أملك سجلا طويلا من أحاديث مع الحريديين ومفاوضتهم. صحيح ان أكثر صلتي بالحريديين كانت قبل نحو من 15 سنة ونشهد منذ ذلك الحين تحولا تقنيا في العالم. وصحيح ايضا انه حدثت تغييرات في مستوى الحياة في اسرائيل في أكثر الاوساط. لكن في حين يلاحظ التغيير في الجمهور العام في كل وسط ويتغير كل شيء بقي الجمهور الحريدي كما كان في الماضي، وكذلك قادته وحاخاموه ايضا. ان التجوال في شوارع حي مئه شعاريم في القدس على اختلاف أزقته ومداخله يُذكرني بأيام طفولتي قبل نشوء الدولة حينما كنت أسير مع جدي الحريدي. لم يتغير شيء، فقد بقيت الاعلانات نفسها والاسلوب نفسه وطريقة العيش نفسها في الأساس. لكن في حين كان الحفاظ على الجهاز المستقل جدا سهلا وبسيطا قبل سنين بدت اليوم تصدعات بذنب من "التقدم" الذي يغزو المواقع الحريدية ايضا. فالانترنت والفيس بوك اللذان يتسللان ببطء الى البيوت الحريدية يكشفانها جزئيا للعالم الآخر أو لـ "العالم الحقيقي" اذا شئتم. أتذكر انه في واحدة من المفاوضات المرهقة التي أجريتها مع قيادة حسيديين بعلاز قال لي واحد من قادة المجموعة: "اذا أردتم شراكة معنا فلا تمسوا أبدا تجنيد البنات وتجنيد الآباء الصغار". وتركت للأسف مفاوضة الحريديين قبل ان أعتزل السياسة، فقد شعرت بأنني لا استطيع ان أعقد جسرا بين معارضتي النفسية للانطواء على النفس وبين مواقفي المدنية والاجتماعية والسياسية. واعتمادا على ذلك أتفحص جيدا التغييرات في قانون طال في ضوء قضاء المحكمة العليا والنضال عن "حمل العبء". يزعم الجمهور الحريدي ان دراسة التوراة تحفظ شعب اسرائيل، وقد قُتل كثيرون "في خيمة التوراة" في الحقيقة. لكنني لا اؤيدهم في ذلك، فالحريديون يحفظون أنفسهم ومجتمعهم ورؤيتهم القبلية ويهوديتهم. أنا أعرف قادة معسكر "المغفلين". فقد كنت لفريق منهم مربيا سياسيا ومدنيا تقريبا. ونضالهم الذي يقومون به من اجل المساواة هو نضال يشارك فيه كثير من مواطني اسرائيل. لكن ارادة "المغفلين" (وبلاسنر) الاتجاه الى سن قانون متطرف مع حصص تجنيد غير واقعية لن تأتي بالتساوي في حمل العبء المُراد كثيرا بل بتغيير مهم لسفر القوانين فقط. أنا أرى ان نضالا طويلا جدا كهذا يجب ان ينتهي الى طريقة أكثر اعتدالا من جهة الحصص والعقوبات ايضا. ولماذا؟ لأن المعركة على التساوي في العبء لا تُختصر في هذه الجبهة خاصة. ينبغي احترام قضاء المحكمة العليا والتقدم الى الأمام في موضوع التجنيد والخدمة المدنية، لكن مذهب بيت شماي سيخطيء هدفه، فلن يثمر شيئا سوى فرك الأيدي بعضها ببعض مع رضى يوحنان بلاسنر وبوعز نول. ان موضوع التربية وتدريس المواضيع الجوهرية هما الشأن الأهم ويجب النضال عنهما. ان الحاخامين ذوي الشأن من القدس وبني براك يعارضون تدريس المواضيع الجوهرية. وهم يدركون ان هذه المواضيع ستُمكّن دارسي التوراة من خيار العمل والدخول الممكن الى دائرة العمل في اسرائيل، ولهذا يعارضون ذلك بشدة. قرأت في الاسبوع الماضي عن جندية في سلاح الجو كانت حريدية في الماضي لم يوجد لها برغم كل ارادتها الطيبة مسار ملائم في السلاح بسبب جهلها للموضوعات الجوهرية ومنها الرياضيات. يجب على الدولة ان تفرض دراسة الموضوعات الجوهرية بكل طريقة قانونية وإن اشتمل ذلك على منع المخصصات للمعاهد الدينية التي ترفض فعل ذلك أو بمعاقبة رؤساء المعاهد الدينية. هذا الى أن دراسة الموضوعات الجوهرية ليس بمثابة "نُقتَل ولا يمر". فلن يقول أي زعيم حريدي ان هذا "مس بقداسة الحياة الحريدية". وليس التساوي في العبء أمنيا فقط بل هو مدني واقتصادي بقدر أكبر. ان الدولة محتاجة الى زيادة كبيرة على القوة العاملة من الحريديين، ويصح هذا على العائلات الحريدية التي قد تخرج من دائرة الفقر، بل قد يصح على الدولة التي يجب ان تزيد مقدار العمل وكعكة الدخل الوطني. ان التغيير المطلوب استراتيجي لا تكتيكي. وأخشى من ألا تحرز عقوبات مفرطة بشأن التجنيد هدف التساوي في العبء الذي هو من أهم ما يحتاجه المجتمع الاسرائيلي.