لا فرق في ظاهر الامر بين فرض الخدمة العسكرية على كل مواطن يهودي في اسرائيل وبين تنفيذ قانون الخدمة الوطنية في كل مواطن عربي. فالتساوي في الحقوق يأتي مساوقا للتساوي في الواجبات. وليس في الطريقة الديمقراطية علاقات متبادلة بين الحقوق والواجبات. فحق المواطن في مصدر عيش وفي التربية والصحة وسائر الخدمات وفي الكرامة ايضا في المجتمع الديمقراطي غير مشروط بأي شيء. وفي المقابل ايضا فان المواطن الذي يخفي الضرائب أو يرفض الحضور الى مكتب التجنيد زاعما انه غير راض عن صندوق مرضاه، يعالَج في السجن. ان الجمهور الحريدي غير ملزم بأن ينفذ واجب الخدمة في الجيش كي يعادل الحقوق التي تمنحها الدولة له. وقد قُتل عشرات الآلاف من العاطلين الحريديين على مر السنين في خيمة التوراة في حين سقط ذوو أسنانهم في ميادين القتال بفضل قوتهم السياسية فقط، فاذا بلغ هذا الترتيب غير الاخلاقي نهايته فسيحدث فقط لأن القوة السياسية للاحزاب الحريدية لن تساعدها على تأبيد العلاقات المعوجة بين الأقلية الحريدية وسائر المواطنين. اذا استقر رأي الكنيست على ان تفرض على الشباب العرب خدمة المجموع فلن تفعل ذلك لتحقيق مبدأ "اذا أعطوا فسيأخذون واذا لم يعطوا فلن يأخذوا"، الذي أقامه بنيامين نتنياهو ذات مرة في وجه الفلسطينيين من سكان المناطق المحتلة. فلو أن المعيار كان التساوي في الواجبات بازاء التساوي في الحقوق لما وجب على المواطنين العرب شيء للدولة. ففكرة الخدمة الوطنية المبتذلة الالزامية للعرب تعود الى الكنيست لأن الأقلية العربية لا تستطيع ان تهدد استقرار الائتلاف الحكومي. وقفت نسبة تصويتهم في الانتخابات السابقة على أكثر من 53 في المائة بقليل في مقابل أكثر من 80 في المائة في انتخابات السلطات المحلية. وكتب زميلي يوسي فيرتر تقريرا قبل بضعة اسابيع فحواه أنهم يبحثون في الليكود عن ذريعة لفصل انتخابات الكنيست عن انتخابات السلطات المحلية، وذلك لأن رئيس الوزراء ورفاقه في اليمين يخشون ان يأخذ المواطن العربي، لأنه أجهد نفسه في الحضور الى صندوق الاقتراع، أن يأخذ غلاف انتخابات الكنيست ويدس فيه ورقة واحد من احزاب الكتلة الخصم. ان زيادة نسبة التصويت في الوسط غير اليهودي، 12 – 15 في المائة، يمكن ان تزيد هذه الكتلة بأربعة نواب الى ستة، وهذه الزيادة يمكنها ان تغير نسبة القوى بين الكتلتين، بل ان ترجح الكفة بين المعسكرين. يصعب ان يتم الادعاء على الأقلية العربية بأنها فقدت ثقتها بالاحزاب الصهيونية وأدركت حدود قوة الاحزاب غير الصهيونية المقصاة عن الحكم. وقد شبعت وعودا من نشطاء سياسيين بأن يطلقوا من اجلها خططا هيكلية من عقالها، وان تُبنى غرف دراسية وان يُستعمل التمييز التصحيحي في المناقصات للوظائف في الجهاز العام. ولا يجوز لهذه الأقلية هذه المرة ان تكتفي بوعود مجردة تتلاشى من غد الانتخابات، بل عليها ان تُتم صفقة رزمة مع احزاب المركز واليسار فحواها: "اذا حصلنا على حقوق فسنعطي اصواتا واذا لم نحصل على حقوق فلن نعطي اصواتا". ولا تكونوا مغفلين كما يقول الشباب اليهود الذين يناضلون ضد تهرب الحريديين من الخدمة في الجيش. يجب على مواطني اسرائيل العرب بدل البقاء في بيوتهم أو ترك مصالحهم في أيدي مقاولي اصوات فاسدين ان يتحللوا من المؤسسة الحمائلية القديمة. وعليهم ان ينشئوا حركة احتجاج تصوغ عقدا جديدا مع الدولة – عقدا يفصل مقدار المخصصات التي ستُخصص لبلداتهم وبرنامجا زمنيا لمضاءلة الفروق بينهم وبين جيرانهم اليهود. وينبغي ان نأمل ان تنشأ بعد ذلك حكومة تفي بنصيبها من هذا العقد وان يقترح المواطنون العرب بمبادرة منهم تجنيد أنفسهم لفائدة المجموع. والى ذلك الحين يحسن ان يجندوا كل قوتهم السياسية ليفرضوا على الدولة ان تفي بواجباتها لمواطنيها جميعا. اذا اكتفى الجمهور العربي بأن يندب لمصيره المر فسيتبين له ان قانون الخدمة الوطنية ليس آخر قانون أوجده اليمين ليمتحن ولاءه للدولة التي تتنكر لحقوقه وهويته. واليأس ليس سياسة كما يقول رئيسنا جميعا شمعون بيرس.