عقدت المعارضة السورية الداخلية يوم الأحد الثالث والعشرين من أيلول (سبتمبر) الجاري مؤتمرها العام في مدينة دمشق بحضور هيئة التنسيق الوطني السورية ومعها عشرين حزباً وحركة سياسية من بينهم شيوعيون وناصريون وقوميون عرب رغم الشكوك التي أبداها البعض في إمكانية نجاح عقده لأسباب مختلفة منها الذاتي المتعلق بعلاقات قوى المعارضة الداخلية ببعضها ووجود مؤشرات على انسحابات وانشقاقات في صفوفها ومنها ما هو موضوعي ويرتبط بالحالة الأمنية وما قيل عن إمكانية تدخل أجهزة الأمن لعرقلة عقد المؤتمر الأمر الذي لم يحدث. والمحصلة أن المؤتمر قد عقد ونجح في إصدار بيان يمثل وجهة نظر القوى المشاركة، بل يمكن القول أنه يمثل أغلبية الناس الذين لم يجاهروا برأيهم فيما يجري من صراع على الأرض ونرجح أن يكون هؤلاء أغلبية الشعب السوري. ربما يحتج أحد الذين يتابعون مجريات الحدث السوري على وصفنا للمؤتمرين بالمعارضة الداخلية من زاوية أن هؤلاء لا يمثلون كل المعارضة وأن هناك تنسيقيات ولجان وهيئات قيادية تعمل ضد الحكومة من موقع المعارضة بالسلاح والعنف الذي يرافق نشاطها غالباً، وهذا صحيح من الناحية العملية والعددية لكن المعارضة التي تخوض معركة الاستيلاء على السلطة بدعم خارجي وبأي ثمن حتى لو كان تدمير البلاد وقتل العباد لا يمكن اعتبارها معارضة جدية تسعى حقاً للتغيير الديمقراطي وتداول السلطة سلمياً الأمر الذي تعارفت عليه المجتمعات المتحضرة في الدول الحديثة المحكومة بالدستور والقانون. المؤتمر وبرغم اللغة المتشنجة لبعض أعضائه في مداخلاتهم حول الحل المناسب للمعضلة السورية خرج ببيان مرن ويجمع بين دفتيه كافة الخيوط الضرورية لنسج مستقبل آمن وخالي من العنف لسورية مع حلول واقعية لتناقضات المجتمع والدولة التي تتمظهر اليوم في صراع همجي عنيف وفي انفلات لا سابق له بات يشكل خطراً ماحقاً على كيان الدولة وتماسك أركانها وينذر بانهيار كل ما بناه السوريون على مدار سنوات الاستقلال. إن دعوة طرفي القتال لوقف النار وتحميل المسؤولية عن تصاعد العنف في الشارع للدولة وللمعالجات الخاطئة لأجهزتها المختصة وتالياً لمسلحي المعارضة يمكن تفهمه بل وتعميمه على تلك الجهات لتفكر به ملياً بما في ذلك خلفية من يصطفون مع النظام والدولة في نداءاتهم الخاصة بوقف الحل الأمني ومحاسبة المتجاوزين أياً كانت مراكزهم. المؤتمر في دعوته هذه إنما يعبر عن رغبة السوريين بأغلبيتهم الساحقة في وقف القتال وحقن دماء السوريين وغيرهم من الأشقاء الذين يدفعون اليوم ثمن التجاوزات والأخطاء التي وقعت من جانب كافة أطراف الصراع وأوصلت الوضع إلى ما نراه جميعاً دماراً ودماءً. إن تآمر الأعداء ما كان ليمر لولا وجود ممرات تسهل له هذا المرور والدخول على خط الحراك الذي بدأ سلمياً وبشعارات إصلاحية مقبولة وتبنتها القيادة السياسية للبلد، وهذه الممرات صنعها رجال يصلح في وصف بعضهم بالحمقى والمتسرعين وفي بعضهم الآخر بالعملاء والمتآمرين، وقلة أخرى منهم نستطيع وصفهم بالزعران والعابثين. الاستمرار في تأكيد الشعارات الثلاثة: لا للطائفية، لا للعنف، لا للتدخل الخارجي، يعطي المؤتمر مصداقية وطنية عالية جداً كما يظهر شجاعة هؤلاء المؤتمرين الذين يدركون حدة الواقع وقسوته وأن هناك من سيتهمهم بممالئة النظام وفك الحصار عنه. كلنا سمعنا وشاهدنا كيف يتم تصنيف العقلاء وآرائهم تجاه طرق الحل للأزمة السورية حيث التهم الجاهزة والصفات الرديئة والمشينة أحياناً لكل من يجهر بضرورة الحوار ووقف القتال والمصالحة الوطنية بين الطرفين للوصول للتغيير المأمول دون قتل مزيد من الناس وتدمير مزيد من المنشآت والبيوت والمؤسسات، بل نقول قبل أن يجري تدمير البلد والدولة. إنه التعسف في الرأي وفي السلوك الذي يطبع الفترات الحادة والدامية من تاريخ أي شعب، ومن هنا جاءت دعوات المؤتمر لوقف القتال وتحميل المسؤولية الأولى للدولة في سياقها الصحيح وتتماشى مع منطق الحرص على البلد والوقوف في وجه التطرف من أي جهة أتى. سمعنا ردة فعل القوى الأخرى وخاصة المرتبطة بأجندات خارجية ومنها تلك المعارضات التي لا تتورع عن طلب التدخل الخارجي وحلف الناتو تحديداً، لكن هذه الردود والعنتريات لا تسيء إلا لأصحابها ولن تجعل الشعب السوري يعود عن قراره بوقف العنف وبالمصالحة، كما أنها لا تقلل من قيمة البيان الذي صدر عن مؤتمر الداخل الذي هو في أسوأ حالاته أفضل من كل بيانات مؤتمرات المعارضة الخارجية وما يسمونه "مؤتمرات أصدقاء سورية". تبقى القراءة الأخيرة في البيان المتعلقة بدعوة الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية لعقد مؤتمر دولي للحل في سورية وبضمانات خارجية عربية ودولية بعد وقف القتال والإشراف على ذلك من مراقبين..إلى آخر ما قاله البيان في هذا الشأن. ربما من الأفضل لقوى المعارضة الداخلية الدعوة لعقد مؤتمر سوري وطني بين كافة مكونات الشعب السوري السياسية في الموالاة والمعارضة وبمشاركة الأصدقاء الذين يؤمنون بالحل السلمي، فهذا ربما يكون أجدى من حل ستفرضه التوازنات الخارجية التي بتنا جميعاً نلمسها ونعرفها. في كل الأحوال إن كان عقد المؤتمر الدولي بعد الوصول للقواسم المشتركة بين الحكومة السورية ومعارضيها ولبرنامج الانتقال السلمي للسلطة بطريقة تحفظ للجميع حقوقهم وكرامتهم فإن الشعب سيكون مع هذا المؤتمر باعتباره الضامن لتنفيذ ما اتفق عليه السوريون. المطلوب الآن وبلا تردد البدء في التنفيذ لتقليل حجم الخسارة قدر المستطاع وللجم المتطرفين والعملاء. Zead51@hotmail.com