مما يثير العصبية كثيرا ان نستمع لرئيس الوزراء التركي اردوغان يعلن قائلا "نستطيع ان نرتب امورنا ايضا من غير سياح اسرائيليين". صحيح أننا سمعنا منه كلاما أقسى. وهو يفخر بأن تركيا نجحت في ان تجذب اليها هذه السنة 31 مليون سائح. وهو يرى ان يبحث الاسرائيليون عن رزم لا تشتمل على كل شيء. سألت مصطفى أكيول، وهو مثقف ذو تصور اسلامي أصيل، من التي تخسر أكثر من الحرب الباردة بين أنقرة والقدس. ويرى أكيول الذي لم يفكر مرتين قبل ان يأتي من اسطنبول للمشاركة في مؤتمر الرئيس في القدس ان اسرائيل أكثر خسارة ويجب عليها ان تجد ما ينعش العلاقات. وانتبهوا الى ما يوضحه أكيول الذي قال ان اردوغان تمهل قبل ان يهاجمكم. وهو مشغول الآن بحرب بشار الاسد فهذا هو الوقت المناسب لترتيب الامور. هناك من يُصرون على انتظار معجزة كبيرة، إما بأن يُقصوا اردوغان (ولا أمل في ذلك في المستقبل القريب لأن شعبيته تزداد فقط)، وإما ان يضطره حراك الأحداث الى الانحناء. وفي جدول العمل قائمة الشروط التي يشترطها اردوغان في الطريق الى مصالحتنا وهي: اعلان حكومة اسرائيل الاعتذار عن موت النشطاء الاتراك التسعة على متن "مرمرة"؛ ودفع تعويض مالي الى عائلاتهم؛ وهناك شرط ثالث كان يمكن التجاوز عنه بحسب ما قال كل الاتراك الذين تحدثت اليهم وهو التزام اسرائيل بأن تسقط الحصار عن غزة. فقد دس موضوع غزة فقط بعد ان أصرت اسرائيل على ان تُدخل صيغة الاعتذار التي أُحرزت بين وسيط اسرائيلي ووسيط تركي، في الثلاجة. فقد صاغ يوسي تشخنوبر ويشار يكيش، وأعطت القدس الضوء الاخضر، وآنئذ – كما يقولون في الجانب التركي – أعاق الوزير بوغي يعلون الامر. قرأوا في أنقرة ايضا تقرير لجنة التحقيق في قضية "مرمرة". ومن المؤكد ان استنتاجات المحققين منا لن تجعل اردوغان يميل الى المرونة. انه في شأنه الأكبر مشغول الآن بالاسد ولا ينوي ان يكف عن ذلك حتى يرى القصر في دمشق فارغا، بصفقة أو بالقوة، قبل ان يتسرب العنف والارهاب الى داخل تركيا. وهنا توجد صيغة الخلاص بأن نُجلس الوسيطين من جديد أو نبحث عن فريق آخر يكتب صيغة المصالحة. ويجب الكف عن اجراء حسابات ما الذي يجدر وكيف نبدو. كانت تلك قضية قبيحة خسر منها الطرفان وكل واحد منهما على يقين من أنه على حق ويجب ترك ذلك الى الأمام الآن. يقول أصحاب الحسابات اننا لن ننجح في العودة الى شهر العسل الذي كان لنا مع أنقرة، وهم على حق. ومن جهة اخرى كلفتنا هذه الازمة مئات الملايين من الدولارات. ويقولون ايضا ان اردوغان سيقبل الاعتذار ويبحث عن الذريعة التالية ليدهور العلاقات من جديد، وليس هذا مؤكدا. فالحكمة عند من سينجح في كتابة نص يُثبِّت جوهر العلاقات بعد الاعتذار. ولدينا بعد كل شيء سلسلة طويلة من المصالح المشتركة مع تركيا. وقد قويت مكانتها الاقليمية في أعقاب الثورات في العالم العربي ولم تعد تحتاج الى دفعتنا في واشنطن. صحيح ان التجارة نشيطة بل سجل ارتفاع لحجم التصدير، لكن التعاون الامني والطيران التدريبي لسلاح الجو وصفقات شراء الاسلحة انخفضت الى ما يقرب من صفر. وتشبه الحال حال خلاف كبير في الحياة الزوجية، فاذا كان الطرفان يبحثان عن طريقة للتصالح فسيجدان. وما زلنا لم نخسر كليا في تركيا ولا يمضي اردوغان ونتنياهو قريبا الى أي مكان، ولن يحرك أحد ايضا الحدود المشتركة بين تركيا وسوريا والعراق وايران، ومن الخسارة في هذا الشأن التخلي عن تحديثات استخبارية وعن احتمال تنظيم النفس معا لمواجهة السلطة الجديدة في مصر وحماس ومشكلات الاردن. فهم في القدس وأنقرة يرون الصورة نفسها فوق كل شيء. وهذا هو الوقت بعيدا عن الأعين لتعيين مبعوثين سريين لا يخرجون من الغرفة حتى يخرج الدخان الابيض.