ومع ذلك كانت هناك ايضا معجزة صغيرة: اللقاء الاول بين مجنزرة المخربين والدبابة الاسرائيلية التي أوقفتها كان دراماتيكيا، فقد أطلق المخربون النار من كل سلاح تحت تصرفهم، أما الدبابة التي وقفت أمامهم – فلم تطلق النار. أغلب الظن كان لها خلل في المدفع. سائق المجنزرة، الذي كان حسب التقارير في مصر جنديا مصريا اختطفه المخربون، تشوش حين رأى الدبابة ببساطة تقف أمامه. في تلك اللحظات التي مرت من لحظة اللقاء والى ان دُمرت المجنزرة من الجو ومن قبل دبابة اخرى، كان بوسع المجنزرة ان تنحرف عن الطريق وان تتسلل الى كرم سالم. فقد كان هذا هو هدفهم: الدخول الى بلدة أو معسكر للجيش الاسرائيلي لتنفيذ مذبحة جماعية فيه. مذبحة في منتصف الصلاة بينت تقويمات الوضع التي أُجريت في اسرائيل بعد محاولة العملية بأن الهدف كان خلق كتلة كبيرة من القتلى سواء في الطرف الاسرائيلي أم في الطرف المصري، لزرع الحرج في العلاقات بين الدولتين، المس بمكانة الرئيس المصري والمساهمة في احداث فوضى اقليمية. هذا بالضبط هو نمط التفكير لرجال القاعدة والجهاد العالمي. كما ان هذا هو السبب الذي جعلهم لا يرحمون تلك الحظيرة المصرية التي جلست لتأكل وجبة الافطار في رمضان. فقد راقبوهم، وعندما لاحظوا أنهم دخلوا غرفة الطعام وفي ظل الصلوات للافطار فتحوا نحوهم النار من قاذفات آر.بي.جي، ألقوا قنابل يدوية ودخلوا المبنى لتأكيد القتل. وفي ظل ذلك اختطفوا أحد الجنود المصريين كي يشغل لهم المجنزرة. وكانوا خططوا ذات المشهد – مضاف اليه أحزمة ناسفة – لتنفيذه في اسرائيل. غير ان هنا استخدمت المخابرات وقيادة المنطقة الجنوبية التفكير السليم ولهذا فقد حظيت بالثناء من رئيس الوزراء ومن وزير الدفاع. ومع ان المعلومات الاستخبارية لم تكن موضوعية بل عمومية، ولكن من اكتوى بالماء المغلي – على طريق 12 قبل أكثر من سنة – حذر من الماء الفاتر، مع كل معلومة عن تنظيم لتنفيذ عملية من سيناء. ولهذا فقد استعدوا كما ينبغي وفي المكان الصحيح. المصريون مصابون بالأسى والصدمة. وعلى مدى طول يوم أمس أجرى القادة المصريون المداولات حول خطواتهم التالية في سيناء. كل المنشورات عن التعزيزات والطائرات المصرية التي نُقلت الى سيناء – ليس لها أساس من الصحة. فالمصريون لم يطلبوا من اسرائيل أذونا بادخال طائرات، لم يُدخلوا طائرات، وبالفعل في الطرف الاسرائيلي لم يلاحظوا أي نشاط جوي مصري شاذ. هذه التقارير كانت محاولات من وسائل الاعلام المصرية لرفع المعنويات المصرية. من العدو ومن يدفع له الاهانة عظيمة. ففي الساعات التي ارتُكبت فيها الجريمة بحق الجنود المصريين في سيناء، كانت قيادة وزارة المخابرات المصرية تجلس مع قادة القبائل البدوية في سيناء في وجبة افطار كجزء من التقارب والتفاهم بين البدو في سيناء والسلطات المصرية. في واقع الامر، لا يوجد للمصريين أي سبب يدعوهم الى ادخال طائرات أو فرق الى سيناء. مستوى المعلومات الاستخبارية التي لدى السلطات المصرية عن عصابات الجريمة، والتي في السنة والنصف الاخيرتين هاجمت أكثر من عشرين مرة قوات الجيش المصري في سيناء، هي صفرية. بحيث ان الطائرات والدبابات ستطارد الريح. المصريون يعرفون بالضبط بأنه من اجل ان يستعيدوا السيطرة في سيناء فانهم يحتاجون قبل كل شيء الى معرفة ما يجري هناك. غير انه اليوم، لا اسرائيل ولا مصر، تعرف ما يكفي: من العدو، أين يوجد، من يستخدمه، من يدفع له. وقالت محافل امنية رفيعة المستوى في اسرائيل أمس انه: "اذا كان أحد ما يتوقع ان في أعقاب هذه الصدمة سيقرر الجيش المصري تنفيذ "سور واقي" في سيناء – فانه يعيش في الوهم. سيكون نشاط، ولكن لن يحصل أي شيء يشبه العلاج الجذري". واذا كان المصريون الذين يشعرون بالحزن والاهانة اللاذعة على مقتل 17 جنديا في أوج صلاة للافطار، وهذه خطيئة تضاف الى الجريمة، فان حماس في القطاع توجد في فزع تام. وابتداء من ليلة أول أمس يصدر الجيش المصري البيانات عن أن الارهابيين من سيناء حظوا بالتعاون من القطاع من خلال الانفاق التي تسيطر عليها حماس أيضا. ومنذ ليلة أول أمس سارعت حماس الى اخلاء رجالها من المعسكرات خشية أن تستغل اسرائيل الفرصة لمعالجتها. وبالتوازي أغلقت حماس الانفاق ايضا. وبالمناسبة، أصحاب الانفاق من الجانب المصري من رفح هم ايضا اغلقوا الفتحات إذ فهموا بانهم هم ايضا سيدفعون الثمن غاليا. في رمضان: غزة في اغلاق وهكذا نتج ان غزة – في ذروة رمضان – أغلقت نفسها، عن عمد، في اغلاق للوقود، الغذاء والمعابر. معبر رفح اغلق. لا زيارات عائلات. وكل هذا يحصل بعد خمسة ايام من العناق الحار الذي تلقاه اسماعيل هنية وخالد مشعل من الرئيس المصري مرسي الذي وعد بفتح المعابر بين القطاع ومصر بشكل حر تقريبا. وأمس أعلن رئيس وزراء حماس، اسماعيل هنية، بانه توجه للمصريين وطلب تشكيل لجنة مشتركة لحماس ومصر لفحص ظروف الحدث، وهو يعرف بالضبط ماذا لديه ليخسره. اما الجيش المصري فيستخدم هذا الحدث ايضا كي يحرج الرئيس مرسي: هذا الذي عانق حماس، أغدق لها الوعود، وبالغ في اطلاق معتقلين كبار من الجهاد كانوا في السجن المصري. الدرس الاسرائيلي من هذه العملية يبقى: لن تقع معجزات كثيرة اخرى على مدى الزمن. اذا لم نعرف ماذا يجري في سيناء – فسندفع ثمنا باهظا. الى جانب اكمال الجدار يجب الاستثمار، وبسرعة، في خلق صورة استخبارية معقولة عما يجري في سيناء.