المساجد والساحات، بهدف فتح صفحة جديدة في العلاقة معهم، وكذراع – فكري ومجتمعي - ضارب يمكن الاستقواء به لمواجهة خصومه السياسيين من الشيوعيين، الذين كانوا متغلغلين في كل مرافق الدولة، وعلى رأس الكثير من المواقع القيادية المدنية والعسكرية. في الحقيقة، كانت المناسبات الدينية هي واحدة من المجالات التي كان (الإخوان المسلمون)يُظهرون فيها مكانتهم وتميزهم كقوة مجتمعية منظمة، وذلك بمشاركة عشرات الألاف من كوادرهم في الاحتفالات التي يعقدونها بميدان العباسية وساحة عابدين. بالطبع كُنا نشارك في حضور هذه التجمعات الجماهيرية الحاشدة، والتي اتاحت لنا اللقاء والتعرّف على القيادات التاريخية لحركة الإخوان المسلمين في مصر، مثل: الاستاذ عمر التلمساني، والدكتور أحمد الملط، والاستاذ مصطفى مشهور، والاستاذ كمال السنانيري، والشيخ سليمان ربيع، والشيخ يوسف القرضاوي الذي كان يحضر خصيصاً من قطر في المناسبات والاحتفاليات الكبيرة، وخاصة في عيد الفطر أو عيد الأضحى المبارك، وأيضاً قيادات الإخوان الشبابية أمثال: د. عبد المنعم ابو الفتوح، ود. عصام العريان، ود. حلمي الجزار. د. ابو مرزوق: الرجل الأول في قيادة التنظيم عندما بدأ توافد الطلاب الفلسطينيين من قطاع غزة للدراسة بالجامعات المصرية، كان هناك عددٌ لا بأس به من شباب الإخوان بينهم. وقد كلّف الشيخ أحمد ياسين - في البداية - الأخ عبد العزيز عودة أن يكون أميراً عليهم.. استمرت إمارة الأخ عبد العزير للتنظيم حوالي العامين، ولم تخلو من مشاكل تنظيمية وإدارية. في عام 1974، آلت الأمور إلى الأخ موسى أبو مرزوق؛ كمسئول أول عن التنظيم الفلسطيني في جمهورية مصر العربية، حيث عمل على اعادة هيكلته وتنشيطه، ونجح الأخ موسى في فتح أول قنوات اتصال رسمية مع إخوان مصر، حيث كان الأستاذ كمال السنانيري (رحمه الله) هو حلقة الاتصال المباشرة والقناة الرسمية بين التنظيم الفلسطيني والتنظيم الإخواني المصري. أقام الأخ موسى ابو مروق مع بعض أفراد عائلته في نفس البناية التي كنت اقطنها انا وعددٌ آخر من الإخوان، وكانت شقته في مواجهة شقتنا تقريباً، الأمر الذي اتاح لنا الكثير من الوقت للتزاور وتداول الحديث معاً، حيث كانت العمارة 15 في رابعة العدوية يقطنها عدد كبير من الإخوة الفلسطينيين الملتزمين معنا تنظيمياً، مثل: المهندس نزار عوض الله، والأخ حسن أبو شعبان والمهندس عيسى النشار، المهندس يحيى الأسطل وأخويه إسماعيل ومحمد، وكانت الشقة التي أقيم فيها مع الأخوة محمد المزين وعيسى الأسمر وكذلك الأخ محمد الأسعد (سوري الجنسية) بمثابة "مركز الإخوان" في مدينة نصر، وكانت دائماً عامرة باللقاءات والضيوف. كانت مجاورتنا للأخ موسى تمنحنا الكثير من الوقت للاجتماع في حلقات إخوانية نتدارس فيها واقعنا وأحوال أمتنا، وكذلك الصلاة جماعةً في مسجد "رابعة العدوية" المجاور، وأيضاً كنا نصوم أيام الاثنين والخميس ونحرص على الإفطار معاً في أغلب الأوقات. غادرنا الأخ موسى للعمل في الإمارات، وتولى إخوة من الأردن قيادة التنظيم الجديد المسمى (بلاد الشام) والذي تشكل في عام 79م، ليكون حاضنة للعمل الإسلامي في الساحتين الفلسطينية والأردنية، وراعياً لنشاط الطلاب الفلسطينيين والأردنيين في الخارج، وكان من بين القيادات التي رعت التنظيم في مصر – آنذاك - د. راجح الكردي ود. علي العتوم، خلال فترة دراستهم لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة الأزهر، وكان على رأس الطلاب الفلسطينيين الأخوة إبراهيم المقادمة ومنير العشي وعمر فروانة ومفيد المخللاتي. انتصار الثورة الاسلامية في إيران: أحداث ومواقف صاحب انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وعودة الإمام الخميني إلى طهران نهاية السبعينيات، حراكاً اسلامياً واسعاً في العالم العربي، وخاصة بين أوساط الشباب الاسلامي، وقد شهدت تلك الفترة نشاطاً مكثفاً داخل الجامعات المصرية، ولم نكن نحن – بالطبع - بعيدين عنه، بل كنا في قلب الحدث، حيث أدخلتنا مجلة "المختار الإسلامي" الشهرية، الممثلة لنبض الشارع الإسلامي في مصر بمقالاتها التحليلية، لأن نكون جزءاً من معادلة الثورة القائمة، والتي كان للأخوين فتحي الشقاقي وبشير نافع مقالاتٍ ثابتة فيها، تتناول الثورة الإسلامية في إيران بشكل متعاطف وبنفسٍ متفائل بإمكانية قيام ثورة مماثلة في مصر. في دوامة الجدل الداخلي حول الثورة الإسلامية في إيران، نشر د. فتحي الشقاقي كتابه "الخميني: الحل الإسلامي والبديل"، الأمر الذي دفع أجهزة الأمن المصرية للقيام بحملة اعتقالات واسعة طالت العديد من طلاب تنظيم بلاد الشام. شهادة للتاريخ، أن غياب الأخ موسى - الصديق العزيز للأخ فتحي الشقاقي - عنَّا في تلك الفترة الحرجة، وعدم معالجة قضية "الخلاف" مع الأخ فتحي الشقاقي، وإبقائها معلقة بدون حل جاد لأكثر من ست سنوات، أدى - بشكل أو آخر - إلى ابتعاد الأخ فتحي عن التنظيم تدريجياً، والتصرف بشكل فردي بعيداً عن تنظيم بلاد الشام، لأخذ مكانته مع من تمَّ تجنيدهم على يديه في القاهرة والزقازيق إلى مسار يمنحه قيادة بديلة تسمع له وتطيع، وتهيء له تظهير فكره ورؤيته في الحركة والتنظيم، وخاصة بعد النجاح الكبير الذي حققته الثورة الإسلامية في إيران بإزالة عرش الطاغوت محمد رضا بهلوي. السفر للإمارات غادرنا مصر بعد التخرج من الجامعة في نهاية السبعينيات عائدين إلى أرض الوطن، وظلت علاقاتنا قائمة مع الأخ موسى أبو مرزوق الذي سبقنا للعمل في الإمارات.. وبعد عامٍ تقريباً، هيأ لنا – من خلال علاقته هناك - بعض فرص العمل، حيث لحقت به مع بعض الإخوة للعمل هناك. وجدت فرصتي الأفضل بالعمل في جمعية الاصلاح والتوجيه الاجتماعي بدبي، وكان د. موسى يعمل مهندساً في شركة (أدنوك ADNOC -) في منطقة أم النار، وكان هذا العمل يمنحه دخلاً عالياً ووقتاً كافياً كان يسافر فيه لتفقد إخوانه واللقاء بهم في باقي مدن الامارات، حيث كان هو المسئول الأول عن التنظيم، وممثلنا بمكتب بلاد الشام في عمان، وكذلك في مجلس شورى الحركة. نجح الأخ موسى في بناء وهيكلة التنظيم الفلسطيني في الإمارات، وتمكن من جلب الكثير من العناصر الإخوانية للعمل هناك، وقد أعانته خبراته الدعوية في تنظيم بعض شباب الإمارات لحركة الاخوان، والتي ربما كانت هي البداية لنشأة التنظيم هناك. لا شك أن تلك السنوات التي مكثها الأخ المهندس موسى أبو مرزوق في الإمارات كانت سنوات كسب وعطاء لحركة الإخوان المسلمين، حيث ساهم– آنذاك – في توحيد الصف الإخواني، وتوفير الدعم المالي لمساعدة أهلنا في فلسطين، ونُصرة قضايا العالم الإسلامي. في بداية الثمانينيات، تمكن الإسلاميون من أبناء الإمارات من الوصول الى مواقع متقدمة في الحكومة، فكانت بأيدهم وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل والأشغال العامة وكذلك وزارتي العدل والأوقاف.. وقد كان من حسنات هذا التحول وبركته، أن قامت وزارة التربية والتعليم بتقديم منح تعليمية(Scholarship) لعدد كبير من العرب المقيمين أو غير المقيمين للدراسة في الغرب، وكان أن طالنا نصيب منها، حيث سافر الأخ موسى الى الولايات المتحدة في نهاية 1981، ولحقت به بعد عدة اشهر.. التقينا مجدداً في مدينة "فورت كولنز" بولاية كولورادوا، والتحقنا بجامعة كولورادوا ستيت (CSU)، وكان معنا في الجامعة عدد من الإخوة الليبيين والذي يتولى بعضهم الآن إدارة دفة الأمور في ليبيا ما بعد القذافي.. كذلك إخوة من السعودية وأفغانستان وباكستان والعراق ومصر؛ كالدكتور محمد بشر عضو مكتب الإرشاد.. ومن فلسطين، د. كمالين شعت، والمهندس إسماعيل أبو شنب (رحمه الله)، والدكتور محمد الحلو، وعدد آخر من إخوان بلاد الشام. قيادة العمل الإسلامي: جهد وتميز في تلك الفترة من بداية الثمانينيات، كان النشاط الإسلامي على الساحة الأمريكية تقوده عدة مؤسسات عربية طلابية؛ أهمها رابطة الشباب المسلم العربي (MAYA)، والاتحاد الإسلامي لفلسطين(IAP)، وكان وجودنا الفلسطيني قوياً ومؤثراً داخل تلك المؤسسات، حيث أخذ الأخ موسى مكانته السريعة في قيادة عملنا الفلسطيني هناك، وأصبح هو المسئول الأول عن تنظيم بلاد الشام في أمريكا، وتمكن من ايجاد فضاءات حيوية لنا لمباشرة نشاطنا وحشد طاقات الشباب، من خلال تفعيل الاتحاد الإسلامي لفلسطين، وتطوير وانشاء مؤسسات وجمعيات أخرى تكون حاضنة لنشاطنا الدعوي والإغاثي هناك. بعد عامٍ تقريباً، تبوء الأخ موسى موقعاً تنظيمياً آخر داخل التنظيم الإخواني العام، وأصبح مسئولاً عن الدائرة السياسية في قيادة حركة الإخوان المسلمين في أمريكا، وقد كان لي شرف العمل معه بالإشراف على نشرة "درب الدعاة"، التي كانت أحد الأدبيات الرسمية للحركة، وكانت المقالات المنشورة فيها تتوزع بين نصائح وتعليمات رئيس الحركة وبين مقالات تربوية وأدبية، وكذلك النشرة الدورية "السياسي: مفاهيم ومواقف"، والتي كانت موضوعاتها تشتمل على التحليلات السياسية وتقديرات الموقف، ويشارك في كتابتها بعض القياديين وأساتذة العلوم السياسية بالحركة. في الحقيقة، كانت تلك السنوات من عقد الثمانينيات هي أفضل فترات الكسب والعطاء والحشد والتعبئة للحركة، وأيضاً لنشاطنا الإسلامي لفلسطين.. وقد نجح تنظيم بلاد الشام أن يفرض حضوره داخل ساحة العمل الإسلامي في أمريكا، ويتمكن من كسب مباركة وتأييد الإخوة من مصر والكويت وليبيا، ليفوز د. موسى برئاسة التنظيم العام للإخوان المسلمين على مستوى الساحة الأمريكية بكاملها. إن بصمات الأخ موسى في توحيد وجمع الصف الإخواني معروفة لدى جميع التنظيمات العاملة داخل الساحة الأمريكية، وبعد أن كانت الخلافات تعصف بشباب الحركة، بين متعاطف ومناصر لنهج د. حسن الترابي وبين محذرٍ ورافض لهذا النهج، تمكن الأخ موسى بعقلانيته وقبول الجميع لقيادته أن ينهي تلك الخلافات، ويعيد بناء الصف على منهجيةٍ توافق الجميع عليها، وإن خرج على إثر ذلك – للأسف – عددٌ من الإخوة السودانيين مع بقاء صلة المحبة والتواصل معهم قائمة. إخوان أمريكا: تنظيمات طلابية وهمة عالية تنقل الأخ موسى بهدف الدراسة في عدة ولايات أمريكية، حيث أقمنا معاً في مدينة كولومبيا بولاية ميسوري، بعد أن انتقلنا - معاً - من مدينة فورت كولينز بولاية كولورادوا.. انتقل الأخ موسي الى ولاية لويزيانا، حيث أنهى هناك دراسة الدكتوراه في هندسة الانشاءات، عاد بعدها الى ولاية فرجينيا بمدينة (Fall Church) التي تقع داخل حزام واشنطن العاصمة، حيث باشر - من هناك - عمله التجاري والدعوي. بدأنا في مطلع التسعينيات بتأسيس مركز دراسات (Think-tank) باسم المؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث (UASR)، وكان د. موسي هو رئيس مجلس الأمناء للمؤسسة أما أنا فكنت المدير التنفيذي لها. لقد عمل د. موسى على إنشاء العديد من المؤسسات الإغاثية والإعلامية والتعليمية، وكان اسمه حاضراً في مجالس أمنائها، وكانت هذه المؤسسات تعمل بشكل قانوني لسنوات عديدة، قبل أن يتم حلها وتوجيه الاتهامات لها بسبب علاقتها بالدكتور موسى أبو مرزوق.  تمكن د. موسي من خلال علاقاته الواسعة مع الشخصيات الإسلامية في العالم العربي من جلب الدعم للانطلاق بمشروعنا وتوسيع دائرة نشاطه، بحيث غدت المؤسسة محط رحال القادمين للعاصمة الأمريكية من العلماء والقيادات الإسلامية، وكانت ملتقى النشاط الفكري والتعبوي لعملنا الاسلامي، سواء الإخواني منه أم الخاص بفلسطين. لقد تزامن بدء العمل الفلسطيني من خلال تنظيم بلاد الشام مع تلك الفترة 82-1989، وكان د. موسى في قلب هذا العمل وقيادته، وكان تواصله مستمر مع إخوانه في الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك في المجالس القيادية الشورية والتنفيذية في الخارج، حيث لم تكن الصلة بين قيادات الداخل وهيئاته الشورية والتنفيذية ونظيرها في الخارج كما ينبغي لأنها كانت حديثة الولادة. في عام 89 تعرض قطاع غزة لضربة قوية، حيث اعتقل أكثر من 90% من التنظيم على إثر خطف آفي سبورتس وإيلي سعدون، كما اهتز الوضع كذلك في الضفة الغربية. اضطر د. موسى للسفر إلى قطاع غزة لإعادة بناء التنظيم، ولأول مرة يتم فصل العمل الأمني – الجهادي عن العمل الدعوي، وهو من أطلق اسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام" على العمل العسكري، حيث كان هناك عملاً موجوداً باسم الشهيد عبدالله عزام، ولكنه مساحات نجاحاته كانت محدودة. بعد ذلك، تم ربط العمل التنظيمي والعسكري بقيادات في الخارج، للحفاظ على سرية الحركة في الداخل ووحدة قرارها السياسي. انتفاضة الحجارة وزيارة غزة بعد أن انهيت دراسة الماجستير في الإعلام قسم "صحافة دولية" كلفني الإخوة بالعودة لقطاع غزة والعمل على فتح قسم للإعلام بالجامعة الإسلامية. وصلت إلى غزة فوجدتها تغلي بالثورة في وجه الاحتلال. ذهبت للجامعة للقاء بعميدها المكلف د. محمد صيام، وشرحت له ما كلفني الإخوة به، فرحب بالفكرة وقال: نمضي على بركة الله عندما يسمح الاحتلال لنا بإعادة فتح أبواب الجامعة. طالت فترة الاغلاق، وحاولت ترتيب أمر عودتي لأمريكا لاستكمال دراسة الدكتوراه لكن جهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك) سحب جواز سفري منذ الأيام الأولى لوصولي للقطاع، ومنعني من مغادرة البلاد، وطالبني كذلك بمراجعة لمكتبه استمرت قرابة الشهرين، كنت اتردد فيها بشكل شبه يومي لمقر (الشاباك) في رفح. في تلك الفترة التي اشتدت فيها فعاليات الانتفاضة، بدأت حماس في تعزيز بناء أجهزتها الإعلامية والسياسية والأمنية لتواكب متطلبات مرحلة المواجهة المستشرية مع الاحتلال. وجدت نفسي أعمل في الدائرة السياسية مع الأخ إسماعيل أبو شنب وفي الدائرة الإعلامية مع الأخ صلاح شحادة، وبعد اعتقاله مع الأخ المهندس عماد العلمي، حيث كنت أشارك في كتابة البيانات وصياغة بعض الأدبيات الحركية لحشد الشارع وتعبئته، للحفاظ على زخم الانتفاضة وحيوية المواجهات مع الجيش الإسرائيلي. أشار عليَّ بعض الإخوة برفع قضية ضد جهاز (الشاباك) والطلب باسترداد وثيقة سفري المحجوزة لديه.. وفعلاً، تقدم المحامي عبد الكريم شبير بطلب إلى المحكمة العسكرية، وبعد ستة شهور من عرض الشكوى على المحكمة، جاء الحكم  لصالحي، فاستعدت جواز سفري بعد عامٍ تقريباً من لحظة مصادرته.. لم تنقطع اتصالاتنا بالدكتور موسى أبو مرزوق طوال تلك الفترة، بل كان التعاون والتنسيق بيننا قائماً، لتفعيل تغطيات الانتفاضة عبر وسائل الإعلام الغربية، حيث كانت تصل إلينا بعض المحطات التلفزيونية، فنقوم بتسهيل مهماتها في التحرك لتغطية المواجهات مع الاحتلال في كل مدن وقرى قطاع غزة. قبل أيام من عملية الاعتقال الواسعة التي قامت بها إسرائيل في مايو 1989، غادرت قطاع غزة عائداً للولايات المتحدة، لآخذ مكاني مرة أخري في قيادة العمل الإسلامي هناك، ونواصل ما كنا نقوم به - في السابق - من عمل إعلامي وتوعية سياسية وحراك شعبي داخل جاليتنا الفلسطينية والإسلامية. قيادة حركة حماس: بداية التحريض الإسرائيلي في عام 1992، تم اختيار د. موسى أبو مرزوق رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس، وبالرغم من السرّية التي طبعت نشاطات الحركة واسماء قياداتها وإطاراتها التنظيمية، إلا أن اسم د. موسى أبو مرزوق وجد طريقه الى وسائل الإعلام العربية والأمريكية. فرض هذا الموقع الجديد على د. موسى القيام بعدة سفرات من مقر إقامته بأمريكا الى بعض البلدان العربية والإسلامية لمتابعة شئون الحركة والتنظيم.. وفي أول اجتماع لمجلس الشورى عام 1993، استقال د. موسى من رئاسة التنظيم بأمريكا، مع العلم بأن حركة حماس – آنذاك – لم تكن مدرجة على قوائم الإرهاب بالولايات المتحدة الأمريكية أو في أوروبا. لاشك بأن هذا الوضع قد سهّل من مهمة عمله كقيادي للحركة داخل أمريكا وخارجها. العمليات الاستشهادية: اتهامات "الإرهاب" تلاحق حماس  بدأت حركة حماس في فلسطين القيام بعمليات عسكرية استهدفت مواصلات النقل العام في اسرائيل والمطاعم ومحلات "ألكفي شوب" بعد المجزرة الدامية التي ارتكبها المستوطن (باروخ جولد شتاين) داخل حرم المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1994،  والتي راح ضحيتها أكثر من أربعين فلسطينياً كانوا يؤدون صلاة الصبح في شهر رمضان المبارك داخل المسجد، إضافة لعشرات الجرحى الذي توفى بعضهم لاحقاً. أقسم المهندس يحيى عياش بالانتقام لهؤلاء الأبرياء بخمس عمليات عسكرية، لردع الاحتلال وتأديب مستوطنيه. وفعلاً، تمكن المهندس الشهيد يحيى عياش من تحقيق ما وعد به، وخلق حالة من الرعب والفزع – غير المسبوق – داخل الكيان الاسرائيلي . عملت أجهزة الأمن الاسرائيلية على تحريض العالم الغربي ضد حركة حماس من خلال ماكينة الدعاية الصهيونية ذات التأثير الكبير في الدول الغربية. وفي يناير 1995، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية حركة حماس في قائمة الحركات الإرهابية، بناء على أمر تنفيذي من الرئيس بيل كلنتون، وشرعت في مراقبة أنشطتها داخل الساحة الأمريكية.تمكنت اسرائيل عبر مجموعة من الشخصيات الصحفية والأكاديمية اليهودية في الولايات المتحدة، أمثال: دانيل بايبز وستيفن إيمرسون وجوديث ميللر وريتا كاتز من القيام بحملة تحريض واسعة لملاحقة العناصر الفلسطينية الإسلامية والمؤسسات الداعمة للقضية الفلسطينية أو المتعاطفة معها، وبدأت في نشر أسماء بعض الشخصيات والمؤسسات المستهدفة، بهدف تعبئة الرأي العام الأمريكي ضد كل ما هو إسلامي وفلسطيني، وخاصة بعد التهديدات التي بدأت تطلقها القاعدة وأسامة بن لادن ضد الولايات المتحدة. في ظل هذه الأجواء المحمومة، جاء ذكر د. موسى أبو مرزوق كرئيس لحركة حماس، ولمؤسسات أخرى داخل أمريكا كان د. موسى يتبوأ فيها مواقع رئاسية أو يمثل أحد أركانها الفاعلين. ملاحقة العمل الاسلامي لفلسطين في 25 يوليو 1995، قامت الولايات المتحدة باعتقال د. موسى أبو مرزوق بمجرد وصوله وعائلته إلى مطار جون كينيدي في نيويورك. منذ تلك اللحظة، برز اسم د. أبو مرزوق؛ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ليتصدر الصفحات الأولى من الصحف، وليصبح تاريخه وانتماؤه لحركة حماس ونشاطه السياسي مادة ثابتة في التغطيات الإعلامية في الفضائيات العربية والغربية، وكان الاتهام الذي تم توجيهه إليه هو الانتماء لحركة حماس، التي سبق أن وضعها الأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي بيل كلينتون في يناير 1995 في قائمة الحركات "الإرهابية"، بإيعاز من إسرائيل وجماعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم ما هو معروف عن فكر ومواقف د. أبو مرزوق وطروحاته السياسية والفكرية التي تتسم بالمرونة والاعتدال داخل الحركة، إلا أن حجم الضغوطات التي بذلتها إسرائيل لاستمرار اعتقاله، وحتى المطالبة بتسليمه إليها، كانت رهيبة. تحركت حركة حماس في كل اتجاه، وضغطت بثقلها الجماهيري داخل الشارع العربي والإسلامي، وفي أوساط جاليتنا المسلمة بالولايات المتحدة وأوروبا، للمطالبة بالإفراج عن د. أبو مرزوق.. ومع تحرك الشارع العربي والإسلامي، كانت هناك أيضاً مبادرات رسمية ومناشدات لإطلاق سراح د. أبو مرزوق. شغل ملف اعتقال د. أبو مرزوق حياتي، ليس فقط من باب الواجب الذي شعرت به منذ اللحظة الأولى للاعتقال، تجاه مناضل فلسطيني كرّس حياته من أجل الحرية والاستقلال لشعبه، ولكن ذلك الإحساس "العائلي" الذي جمعنا كأبناء حركة واحدة شكل انتماؤنا لها منذ عام 68 مسيرة ومسار سكن قلوبنا، وجعل حياتنا بمثابة "وقف إسلامي" لهذا الانتماء، إضافة إلى ما كان يربطني به شخصياً وعائلته الكريمة من أواصر اجتماعية وطيدة وعلاقات تآخي وجوار، صاحبتنا في كل محطات حياتنا المتنقلة بين رفح ومصر والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية. خلال سنوات اعتقال د. موسى أبو مرزوق والتي امتدت قرابة العامين، لم يقتصر عملنا في لجنة الدفاع عنه على العمل الإعلامي، بل كانت هناك تحركات سياسية لكسب موقف يمنع ترحيله إلى إسرائيل، والتي شرعت بالمطالبة بتسليمه لها.. كما كانت المسؤولية الأدبية والواجب الأخلاقي والديني تجاه عائلته، والتي وجدت نفسها فجأة في وضع بالغ الصعوبة والتعقيد لم تكن مهيأة له.كانت محاور تحركنا في لجنة الدفاع تعمل - على الأقل - في سبع اتجاهات: 1- العمل الإعلامي، تغطيات صحفية، إصدارات وكتب، مقالات ونشرات.2- المجال السياسي: اتصالات بأعضاء الكونجرس، والتواصل مع السلك الدبلوماسي العربي والإسلامي في واشنطن، لحشد موقف سياسي متعاطف مع القضية، ويدفع في اتجاه المطالبة بالإفراج عنه.3- تحريك الجالية العربية والإسلامية للقيام بفعاليات تضامنية واحتجاجية.4- متابعة الملف القانوني للقضية مع طاقم المحامين.5- العمل على ترتيب شؤون العائلة؛ الزوجة والأولاد، وجدول الزيارة الأسبوعي من واشنطن إلى نيويورك.6- توفير التغطية المالية لكل هذه التحركات، سواء من داخل أمريكا أو خارجها.7-  التواصل مع قيادة الحركة في الخارج لتنسيق الجهود ووضعها في صورة التحركات – السياسية والإعلامية - التي نقوم بها على الساحة الأمريكية. اعتقد أننا إعلامياً بذلنا جهداً جباراً وجعلنا القضية تدخل كل بيت من بيوت جاليتنا المسلمة في أمريكا، وتصل إلى مسامع القاصي والداني، ولم تبق جريدة أو مجلة أمريكية في الولايات المتحدة لم تكتب عن القضية أو تتناول حركة حماس بالدراسة والتحليل من خلال رجلها المعتقل في نيويورك.  ولقد حبانا الله بعدد من المحامين المرموقين الذين عملوا على ملف القضية، وفرضوا احترامهم على الجميع، أمثال: البروفيسور شريف بسيوني؛ أستاذ القانون الدولي في جامعة شيكاغو، والمحامي المخضرم روبرت كنيدي، وكذلك المحامي والناشط اليساري ستانلي كوهين، إضافة إلى المحامي أشرف النوباني؛ وهو أمريكي من أصول فلسطينية. أتذكر في إحدى المؤتمرات الصحفية الخاصة بالقضية في نيويورك، والتي شارك فيها طاقم المحامين الثلاثة، تجمعت هناك أكثر من 25 كاميرا تمثل معظم الفضائيات الأمريكية لتغطية المؤتمر الصحفي، إضافة إلى اكتظاظ القاعة بالصحفيين العرب والأجانب.. وشهد الحدث تغطية غير مسبوقة في تاريخ القضية. لقد كانت سنوات سجن د. أبو مرزوق منحة ربانية، فتحت لحركة حماس أبواباً ما كان يمكن أن تلجها لولا حادث الاعتقال، الذي أراد الصهاينة من ورائه أن يكون درساً لحماس بأن يد إسرائيل الأمنية ستلاحقها وتطالها في كل مكان، فكانت إرادة الله أن تكون هذه المحنة منحةً، لينتشر فكر حماس، ويتعرف الناس على الحركة ورجالاتها ورؤيتها السياسية وحقها المشروع في مقاومة الاحتلال.. كانت فرصة لكشف زيف ادعاءات إسرائيل ومحاكمة جرائمها، كنا نشعر بأن العبء علينا كبير، لكن عائد هذه القضية والكسب المرجو من ورائها كان عظيماً. وفي أوقات كثيرة كنا نستحضر معاني تلك الآيات؛ "لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ"، " فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا..". على مسرح السياسة، أوصلنا القضية إلى الكونجرس، وطالبنا أعضاءً فيه بالتحرك وبذل الجهد مع إدارة الرئيس بيل كلنتون لمنع تسليم د. أبو مرزوق إلى إسرائيل، وطفنا السفارات العربية والإسلامية لوضع الجميع أمام مسؤولياته التاريخية والأخلاقية، وناشدناهم بالتحرك معنا لحشد موقف عربي وإسلامي ضاغط يمنع تسليمه لإسرائيل، باعتبار أن د. أبو مرزوق هو رجل سياسي، وحسب القانون الدولي فإنه يتمتع بالحماية في بلد يُفترض أنه يُمثل قلعة العدالة والديمقراطية. بالطبع، كانت حركة حماس تبذل جهداً كبيراً لتعبئة الساحات العربية والإسلامية من خلال تواصلها بقيادات الحركة الإسلامية، التي تتمتع بنفوذ كبير في منطقة الشرق الأوسط. وقد نجحت التحركات التي قامت بها حركة حماس في أن تجعل قضية اعتقال د. موسى أبو مرزوق قضية رأي عام عربي وإسلامي، وأن أي مساس بحياته هو مساس بحياة كل عربي وكل مسلم. أمام هذه التغطيات الإعلامية الهائلة، والحراك السياسي الواسع، والتفاعل الجماهيري الكبير مع القضية، حيث كانت تصل د. موسى داخل سجنه في منهاتن مئات الرسائل - أسبوعياً - من داخل أمريكا وخارجها، إضافة للتهديدات الأمنية التي كانت تطرق أبواب وهواتف السفارات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لم تجد إدارة الرئيس بيل كلينتون إلا ترحيله إلى الأردن وانهاء هذا الملف بالسرعة الممكنة.. ربما كان القرار الشجاع الذي اتخذه د. موسى بتقديم طلبٍ قانوني برفض الاستئناف وإصراره عليه - رغم اعتراض محاميه في البداية - هو الذي عجّل بقرار الترحيل إلى الأردن، لأن القرار وضع الإدارة الأمريكية في حرج كبير، إذ يتوجب عليها - حينئذ – بموجب القانون تسليمه لإسرائيل خلال 60 يوماً، الأمر الذي جعل نتانياهو يسحب طلب التسليم، لإبعاد شبح التهديدات التي توعدته بها كتائب القسام وحركة حماس إذا ما تم تسليمه لإسرائيل.. وجدت أمريكا نفسها مرة ثانية في وضع بالغ الخطورة والاحراج، مما دعاها للاتفاق مع المحامين حول عملية الإفراج عنه وترحيله بطائرة خاصة إلى الأردن. وفي الأردن استقبل د. موسى أبو مرزوق على المستويين الشعبي والرسمي، وحظي بإقامة مريحة للعمل داخل الساحة الأردنية، وقد فطن  الملك حسين مبكراً لهذه الورقة الرابحة "ورقة حماس"، فهيأ للحركة مسرحاً للعمل منه، حيث قامت الحركة بافتتاح مكتبٍ لها في العاصمة عمان، وظلت هذه العلاقة المتوازنة مع الملك حسين والنظام الأردني تتطور بشكل ايجابي، وقد شهدت محاولة اغتيال الأخ خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي للحركة، تحركاً من قبل الملك لإنقاذ حياته، ونجحت التهديدات التي أطلقها الأردن في حال تعرض حياة الأخ (أبو الوليد) للخطر في جلب "الترياق - Antidote" من إسرائيل، وقد كان هذا الموقف للملك حسين (رحمه الله) موقفاً يستحق منا جميعاً الشكر والتقدير، إضافة لموقف الملك حسين بطلب الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، وتوفير الخدمات العلاجية له في الأردن. عندما كنّا نحاول توسيط الملك حسين للإفراج عن د. موسى أبو مرزوق عبر علاقاته المميزة مع الرئيس الأمريكي كان يعدنا خيراً.. وفعلاً وافق الملك حسين على استقباله ضيفاً علي الأردن.. ومن الجدير بالذكر، أن هناك عدداً من الرؤساء والشخصيات العربية والإسلامية التي طالبت الإدارة الأمريكية والرئيس بيل كلنتون بالإفراج عن د. موسى أبو مرزوق، منهم الرئيس الراحل ياسر عرفات (رحمه الله) ورئيس الوزراء التركي نجم الدين أربكان (رحمه الله) وكذلك رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد. عندما عاد د. أبو مرزوق للأردن استقبله الملك في قصره ورحّب به في الأردن، وتمكنت حركة حماس من إقامة علاقات متميزة بالنظام الأردني، انتهت بوفاة الملك حسين (رحمه الله) وتتويج ابنه الملك عبدالله خلفاً له. بعد وفاة الملك حسين في فبراير 1999، خلفه على العرش ابنه عبدالله، وفي نفس العام، قامت أجهزة الأمن الأردنية بإغلاق مكاتب حركة حماس في الأردن وباعتقال قادتها باستثناء د. موسى، حيث تم إبعاده إلى دمشق، ولاحقاً أبعدت الإخوة خالد مشعل وسامي ناصر وعزت الرشق وابراهيم غوشة إلى قطر.  في عام 2001، كان لي لقاء مع د. موسى على هامش المؤتمر الأول لمؤسسة القدس الدولية في بيروت، والذي كنت أحد أعضائها المؤسسين، فيما كان د. أبو مرزوق رئيساً للهيئة التأسيسية ثم للجنة الادارية، وبعد ذلك انتخب رئيساً لمجلس الإدارة، وتم تكوين مجلساً للأمناء مع الشيخ القرضاوي والشيخ فيصل مولوي (رحمه الله). عندما غادرت الولايات المتحدة في منتصف عام 2004، استقرت بي الحياة في الجزائر، ومن هناك كنت أتردد على زيارة د. موسى في سوريا، حيث كنت انزل عنده ضيفاً لعدة أيام، أحظى فيها بما عُرف عنه من حُسن الاستقبال وكرم الضيافة والوفاء لإخوانه.. وكانت جلساتنا الطويلة التي نتبادل فيها الرأي والمشورة في كل مستجدات وضعنا الفلسطيني، وكذلك تطورات علاقاتنا الإقليمية والدولية.. وقد تعّود الرجل في كل زيارة نقوم بها لسوريا أن يستضيفنا في مزرعته بغوطة دمشق، حيث كان يجتمع على الغداء - الذي يُعدُّ في المزرعة - عدد من قيادات الحركة وكوادرها.. بعد الغداء، يتوزع الضيوف لممارسة هوياتهم الرياضية؛ إما بلعب كرة الطائرة أو السلة أو السباحة في البركة الخاصة بمزرعته. لا شك أن كل من تعامل مع د. أبو مرزوق فإنه يجد نفسه أمام شخص يتمتع بخلق عظيم، متواضع، سخيٌ كريم، عفيف اللسان، مشهود له بالفهم السديد والحكمة، استراتيجي في رؤيته وتحليلاته السياسية الداخلية والخارجية، تحترمه في أدبه الجم، وتقدره في حواراته وتناوله لأمور الدين والدنيا. عمق الرؤية والبصيرة السياسية لم يقتصر عمل د. موسى أبو مرزوق على رعاية أنشطتنا الطلابية وحراكنا داخل جاليتنا الفلسطينية من خلال العناوين والواجهات المتاحة، بل كان مسئولاً أول عن لقاءات الدائرة السياسية لنا في أمريكا، ولقد أسهم مع الإخوة سامي ناصر (أبو عبد الرحمن) والدكتور أكرم العدلوني (أبو الحارث) وآخرين في بلورة فكر حماس السياسي، واجتهدت من خلال موقعي بين الإخوة في إصدار العديد من الكتب والنشرات التي تتحدث عن حركة حماس باعتبارها حركة تحرر وطني براية إسلامية، وكان من بين هذه الاصدارات الكتب التالية: "حركة المقاومة الإسلامية: حدث عابر أم بديل دائم؟!"، تناولنا فيه حركة حماس من حيث الأهداف والاستراتيجيات والسياسات، وكذلك "حماس: بين آلام الواقع وآمال المستقبل" ..الخ أما النشرات التي كانت تصدر بشكل شهري وكنت أتشرف بالعمل مع د. أبو مرزوق على تحريرها، مثل: "السواعد الرامية"، و"السياسي: مفاهيم ومواقف"، إضافة للبيانات التي كانت تحض على مواجهة المحتل الغاصب وتدعو لاستمرار الانتفاضة، وكذلك مجلة (فلسطين الغد) التي كانت تغطي أحداث الانتفاضة ووقائعها، وتعمل على تعبئة الرأي العام وتحشيده لدعم نضالات الشعب الفلسطيني، وكسب تضامنه مع أهلنا في الوطن والشتات. لقد أثرى د. أبو مرزوق ساحتنا الإسلامية والفلسطينية على وجه الخصوص بنظرته الثاقبة للأمور، ومن خلال مشاركاته الواسعة في المؤتمرات التي يتم عقدها سنوياً، إضافة إلى الندوات والمناشط السياسية التي تحتضنها المراكز الإسلامية والجامعات، حيث كانت توجه له الدعوات للمشاركة فيها، وهي تمثل مصدر تحريك وإلهام لشبابنا الفلسطيني والإسلامي في الجامعات الأمريكية ووسط جالياتنا المسلمة، والتي يمثل الفلسطينيون في بعض الولايات والمدن الأمريكية حضوراً لافتاً فيها، أمثال: شيكاغوا ونيوجرسي وأناربر ..الخ لاشك أن د. أبو مرزوق كانت له بعض الملاحظات المنهجية على الميثاق، وقد طالب بإجراء بعض التعديلات عليه، وكذلك كانت له مقترحات من أجل تطوير البرنامج السياسي لحركة حماس في بداية التسعينيات، وكان من أول الداعين كذلك إلى دخول حركة حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية، وشارك في اللقاءات التي تمت في اليمن والسودان لمثل هذا الهدف. لم يبخل د. موسى أبو مرزوق في تشجيع الجهود لإعادة توحيد الصف الفلسطيني الإسلامي، حيث شارك في محاولات جمع الصف بين حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، باعتبار أن الذي اختلفنا عليه في مطلع الثمانينيات - وهو توقيت المواجهة المسلحة مع العدو الإسرائيلي - انتهى ولا وجود له، حيث إن كتائب القسام وسرايا القدس هي التي تقود الآن صفوف المجاهدين، وأن مبررات استمرار الانقسام داخل الصف الإسلامي لم تعد قائمة.. صحيحٌ لم يتحقق لنا ما أردنا من توحيد التنظيمين لاعتبارات معينة، لكن ما نشهده على الأرض هو وجود تنسيق ميداني وتشاور مستمر بين المستويات السياسية والعسكرية في الحركتين. وفيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية فإن الدينامو المحرك لها والباعث على الأمل فيها هو د. موسى أبو مرزوق، وقد شاهدنا من خلال لقاءاته مع السيد عزام الأحمد ممثل حركة فتح حيوية وانجاز منح الطمأنينة للشارع الفلسطيني بعد أن ظن البعض أن لا تلاقيا. إن د. موسى جريءٌ في قول كلمة الحق، ولم أشهد عليه مكابرة أو عناداً، وقد أعترف بوجود أخطاء شارك فيها الجميع أدت إلى ما وقع من أحداث دامية في يونيه 2007. وأيضا؛ عندما كانت تخرج تصريحات مغالية من بعض كوادر الحركة أو قياديها كان ينبري لها مصححاً الموقف. وتكفي هنا الإشارة إلى ما أوردته وكالة (قدس نت للأنباء) بتاريخ 19 يونيه 2012، والذي جاء فيه: "انتقد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس د. موسى أبو مرزوق بشكل غير مباشر ما جاء على لسان رئيس الحكومة بغزة اسماعيل هنية، حين قال: "إن الحكومة قررت أن يكون الرابع عشر من حزيران (يونيو) عيداً للشرطة، في إشارة إلى ذكرى الحسم وتاريخ الانقسام وإحكام سيطرة حماس على قطاع غزة عقب اقتتالها مع حركة فتح، وكذلك الخطاب الذي ألقاه وزير الداخلية في حكومة غزة فتحي حماد في حفلة تخريج الفوج الأول من كلية الشرطة، حين قال: إنه لا مصالحة مع العلمانية، ولا مصالحة مع أحذية الاحتلال، وأن الصلح أولاً مع الله، ثم مع الجهاد، ثم مع المقاومة، ثم مع الشعب". ولم يسم د. موسى أبو مرزوق أياً منهما، مكتفياً بالقول: "يجب أن يعلم الجميع أن فلسطين لأهلها، وكل أهلها يجب أن يكونوا تحت سقف واحد وفي مركب واحد، فمصائبنا واحدة، ولا يفرق بين أبنائه رصاص أعدائه". ولفت في تصريح صحفي لصحيفة "الحياة" اللندنية إلى "تلاوين الشعب الفلسطيني المختلفة من مسلمين ومسيحيين، فقراء وأغنياء، إسلاميين وعلمانيين"، مشدداً على أن "كلهم وطني... ويجب أن تكون أولويتنا جميعاً تحرير الأرض وعودة الشعب". ودعا الى "تجنيب الخطاب الإعلامي للحركة ما يفرقها ... فيغرق المركب ويهبط السقف على رؤوسنا جميعاً". إن د. موسى أبو مرزوق مع أخيه المهندس خالد مشعل هما "صمام أمان" لحركة حماس، وسوف تشهد المرحلة القادمة بقيادتهما حراكاً محلياً وإقليمياً ودولياً يأخذ بسفينتنا إلى شاطئ الراحة والأمن والأمان. *مواقف لا تنسى فورت كولينز: مختار العائلةفي عام 1983، اجتمعنا مع عائلاتنا في مدينة فورت كولينز بولاية كولورادو الأمريكية، والتي تبعد عن (دينفر) أكبر مدن الولاية بحوالي 70 ميلاً. لم يكن أحدٌ منّا يمتلك سيارة خاصة لشراء مستلزمات البيت من السوق التجاري (Supermarket) الذي يقع خارج حدود الحي الجامعي. بالطبع، هناك شبكة من المواصلات العامة التي تربط الحي الجامعي بكافة المرافق الحيوية في المدينة، ولكن هذا يتطلب الانتظار ويحتاج – أحياناً - للكثير من الوقت. إن السيارة كانت عصب الحياة بالنسبة لنا، فاحتياجاتنا للتسوق (Shopping) من بعض الأسواق الشعبية على أطراف المدينة كانت ضرورية لنا من باب الاقتصاد والتوفير؛ لأن المنحة الدراسية كانت تكفينا بالكاد لدفع أجرة السكن والمصاريف المعيشية الأخرى، إضافة لحاجتنا للصلاة في المركز الإسلامي والذي كان يبعد عن الحي الجامعي بمسافة حوالي ثلاث كيلومترات. كان الأخ موسى أبو مرزوق (أبو عمر) هو الوحيد بيننا الذي يمتلك سيارة خاصة، حيث أسعفته حالته الميسورة في ذلك. في الحقيقة، كانت هذه السيارة هي بمثابة "سيارة العائلة"، التي نتحرك بها في كل طلعاتنا للتسوق أو التنزه أو الصلاة، وحتى عندما يسافر أحدنا إلى ولاية أخرى ويحتاج توصيلة إلى مطار دينفر الدولي. كان الأخ موسى بالنسبة لنا أشبه بمختار العائلة الإخوانية، والتي تجمع أكثر من ثمان عائلات من الإخوة الفلسطينيين الذين كنا نعيش متجاورين في مربع واحد من الحي الجامعي، وكنا نحاول تكييف حياتنا مع المنحة الدراسية التي تفرض علينا نوعاً من التقشف وحُسن التدبير. ومن أجل أن نضبط إيقاع حياتنا المعيشية مع منحتنا الشهرية المحدودة، اضطررنا أن نذهب أسبوعياً للتسوق معاً من المحال التجارية التي تبيع بالجملة، حيث كنا نشتري كل ما نحتاج إليه من الخضروات والفواكه، ثم نقوم بتقسيمه بيننا. في هذه الجولات التسويقية كنا نوفر الكثير قياساً مع أسعار المحلات العامة والدكاكين الصغيرة.. بالطبع، لم تكن هذه الأمور التسويقية لتتم لولا توفر سيارة "مختار العائلة" الأخ موسى أبو مرزوق. أتذكر أننا في إحدى المرات عقدنا العزم للذهاب إلى مزرعة للماشية تبعد عنا أكثر من 25 ميلاً، بهدف شراء عجل وذبحه على الطريقة الإسلامية، حيث كانت الشكوك كثيرة حول اللحوم المتوفرة في المحال التجارية، والمذبوحة بطريقة "الصعقة الكهربائية" أو التخدير بطلقة في الرأس، وهل هذا حلالٌ أم حرام..؟ لاشك كان حرصنا أن نأكل لحماً حلالاً دافعاً كبيراً لنا في جولتنا تلك، إض