كان اسحق شمير الأكثر تواضعا بين رؤساء حكومات اسرائيل، وكان أكثرهم صرامة ايضا. والتواضع خُلق حسن ومناسب، لكن القدرة على اتخاذ قرارات هي صفة حيوية قد لا يوجد أكثر منها حيوية عند كل متخذ قرارات، فكيف يكون بالنسبة لرئيس وزراء في دولة اسرائيل. يمكن ان نختلف مع قرارات شمير رئيس الحكومة لأنه قد يوجد من يقولون انه كانت لحظات كان يُستحسن فيها الانحناء والمرونة السياسية. لكن لم يكن أسمى عند شمير من اتخاذ قرار كان في تقديره الأفضل للشعب في صهيون ما بقي هو زعيمه وليقولوا ما شاؤوا. وقد تجرأ حينما كان رئيسا للكنيست وكان ذلك منصبا لا يحبه، على الامتناع بتصويت تاريخي على اتفاقات كامب ديفيد التي كانت قاعدة اتفاق السلام مع مصر. وقد فعل شمير ذلك برغم من رئيس الحكومة بيغن. ومن ذا كان يتوقع ان يكون شمير خاصة صاحب الصد في اوقات طُلب فيها الرد حقا حينما هوجمت اسرائيل بالصواريخ في حرب الخليج الاولى. فلم يستجب لضغوط الوزير آرنس الذي طلب الرد بصورة قوية ولم يشأ تصديع التحالف الذي عمل في مواجهة العراق وعلى رأسه الولايات المتحدة وطائراتها. فأي مخاطرة عظيمة تحمل رئيس الوزراء آنذاك. من كان يُصدق؟ أشمير؟ أيؤيد ضبط النفس؟ اجل كان الصدق ايضا من خُلق شمير رئيس الوزراء. فقد تحدث اثنان من وزراء خارجية الولايات المتحدة هما جيمس بيكر، وهو خصم شديد لسياسة شمير، وجورج شولتس على مسامعي يُثنيان على صدقه. وقال لي الاثنان انه كما كان يمكن الاختلاف مع سياسته كان يمكن ايضا الاعتماد 100 في المائة على صدقه وعلى حفظه للسر في العلاقات مع الولايات المتحدة. ومن المؤكد ان ذلك كان طبيعيا لأن شمير جاء الى السياسة من الموساد. وهو بخلاف عدد من أسلافه أو ورثته لم يكن رجل كلام ولم يكن نماما ولا مُسربا ولا متبجحا على مسامع الصحفيين. لم يكن شمير يريد ان يعجب الصحافة كي يحظى بالاطراء وبالتملق. ويبدو ان قليلين اليوم سيخالفون عن قوله الذي كان يثير السخرية في نظر كثيرين وهو قوله: البحر نفس البحر، والعرب نفس العرب. ويبدو ان من الصعب اليوم المخالفة عن التبسيطية المجسدة في قول شمير هذا. لم يحظ اسحق شمير بمكانه الذي يستحقه في تاريخ دولة اسرائيل. وها هو ذا قد مر زمن حتى حظي واحد من أسلافه بالتقدير الذي يستحقه بعد سنين من السخرية والشك وأعني ليفي اشكول، وسيأتي دور اسحق شمير ايضا. فهم سيُتذكر بصفة محارب – قبل انشاء الدولة وبصفة واحد من رؤساء جبهة العمل السري ليحي وبصفة سياسي محارب بعد انشائها. ان سياسيا صارما وجازما وصادقا وانسانا متواضعا ومستقيما وواحدا من الشعب قد لقي حتفه.