لندن / وكالات / مع الجيش السوري النظامي في مواجتهه مع مقاتلي الجيش السوري الحر في حلب، يقوم الصحافي روبرت فيسك بزيارة للجبهات الامامية ويرصد معركة القط والفأر، اما الصحافي جوناثان ستيل فيذهب الى العاصمة دمشق ويرصد المزاج العام في المدينة، ذلك وسط تحذيرات الرئيس الامريكي باراك اوباما لسورية بعدم استخدام الاسلحة الكيماوية باعتبارها خطا احمر لا يمكن لواشنطن التساهل معه.وتحمل تصريحات اوباما تغيرا في اللهجة واقرارا بنهاية الحل الدبلوماسي، خاصة انه كان يتحدث في مؤتمر صحافي لم يعلن عنه في السابق، وتحذيراته حملت معها امكانية اصدار امر للقوات الامريكية بالتعامل مع الوضع السوري وتأمين السلاح الكيماوي.وترافقت تصريحاته مع تصريحات اخرى لوزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو الذي قال ان بلاده لم تعد تستوعب العدد الكبير من اللاجئين وهدد في تصريحات لصحيفة ’حريت’ انه في حالة تجاوز عدد اللاجئين عن مئة الف فستطلب تركيا من الامم المتحدة اقامة منطقة عازلة داخل سورية.في رفقة الجيشويقول فيسك ان الجيش السوري منحه اذنا خاصا لمرافقة قواته اثناء عملياتهم لـ’تنظيف’ حلب من ’الارهابيين’ المقاتلين ويقول ان قائد حملة حلب هو جنرال في عمره 53 وبخبرة 33 عاما في الجيش ويتعافى من رصاصات اصابت رجله وهو يواجه المقاتلين في دمشق. ويصف فيسك وضعه في مركز قيادة الجيش الذي اتخذ من بيت يعود للقرن التاسع عشر مقرا لعملياته، حيث لا تزال الجدران تحمل لوحات والسجاد الجميل المفروش بعناية وفوق كل هذا يتحدث الى جنرال متهم بارتكاب جرائم، ففيسك في المحصلة في ’عرين العدو’. ويشير الكاتب هنا انه يتحدث الى الجنرال الطويل الذي يظهر الصلع على رأسه ومساعدوه الذين يقدمون انطباعاتهم عن الحرب التي ينظرون فيها لمن يقاتلونهم وعلى حد تعبير الجنرال الذي رفض ذكر اسمه بـ ’الفئران’ فهم يطلقون النار على الجيش ثم يهربون ويختبئون في المصارف الصحية ـ البالوعات ـ ويصف المقاتلين بانهم ’اجانب من الشيشان والاتراك والافغان والليبيين والسودانيين’ والسوريين ايضا اضاف فيسك، لكن الجنرال اضاف بانهم حفنة من المهربين والمجرمين.اسلحة المعارضةوعندما سأل فيسك عن اسلحة المقاتلين، دخل احد المجندين وفي يده جهاز اتصال من نوع ’هوندا اتش دي 668’ تم اخذه من مقاتل تركي قبل يومين من شارع سيف الدولة. واستمع فيسك الى صوت مقاتل ينادي زميله التركي الذي قتل، حيث يقول الجنرال انه حصل على هويته والتي تشير الى انه مواطن من جمهورية تركيا على حد قوله. وعلى البطاقة تفاصيله ’رمزي ادريس ميتن، ومولود في بينغول الاول من تموز 1974 والديانة: مسلم’. ويعلق فيسك انه فجأة تعرف على المقاتلين الاجانب ’ اللغز’ في جيش المقاتلين، كما انه شاهد ايضا اسلحة مصنوع بعضها في السويد وبعضها مكتوب عليه ’صنع في امريكا’، وكذلك اسلحة بلجيكية ـ بنادق تحمل الرقم، واسلحة روسية وغيرها اضافة الى صندوق ادوية، وعلق ضابط استخبارات ان كل وحدة قتالية للجيش الحر يرافقها مستشفى ميداني. واتهم الضابط المقاتلين بسرقة المواد الطبية من الصيدليات لكن لديهم موادا اخرى تهرب من لبنان والباكستان لكن معظم المواد جاءت من تركيا. وشاهد كميات كبيرة من الذخيرة، وبطاقات هوية سورية انتهت صلاحياتها، واحدة لاحمد عكرمة واخرى لوداد عثمان التي اختطفها ’الارهابيون’. ويعترف الجنرال ان بعض الاسلحة غنمها المقاتلون من مخازن الجيش السوري، واخرى من الجنود الذين قتلوا، كما يعترف بحدوث حالات انشقاق ولكن يصفهم بالمقاتلين الذين فشلوا في الامتحان الاساسي للجندية وان ما يدفعهم هو المال.حكاية المقاتلين الاجانب صحيحةويشير الكاتب انه من الصعوبة التعرف على مستوى المعركة الدائرة في حلب، حيث رافق دورية في جولة استمرت ساعة، وشاهد عمليات اطلاق نار من القناصة، حيث قتل الجنود قناصا كان يحتمي في منارة مسجد الهدى، ويقول الجنود انهم ’حرروا’ حي صلاح الدين، وقريبا ما سيطهرون حي سيف الدولة. ويقول فيسك انه اثناء جولته مع الجيش شاهد عددا من المدنيين يخرجون من بيوتهم منهم متقاعد وصاحب محل ورجل اعمال، حيث قال احدهم انه التزم بيته عندما اتخذ المقاتلون ’الاجانب’ ساحة بيته مركزا لاطلاق النار على الجيش، واكد انه يعرف التركية التي كان يتحدث بها المقاتلين لانه يجيد التحدث بها، وهناك اخرون بلحى ويلبسون سراويل قصيرة مثل تلك التي يلبسها السعوديون ـ السلفيون ـ ويتحدثون بلكنة عربية غريبة.ويقول فيسك ان الكثير من اهل حلب تحدثوا اليه بعيدا عن سمع الجنود ويبدو ان وجود عدد لا يستهان به من المقاتلين الاجانب صحيح، مشيرا ان القتال شرد الكثيرين منهم حيث اسكنوا في مساكن الطلبة الفارغة في جامعة حلب.ضد الجيش الحرفي دمشق يرصد جوناثان ستيل اجواء النقاش الدائر في العاصمة حيث يقول الفنان يوسف عبدلكي ان الازمة الان خرجت من يد السوريين فهم ’بيدق’ في يد القوى الخارجية، ويقول ستيل ان النقاش لم يعد يدور حول دعم بقاء النظام او دعم المعارضة. فمع اقتراب الدمار للعاصمة تغير المزاج عما رصده في زيارته لها قبل ستة اشهر. وتشير نقاشاته مع سكان في المدينة انه ايا كانت النتيجة في الاشهر القادمة، الاطاحة بالنظام، اتفاق بين الاطراف او تصعيد في الحرب، فما سيحدث لن يقرره السوريون بل الخارج. وفي المدينة التي لا تزال مقاهيها تعمل لكن الوصول الى بعضها خاصة قرب جبل قاسيون لا يتم بدون المرور عبر نقاط التفتيش، فالحديث يتركز على الاولويات.ويتساءل عن ماهية الاولويات؟ هل وقف القتل ام الاطاحة بالنظام الذي اظهر صمودا اكثر مما توقعه الكثيرون. ويضيف ان النقاش حول تفاوض المعارضة مع النظام للدفع بالاصلاح يبدو ابعد من المحال خاصة ان سجل النظام واساليبه معروفة، رفض النظام التنازل وملاحقة نقاده.نقد اساليب المقاتلينولكن اهم ما لاحظه ستيل في نقاشاته هو تركيز اهالي دمشق على اساليب الجيش الحر او على الاقل تلك المجموعات التي تقاتل تحت امرته وتدخل المدينة بدون اي تنسيق مع قيادته. والسؤال هل ما يقومون بفعله صحيح، فهم عندما يهاجمون الشرطة ومراكز الجيش يعرفون ان عملية انتقامية ستتم وتدمر فيها البيوت. ومع ان الجيش يلام على وحشيته لكن لو لم يدخل الجيش الحر لما هدمت البيوت. ويقابل ستيل خالد من منطقة المزة القديمة التي دخلها الجيش ونهب واحرق محلاتها وقتل 30 شخصا منهم، مشيرا الى الخطأ الذي ارتكبه سكان المنطقة عندما استدعوا الجيش الحر. وقال ان شائعات انتشرت عن قرب دخول ’الشبيحة’ منطقتهم مما ادى الى فرار الاطفال والنساء وبقي الرجال، وظل خالد مع والده. واستدعى السكان الجيش الحر للدفاع عنهم وهم مجموعات من المقاتلين المحليين ومن الخارج، واعتنى السكان بهم لكن عندما علموا ان الجيش يتقدم نحو المزة انسحبوا. واضاف خالد ان اساليب الجيش الحر لم تكن مناسبة فليست لديهم القوة لمواجهة قوات مدججة ولم يكن من المناسب دعوتهم للمناطق السكنية لان قوات الامن ستدمرها. ونفس الامر في حي الميدان، ولكن هذه المرة بادر الجيش الحر بالهجوم فرد الجيش ولا تزال اثار القتال واضحة على المباني. ولاحظ ستيل اثار المواجهة خاصة على مسجد الماجد الذي تأثرت منارته، كما دمرت بعض البيوت المهمة وحملت الاخرى اثار الرصاص او الشعارات المعادية للنظام. وبعد اسبوعين من دخول الجيش وخروج مقاتلي الجيش الحر، لم تفتح الا بعض المحلات فيما يحاول اخرون اصلاحها، ويقول صاحب محل ان هجوم المقاتلين كان عملا اخرق ادى الى خسارة الكثير من الارواح. ويضيف ان هجومهم كان متعجلا وبدون تفكير وسرعان ما نفذت الذخيرة التي لديهم ويشعر من شاركهم في المواجهات من اهل الحي بالخديعة. وينقل عن لؤي حسين احد المعارضين والذي يرأس ’تيار بناء الدولة السورية’ ان نقد اساليب الجيش الحر يتزايد، وقال ان ’دعم الجيش الحر يعتمد ان كان المقاتلين من اهالي الاحياء ام من الخارج’. ويرفض حسين مع اخرين عسكرة الانتفاضة، ووقع واخرون على بيان اكدوا فيه على ان السلاح ليس الحل، معترفين ان من حق الجيش الحر الدفاع عن المواطنين. ومن بين الذين اتخذوا خطوات لتحذير السوريين ريما دالي التي نظمت مظاهرة امام مجلس الشعب وطالبت بوقف القتل، ونقل عن صحافية اعجابها بموقف ريما حيث قالت ان غالبية سكان دمشق انقلبوا على الجيش الحر لكن في مناطق اخرى يتجهون نحوه ويدعمونه، مشيرة انها تتوقع استمرار حرب الشوارع لعام اخر. لن نسحق المقاومة بالسلاحوقالت ان النظام مصمم على البقاء اكثر من اي وقت سابق فيما يدفع المدنيون الثمن، واضافت ان العالم الخارجي يريد ان ينظر للسوريين وهم يقتلون بعضهم البعض. ويضيف ستيل انه على الرغم من الضربة التي تلقاها النظام الشهر الماضي في تفجير مجلس الامن القومي الا انه يبدو متماسكا، واستطاع الجيش استعادة الكثير من المناطق وهناك شائعات تقول انه يوزع السلاح على المسيحيين والشيعة في البلدة القديمة. ويقول ستيل ان بعض مسؤولي الحكومة السورية يعترفون ان الجيش لن يكون قادرا على قمع الثورة في كل سورية حيث قال نائب رئيس الوزراء قدري جميل ’الحكومة قادرة على ضربهم في حلب لكنها لن تستطيع وقف وجوده في القرى خاصة في وضع فيه الحدود مفتوحة مشيرا الى ان الحل العسكري له محدوديته. كل هذا في ظل استمرار الازمة الانسانية وحالة النزوح للدول المجاورة ولدمشق. ويقول ستيل ان من يرفضون عسكرة الانتفاضة تحولوا للعمل الاغاثي واغاثة المشردين كنوع من اعمال المقاومة السياسية. وينقل عن احد المشردين الذي فر مع عائلته من حمص الى السيدة زينب ثم فر الى منطقة اخرى ان كل سورية دمرت ’لم اكن احلم ان يحدث هذا’. واشنطن لم تف بوعدهافي اتجاه اخر، قالت صحيفة ’واشنطن بوست’ ان الوعود الامريكية بتوفير اجهزة اتصالات للجيش الحر، كجزء من توفير اجهزة غير قتالية لم يتم الوفاء بها بعد. ونقلت عن ناشطين قولهم انهم ادخلوا بأنفسهم خلال الاشهر الماضية مئات من اجهزة الاتصال الفضائية ومعدات اخرى حصلوا عليها بطرقهم لان امريكا فشلت بالوفاء بعهودها. وتقول الصحيفة ان مزاعم الناشطين تتناقض مع تأكيدات الحكومة الامريكية انها انفقت الملايين لتوفير 900 هاتف ذكي، وكانت هيلاري كلينتون قد اشارت الى هذه المساعدات في اثناء زيارتها لاسطنبول قبل اسابيع حيث قالت ان واشنطن شحنت اجهزة اتصالات ومساعدات اخرى بقيمة 25 مليون دولار.ومع ذلك عبر الناشطون عن احباطهم من عدم تحقيق الامريكيين وعودهم. ونقلت عن عماد الدين راشد العميد السابق لكلية اسلامية في دمشق قوله ان جماعاتهم لم تتلق اي شيء من الجانب الامريكي. وقالت ان عددا من المهربين الذين يعملون على تهريب الاسلحة والاجهزة المطلوبة للمقاتلين في حلب ودمشق وغيرهما من المدن اكدوا انهم لم ينقلوا اي اجهزة جاءت من الامريكيين.وكانت الادارة الامريكية قد انشأت برنامجا لتوفير الاجهزة والتعليمات للمعارضة ولكن يجب على افرادها السفر الى اسطنبول لتلقي التدريبات هناك. ويقول ناشطون شاركوا في البرنامج انه سيتم توسيعه في الاشهر القادمة لكن لم يتلقوا حتى الان سوى بعض اجهزة الكمبيوتر وبرامج متقدمة. واعترفت واشنطن بان برنامج ’مكتب دعم المعارضة السورية’ الذي اقيم منذ اشهر يواجه صعوبات بيروقراطية اهمها مخاوف الاتراك من بروز المكتب كمنافس لبقية الجماعات التركية، او يتم استخدامه كغطاء لادخال الاسلحة. ونقلت عن ريتشارد بارتون، المساعد لوزيرة الخارجية للبرامج الخارجية قوله ان تقدما قد حصل وان عددا من العقبات تمت ازاحتها. وفي غياب او تأخر الدعم الامريكي يقول الناشطون انهم اقاموا شبكة لجمع وتوفير الاجهزة الالكترونية والاموال والمساعدات الطبية ونقلها من تركيا لداخل سورية وهنا شبكة اخرى لتوفير السلاح. وتعمل الشبكة الاولى من مكتب قرب مطار اسطنبول حيث تتلقى الطلبات من الداخل وتقوم بشرائها من بريطانيا وتنقل الى تركيا عبر فرنسا ثم تعبأ في حقائب وتنقل لداخل سورية.وتستخدم الاجهزة هذه في التنسيق بين الجماعات والمقاتلين على الرغم من الرقابة على الانترنت، اضافة الى توثيق الجرائم وبث مواد دعائية. ويقول ناشطون ان الاموال توفر من متبرعين من الخارج كي يتم شراء الاجهزة. وفي اتجاه اخر، يدفع الامريكيين الاتهامات بقولهم ان المعارضين ليسوا واعين للجهد الذي تقوم به الحكومة لان المساعدات ترسل عبر منظمات غير حكومية، ولهذا يقترح مسؤولون ان بعض الجماعات غير راضية لان كمية ما تحصل عليه اقل من منافستها. وتشير الخارجية الى برنامج التدريب الذي تراه ضروريا لتعليم المعارضة كيفية استخدام الاجهزة ولحماية الشارة الامريكية، وحتى الآن تلقى 18 ناشطا تدريبا على مدى يومين.