فرّقت الشرطة أول أمس بعنف مُغضب وبحماقة لا داعي اليها الاحتجاج في جادة روتشيلد في تل ابيب. أجادة روتشيلد في تل ابيب مرة اخرى؟ أي خيبة أمل. التقيت في الاشهر الاخيرة بعض المرات مع قادة الاحتجاج الاجتماعي وتبادلنا الآراء وكنت فضوليا جدا لأعلم أي صورة ومضمون يُعد لاحتجاج 2012 الناس الشباب الخلاقون الذين أوجدوا الخيام في جادة روتشيلد العام الماضي. وحصلت على أجوبة مختلفة كعدد النساء والرجال الذين تحدثت اليهم على الأقل، لكن كل من تحدثت معهم من الرجال والنساء كانوا متحدين على شيء واحد بجزمهم ان "أمر الخيام في جادة روتشيلد قد انقضى". فقد رفضوا بلا تردد خيار العودة الى هناك ووعدوا بأن يجدوا مكانا جديدا واطارا جديدا للاحتجاج. طلبوا مقابل الكشف عما في قلوبهم ان يسمعوا تقدير ماذا يمكن ان يكون الموضوع الاقتصادي الاجتماعي المركزي في صيف 2012 كي يستطيعوا الاستعداد استعدادا عميقا. وقدّرت ان الصيف سيكون موسوما بسمة الجدالات العامة والسياسية في خطة ميزانية السنة القادمة، ولهذا يجب على احتجاج اجتماعي ينظر الى نفسه بجدية ان يصوغ المواقف منها، ورد شابات الاحتجاج وشبابه بحماسة وقالوا هذا بالضبط الموضوع الذي نتحدث فيه الآن، فنحن نحاول ان نصوغ استراتيجية الاحتجاج على الميزانية ولا يهمنا من نواجه ولا ماذا نواجه. وانتظرت لذلك نافد الصبر ان آتي هذا الصيف لاشعر بالريح القوية الخلاقة للاحتجاج المختلف، لكن عبثا الى الآن. في النقاشات الثلاثة الكبيرة التي شغلت المجتمع الاسرائيلي في الاشهر الاخيرة لم يُسمع صوت الاحتجاج الموحد لأنه لا يوجد فيه كما يبدو جانب الأخيار في جهة وجانب الأشرار في جهة اخرى. ولم يأت "الشعب" الى المتاريس لأنه بقي مقسوما وحائرا، وهذه الاختلافات هي في: العمال الاجانب وتجنيد الحريديين للجيش والضرائب المطلوبة لتمويل ميزانية 2013. من السهل ان نطلب الى الحكومة ان "تقرر سياسة" في قضية الباحثين الاجانب غير القانونيين عن العمل، ولهذا الطلب القاسم المشترك الأوسع. لكن الاختلاف يبدأ حينما نسأل أي سياسة: الطرد بلا تمييز؟ أم الاستيعاب بلا تمييز؟ أم التركيز في معسكرات خاصة؟ أم تفريقهم أيدي سبا وبخاصة في مدن وبلدات ثرية؟ ويُلصق بكل جواب سمة كلفة وثمن اقتصاديين واجتماعيين ووطنيين واخلاقيين. وقد توقعت ان أتلقى من الشابات والشباب الطيبين من أبناء العشرين والثلاثين أجوبة غير معتادة وأصيلة ومختلفة. وتلقيت الى الآن الصمت في الأساس والخيام الآن في جادة روتشيلد ايضا. لست أعلم هل عند الاحتجاج الاجتماعي ما يقوله في القضية الثانية وهي تجنيد الحريديين. نأمل ان يكون عنده قبل ان تجد الحكومة الحل منها. وفيما يتعلق بميزانية 2013 وهي الاختلاف الأشد سخونة فيها جميعا لا يستطيع الاحتجاج الاجتماعي ان يهرب من وجهه الى الصمت أو الغوغائية لأنهم اذا زادوا الميزانية في السنة القادمة بنسبة أعلى من معدل نمو الاقتصاد فستكون حاجة الى ان تُقتطع منها مبالغ كبيرة وإثقال عبء الضريبة. ولهذا سيغطي هذه الميزانية ظل سؤال ممن يؤخذ ومن يُعطى. أنا أنتظر أن أسمع ما هو خليط الضرائب والتقليصات المناسب الذي سيحاول قادة الاحتجاج تجنيد الجماهير من اجله كي يخرجوا الى شوارع المدن كما حدث في الصيف الماضي، وأنا مهتم ايضا بأن أعلم على أي ميزانية يُطلب من الجماهير ان تتظاهر – وسيكون في تقديري ما يُتظاهر ومن يُتظاهر عليه. كل واحد وعقيدته لكن لا في جادة روتشيلد في تل ابيب بل أمام دار الحكومة في القدس، وقد يكون ذلك ايضا أمام مكاتب الحكومة في تل ابيب ومدن اخرى. وينبغي الاصرار على الحق في التظاهر هناك لكن أعلى الحق في التظاهر في جادة روتشيلد؟. لا تُخزوا المشروع من فضلكم، أنتن أيتها الشابات وأنتم أيها الشباب الذين قُدتم بحكمة كبيرة احتجاج 2011 الى نصره الأكبر وهو لجنة تريختنبرغ، ولا تحاولوا ان تدخلوا النهر نفسه مرة ثانية، ونفس الجادة ونفس الجو ونفس الوحدة المعدية. فهذا غير ممكن لأن "كل شيء يجري" كما قال الفيلسوف اليوناني هيراك ليتوس. وقد عبر كارل ماركس عن الفكرة نفسها بصيغة اخرى ينبغي ترديدها وتبنيها فقد كتب ان التاريخ يكرر نفسه مرة بصفة مأساة ومرة اخرى بصفة انعطافة.