خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة أكد، دون أدنى شك، أنه لا أولوية لقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي وعلى رأس ذلك القضية الفلسطينية في السياسة الإسرائيلية.. وأن عملية السلام من وجهة النظر الإسرائيلية تقتصر على مفاوضات مباشرة وأزلية على طريقة رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق شامير الذي أعلن في حينه أنه سيتفاوض مع الفلسطينيين لمائة عام أخرى. في الوقت نفسه، الرئيس محمود عباس كان أكثر وضوحاً من نتنياهو عندما أكد على أن السلام والاستيطان خطّان لا يمكن أن يلتقيا، وأن سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية لن تؤدي في النهاية إلا إلى قتل فكرة حل الدولتين وإعادة الأمور إلى مفهوم الدولة الواحدة. ولكن ما ميز خطاب أبو مازن تأكيده المطلق على الثوابت الفلسطينية والمرجعيات الواضحة لمسيرة السلام، وأولها الحدود وهي الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 أي "الخط الأخضر" هو الحدود الفاصلة بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل، وهذه الحدود تعني الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية والأغوار وحتى منطقة اللطرون التي يحاول البعض تجاهلها أو تناسيها. الحدود المقبولة فلسطينياً تمثل ما مساحته 22% من أراضي فلسطين التاريخية.. هذا التنازل المؤلم في سبيل حل مقبول وليس عادلاً للطرفين. والثوابت الأخرى التي تطرق إليها الرئيس: قضية اللاجئين الفلسطينيين، والأسرى، وقضية القدس، وقضية المياه، مع التأكيد على خطورة الاعتداءات الاستيطانية الإرهابية. إن تأكيد الرئيس على أن الوقت ينفد هو رسالة أممية، وخاصة إلى الاتحاد الأوروبي من أجل لعب دور سياسي أكثر وضوحاً، وخاصة إلى الذين يقدمون الدعمَ دون حدود إلى إسرائيل بأن هذه السياسة هي التي ستجرّ المنطقةَ إلى الهاوية. أمام رسالة السلام الإسرائيلية، وأمام الخط الأخضر الذي وضعه الرئيس أبو مازن نرى أن نتنياهو ركّز في خطابه على لغة التهديد، وأعاد إنتاج مفهوم الخط الأحمر، الذي يعني الحرب. الحرب القادمة التي ستحمل عنوان "السلاح النووي".. ولأول مرة يكون هناك إجماع في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الهجوم على إيران يتعدّى الربيع المقبل أي عدة شهور حتى انتهاء الانتخابات الأميركية والإسرائيلية المبكرة. لغة الحرب في خطاب نتنياهو وخطوطه الحمراء تؤكد أن المنطقة كلها تسير إلى المجهول. الرئيس عباس تحدث بصراحة عن خطورة جرّ المنطقة إلى الحرب الدينية من خلال انطلاق جماعات التطرف واستغلال الدين من أجل حرق المنطقة. ومما لا شك فيه أن فكرة الاستيطان اليهودية هي بالأصل تأتي ضمن المفهوم الديني (التوراة والتلمود) والجماعات الأكثر تطرفاً في إسرائيل هي جماعات دينية أيديولوجية وليست جماعات سياسية أو حزبية. إن التحولات التي تشهدها المنطقة بمجملها بما فيها التطرف الديني الإسرائيلي الذي تعدّى خطوطه العنصرية بتجلّياتها سيكون عاملاً أساساً في اندلاع مثل هذه الحرب. وما يثير العجبَ عندما تحدث نتنياهو عن الحكم في إيران على أساس أنه حكم ديني شمولي يمارس الإرهابَ حتى ضد أبناء شعبه، تناسى أن هناك مجموعات كبيرة من المستوطنين الإرهابيين الذين يلاقون دعماً غير محدود من نتنياهو وعلى أساس ديني وعنصري وإرهابي. ولكن الفاصل في خطاب الرئيس تأكيده أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بنكبة جديدة مهما كانت الظروف، وأن الغضب الفلسطيني جرّاء الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية الاستيطانية سيساهم في منع حدوث مثل هذه النكبة.. لن نرحل عن هذه الأرض التي لنا فيها التاريخ والحاضر والمستقبل. abnajjarbzu@gmail.com