ينبغي على الولايات المتحدة أن تنتهز الصفعة الأخيرة التي وُجهت إلى دائرة الأسد الداخلية، التي من شأنها أن تُعجل من نهايته وتمنع في الوقت ذاته وقوع أسوأ تبعات الأحداث.يُشكل الاغتيال الواضح لكبار المسؤولين في الجيش السوري الذي وقع في الثامن عشر من تموز/يوليو، مرحلة جديدة ربما تكون حاسمة في الحرب الأهلية الدائرة بين نظام بشار الأسد والمعارضة الواسعة وغير المترابطة، ولكن القوية بشكل واضح. وبالنسبة للولايات المتحدة، من شأن هذا التغير في الأحداث أن يحول النقاش السياسي الدائر في الأمم المتحدة حول تجديد مهمة عنان لحفظ السلام غير الفعالة إلى مناقشة أساليب الاستفادة من هذه الفوضى، وعلى وجه التحديد الضغط على الأسد لمغادرة السلطة، مع تفادي حدوث نتائج كقيام فوضى أو وقوع حمام دم عرقي أو استيلاء الجهاديين.وحيث أن ما لا يقل عن ثلاثة من ثمانية زعماء عسكريين تم استهدافهم قد قتلوا على ما يبدو، من شبه المؤكد أن قصف دمشق يُعد صفعة قوية تحد من قدرة النظام السوري على شن حربه ضد الشعب السوري. وسيظهر هذا التأثير عملياتياً ونفسياً مع وجود احتمال لظهور مشاكل متتالية عند القيام بعمليات عسكرية في جميع أنحاء البلاد. وسيتعين على الزعامة الناجية إعادة بناء هيكل قيادي في بيئة تتزايد فيها أعداد ضباط الجيش والمدنيين المؤيدين [للنظام] الذين يُحتمل أن ينظروا إلى عمليات الإغتيال بمثابة الكتابة على الجدار بالنسبة للنظام ويبدؤوا في البحث عن بدائلٍ لنجاتهم. واعتماداً على ما إذا كان النظام قادراً على تجهيز نفسه بسرعة، فإن ذلك الحدث قد يمنح أيضاً قوات المعارضة فرصة للمضي قدماً في إنشاء مناطق آمنة في أماكن مختلفة من البلاد، أو حتى إلى اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الأسد.أفكار للسياسة الأمريكيةمن الواضح أن مقتل كبار مسؤولي الأمن السوري سوف يغير أهداف السياسة الأمريكية. فقد أصبحت نهاية الأسد الوشيكة ـ وإن كانت غير مضمونة ـ هي أكثر احتمالاً من أي وقت مضى، وإذا تحققت فسيرجع الفضل في ذلك إلى شجاعة وبراعة قوات المعارضة السورية. ويرى البعض في واشنطن أن ذلك يؤكد المنهج المتكامل الذي اتبعته إدارة أوباما والذي يشتمل على التدخل المباشر في الجهود التي تُبذل ضد نظام الأسد واعتمادها على العقوبات الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية. ورغم ذلك، فإن نهاية الأسد ستأتي في الواقع بسبب العمل المسلح من قبل السوريين، وليس نتيجة التدابير الخارجية التي جاءت متأخرة شهوراً وعلى حساب آلاف الأرواح البريئة واحتمالات أكبر للتطرف في أعقابها.إلا أن الأسد لم يرحل بعد، ولتسهيل سقوطه يتعين على السياسة الأمريكية أن تسرع الخطى بعيداً عن الجدل الدبلوماسي حول مهمة عنان، والجهود السرية لدعم تسليح عناصر من المعارضة، والجهد المنخفض الكثافة لتنظيم المعارضة السياسية السورية (عن طريق الجمع غير العملي بين من ما يقرب من مائة دولة في نطاق مجموعة "أصدقاء الشعب السوري"). وبدلاً من ذلك، ينبغي على واشنطن أن أن تبني [خطواتها] على الهجوم الذي وقع في دمشق من أجل التعجيل بانهيار النظام السوري، مع التركيز على الفترة الخطرة المتميزة بصمود الأسد الأخير وظهور أي مستجدات لاحقة.وعلى وجه التحديد، يتعين على الإدارة الأمريكية القيام بما يلي:ـ حث الأسد ـ سراً وعلانية على حد سواء ـ بالتنسيق مع الحلفاء الرئيسيين على مغادرته إلى المنفى مع أسرته المتبقية في الوقت الذي لا يزال لديه فرصة لتجنب مصير معمر القذافي وصدام حسين.ـ حث إيران وروسيا سراً على إزالة أي وجود عسكري باقِ لها في سوريا.ـ جمع قادة المعارضة السورية (مدنية وعسكرية)، و"أصدقاء سوريا" الرئيسيين (على سبيل المثال، تركيا، المملكة العربية السعودية، والقوى الأوروبية الكبرى) لمناقشة مخطط المرحلة الأخيرة، بما في ذلك تشكيل حكومة في انتظار لكي تخلف الحكومة الحالية. ينبغي عدم دعوة روسيا أو إيران. إن الوضع هو أشبه بمسرح سياسي بقدر ما هو نهج لصنع القرارات العملية بالنظر إلى أن الهدف الحالي هو تعميق الفجوة بصورة أكبر بين الأسد ودائرة دعمه الآخذة في الانكماش، وخاصة بين العلويين خارج عشيرته وما تبقى من السنة المتعاونين معه.ـ العمل مع المعارضة السورية وجامعة الدول العربية وتركيا على إصدار بيان يَعرض التزامات محددة لحماية الأقليات السورية في حالة رحيل الأسد، مع الإشارة إلى العلويين والمسيحيين والأكراد والدروز.ـ العمل على إرسال مسؤولين عسكريين/ أمنيين للتشاور مع الدول المجاورة لسوريا ـ تركيا والعراق ولبنان والأردن وإسرائيل ـ في استعراض رفيع المستوى من التنسيق لتحذير الأسد من الإقبال على مغامرة خارجية يائسة تشكل فرصته الأخيرة.ـ بدء إعدادات مكثفة لنشر قوات دولية لتحقيق استقرار دولي وإنساني تهدف إلى الحد من المخاطر المرتبطة في مرحلة ما بعد الأسد. وينبغي أن تشمل مهمتها تأمين مخزونات سوريا من الأسلحة الكيميائية وربما إزالتها ودعم جهود الحكومة الجديدة لمنع حدوث انتقام عنيف ضد العلويين وغيرهم من الذين ينظر إليهم على أنهم مؤيدين للأسد، وتقديم المساعدات الإنسانية. ويجب أن يشمل العنصر الأخير توفير الرعاية الطبية (في المستشفيات البحرية والبرية) وغيرها من المساعدات إلى السوريين الذين عانوا خلال حملة القمع الوحشية من قبل النظام، فضلاً عن تقديم المساعدة لإعادة توطين اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان والأردن. وعلى الرغم من أن هذه المساعدات يمكن أن تتم في النهاية بتفويض من الأمم المتحدة، من المهم أن تأخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة في تحديد المهمة مع حلفائها الرئيسيين في أقرب وقت ممكن.وبصورة أكثر تعبيراً، لدى واشنطن الآن الفرصة لتطبيق الدروس الصعبة ـ والمؤلمة في كثير من الأحيان - المستفادة من التحولات السياسية في أماكن أخرى من الشرق الأوسط خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية. وفي حين أن مسار تاريخ سوريا قد يميل نحو العدالة ـ إذا ما جاز لنا إعادة صياغة تعليقات الرئيس أوباما عقب إطاحة الثوار المصريين بحسني مبارك وإرغامه على الرحيل في عام 2011 ـ إلا أن التحولات في منطقة الشرق الأوسط لم تُسفر عن قيام حكومات شعبية فحسب، بل أيضاً إلى حدوث تراجع في حقوق الأقليات (في مصر)، وانتشار الأسلحة (في ليبيا)، وتمكين الحركات السياسية التي كانت تنتقد لفترة طويلة سياسة الولايات المتحدة في المنطقة ـ ناهيك عن ظهور حكم مروع على نمط حركة طالبان في مالي.على الرغم من عدم منح المعارضة الدعم المادي الذي طلبته، تجنبت الولايات المتحدة الإضرار بمكانتها بين السوريين مثلما فعلت روسيا. وإذا كان نظام الأسد على وشك الانهيار فعلياً، فأمام إدارة أوباما فرصة للمساعدة في تشكيل التحول بطريقة تقلل احتمالات وقوع نتائج سلبية وتعزز على طول الطريق موقف الولايات المتحدة في سوريا ما بعد الأسد. معهد واشنطن ـ