خبر : تقرير المنظمة الدولية ... القضاء في غزة رهن الاعتقال ..! ..بقلم : أكرم عطا الله

الأحد 07 أكتوبر 2012 10:06 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تقرير المنظمة الدولية ... القضاء في غزة رهن الاعتقال ..! ..بقلم : أكرم عطا الله



بعد ثلاثة أشهر من العدوان الكبير على قطاع غزة كتبت سارة ويستن مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومان رايتس ووتش رسالة لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون تطالبها فيها بالعمل على رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة "باعتبار الولايات المتحدة الحليف السياسي والعسكري والمالي لإسرائيل عليها الالتزام بالانتقاد القوي للسياسات التي تشكل عقابا جماعيا غير مشروع " كما جاء في نص الرسالة. بعد أكثر من ثلاث سنوات على هذه الرسالة وذلك الموقف القوي ضد السياسات الإسرائيلية التي سجلتها المنظمة الحقوقية الدولية عادت مرة أخرى إلى قطاع غزة ولكن هذه المرة بشكل مختلف لتسجل التقرير الأقسى ضد حركة حماس وحكمها في القطاع، وقيمة ما صدر خلال الأسبوع الماضي أنه عن منظمة اعتبرتها حركة حماس والفلسطينيون أنها حيادية ومهنية ولم تتواطأ مع إسرائيل ووقفت بالمرصاد لكل الجرائم التي ارتكبتها الأخيرة ضد الشعب الفلسطيني بما فيها جريمتا العدوان والحصار، وقد أدانت استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض وطالبت بملاحقتها جنائيا، واعتاد الفلسطينيون استخدام تقارير المنظمة لإقناع العالم بجرائم إسرائيل . فقد اتهمت المنظمة في مؤتمرها الصحافي الذي عقدته في فندق المتحف في غزة الحركة بممارسة انتهاكات "واسعة النطاق" لحقوق الإنسان من بينها الاعتقال التعسفي والمحاكمات الجائرة ووجهت اتهامات بفشل منظومة العدالة في قطاع غزة بعد خمس سنوات من حكم "حماس" قائلة على لسان نائب مدير المنظمة في الشرق الأوسط " يفوح من النظام القضائي رائحة الظلم " واتهمت المنظمة حركة حماس بمنح الحصانة للأجهزة الأمنية ولعناصرها التي تمارس انتهاكات بحقوق الإنسان". تقرير المنظمة ركز كثيرا على عدم استقلال القضاء وهي كلمة السر التي بدت في الآونة الأخيرة تشكل المعيار الأبرز لجودة النظام السياسي وهو الجهاز الذي بشكل الضمير الحي المراقب لتجاوزات الأنظمة، وحين يتحول هذا الضمير إلى أداة في يد الأنظمة فإن المنظمات الدولية تخشى كثيرا من تبعات ذلك وتعتبره سببا رئيسيا لارتكاب التجاوزات، فحين تغيب العدالة والرقابة يصبح كل شيء مباحا. حركة حماس والحكومة بقطاع غزة ردت على اتهامات المنظمة الدولية بأن تقريرها سياسي بامتياز وغير متوازن باعتباره لم يأت على ذكر انتهاكات في الضفة الغربية وكأن الحركة لا يهمها ما ذكر في التقرير المهم أنها والضفة في الانتهاكات سواء، وكأن ليس المهم إدانة تجاوزات أجهزة "حماس" في قطاع غزة، لكن المهم لديها هو غياب إدانة الضفة الغربية، وهذا وحده مدعاة للتساؤل حول استفادة الحركة من هذا التقرير والوقوف أمام ما ذكره بهدف التصحيح أو تحرير القضاء من قبضة السلطة التنفيذية وهذه أزمة الأزمات. المتابعون للقضاء بقطاع غزة يصفون طبيعة علاقة حكومة قطاع غزة به بقولهم إن الحكومة تتعامل مع القضاء باعتباره جهازا تنفيذيا تابعا لها بما يخالف القانون الأساسي وقانون استقلال القضاء، فالقضاء سلطة مستقلة ويمارس في كل الدول صلاحياته العليا إلى الحد الذي يمكنه من عزل الرئيس بينما لا يستطيع الرئيس عزل القاضي الذي يعينه، ويمكن الحكم على أي نظام سياسي من خلال دور القضاء كسلطة مستقلة، ودون ذلك فإن أي نظام حكم لا يحظى سوى بدرجات متدنية في التقييم أو إلى درجة التشكيك به كنظام. القضاء حارس الدولة وحامي المواطن وقد لعب أدواراً كثيراً في السنوات الأخيرة حين انحرفت السلطة التنفيذية، القضاء المصري يحظى باحترام كبير لأنه رفض أن يكون أداة بيد الرئيس السابق مبارك، والقضاء الباكستاني أيضا هو من أسقط برويز مشرف في مسيرة القضاة، وعندما يفقد القضاء هيبته واستقلاليته يصبح هناك خوف كبير من تغول السلطة التنفيذية وأجهزة الأمن لأن العدالة تكون قد وضعت نفسها في خدمة الحاكم على حساب المحكوم وهو المواطن والذي وجد القانون أصلاً لحمايته. الحكومة ليست بحاجة لحماية ولديها من أجهزة القوة ما تحمي به نفسها لكن المواطن هو الطرف الضعيف في معادلة الحكم، وحين يتحول القضاء إلى أداة بيد الحكومة هذا يعني على المواطن السلام، وهذا ربما ما حاول تقرير المنظمة الدولية من الإشارة له والتحذير منه وهو ما كان يجب أن تتوقف أمامه الحكومة بغزة والتي سيطرت على القضاء عام 2008 بشكل غير قانوني وشكلت مجلس عدل أعلى كنقيض لمجلس القضاء الأعلى صاحب الولاية القانونية في الضفة والقطاع، وقد عمل الجهاز المعين برغم قلة خبرته والنقص في العدد، لكن الحكومة بغزة وأجهزتها لم تتوقف عن التدخل بعمله وصولا لعزل رئيس محكمة العدل العليا وكذلك النائب العام بما يخالف القانون الذي ينص على عدم قابلية القضاء للعزل، فلا يجوز قانونا عزل القاضي ولكن هذا وهو مؤشر خطير على طبيعة تعاملها مع القانون . ليس المشكلة دائماً بالحكومات، فهي تسعى إلى احتواء سلطة القضاء حتى في أكثر الدول الديمقراطية، وكلنا راقب علاقة العداء بين الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون والقاضي كينيث ستار الذي لاحقه في قضية مونيكا ليفنسكي، لكن من ينتصر للقضاء هم أهل القانون القضاة والمحامون وكل العاملين في هذا المجال، فلا يجب أن يضع حارس القانون نفسه تحت تصرف أية سلطة، وعليه فقط العمل على تكريس احترام الجميع لمهنته المقدسة وهي حراسة القانون وتحقيق العدل ، ففي دول العالم الرئيس هو من يخشى القضاة وليس العكس. صحيح أن التجربة الفلسطينية في الحكم تجربة فقيرة والقضاء الفلسطيني لم يبلور خبرة بالتراكم، وصحيح أن تداخل الوطني بالديمقراطي وقضايا التجسس مثلا التي توقع القاضي في حيرة الانحياز للوطني أم القانوني وهو سؤال يوقع الجميع بنفس الحيرة لكن سلطة القانون لا تتوقف عند هذا السؤال، حراس القانون مدعوون لبناء هيبة واحترام لمهنتهم، وحكومة غزة عليها أن تبدأ بفك هيمنتها على جهاز القضاء احتراما لهذه السلطة وللمواطن أولا بالرغم من حالة الانقسام وإدراك أن كل ما هو موجود غير قانوني، لكن بالتراكم الجميع مدعو للمساهمة بتركيب أرجل خشبية لسلطة القضاء الكسيحة، فمن يعرف من هو في الحكم اليوم قد يكون خارجه غدا ويكون القضاء المستقل هو سنده الوحيد .. هذه إشارة أراد تقرير المنظمة الدولية إضاءتها في وجه حكومة حماس، فهل تستفيد أم ستواصل اتهاماتها بلا مبالاة ...! Atallah.akram@hotmail.com