خبر : حاليا، إنسوا السلام بقلم: عاموس هرئيل هآرتس 22/6/2012

الجمعة 22 يونيو 2012 05:51 م / بتوقيت القدس +2GMT
حاليا، إنسوا السلام  بقلم: عاموس هرئيل  هآرتس 22/6/2012



 في خلاصة كتابه الجديد، "الافق المبتعد: اسرائيل، العرب والشرق الاوسط 1949 – 2012"، الذي صدر هذا الشهر عن دار دبير للنشر كتب ايتمار رابينوفتش يقول انه في السنة الاخيرة، "وصلت علاقات اسرائيل مع العالم العربي ومكانتها الاستراتيجية في الشرق الاوسط الى أسفل الدرك". الكثير مما حصل في المنطقة مؤخرا ولا سيما ما سمي بداية بالربيع العربي، لم يكن منوطا بخطوات اسرائيل، كما يعتقد. الواقع الاقليمي، المتكدر من ناحية اسرائيل، بدأ منذ قبل عقد من الزمان والدولة، في رد فعل لها، اعتمدت على مراسي من النظام القديم، وعلى رأسها السلام والتنسيق الامني مع سلطات مصر والاردن. والان ليس واضحا  كم يمكن الاعتماد على المساند القديمة، حين تجري في المنطقة تطورات مقلقة اخرى وعلى رأسها محاولة اسرائيل تطوير سلاح نووي، الهيمنة المتصاعدة لتركا، والتي تحولت من شريك استراتيجي الى خصم شديد لاسرائيل، والتأثير الآخذ في الضعف للولايات المتحدة في الشرق الاوسط.             عشرات السنين عمل البروفيسور رابينوفتش في بحوث الشرق الاوسط، تحليل المكانة المركبة لاسرائيل فيه وتوثيق المحاولات لتحقيق السلام بينها وبين جيرانها. على مدى أربع سنوات من 1992 وحتى 1996، اجتاز الخطوط، ترك الاكاديمية وأخذ على عاتقه جزءا نشطا في المساعي السياسية، كسفير لاسرائيل في الولايات المتحدة وكرئيس الوفد الاسرائيلي لمفاوضات السلام مع سوريا، بتكليف من رئيس الوزراء اسحق رابين. بعد هذه السنوات أبقى بشكل عام على نهج من التفاؤل الحذر، وان كان محدودا. أما الان وربما لاول مرة يبدو متشائما على نحو ظاهر.             الى جانب ما يراه رابينوفتش كعدم استعداد فلسطيني للوصول الى تسوية دائمة مع اسرائيل، فان التطورات في المنطقة تحمله الى الاستنتاج بانه من ناحية اسرائيل، الفترة الحالية ليست الزمن المناسب لمحاولة السعي لتسوية النزاع مع الفلسطينيين. القيادة، كما يعتقد، يتعين عليها أن تعمل على تلطيف حدة المواجهة وادارتها على نار هادئة نسبيا، الى حين الموعد الذي قد تنضج فيه من جديد الظروف المناسبة لحل النزاع.             "الانتقال الى التصدي العسكري غير المتماثل، تهديد الصواريخ والمقذوفات الصاروخية على الجبهة الداخلية الاسرائيلية، انهيار المسيرة السلمية – كل هذا يخلق وضعا اصعب مما كان هنا قبل نحو عقد"، يقول رابينوفتش في مقابلة مع "هآرتس". "في القناة الفلسطينية، أخشى أن رئيس السلطة ابو مازن ليس ناضجا للتوقيع على انهاء النزاع. هذه مهمة ايديولوجيته الشخصية، طبيعته ومكانه التاريخي. فهو لاجيء من العام 1948. من جهة اخرى، في اسرائيل تسود حكومة يمين متصلبة، عضو مركزي فيها، الوزير جدعون ساعر، يدعو في احتفال تلقي جائزة الصهيونية على اسم ارفينغ موسكوفتش الى التخلي عن رؤيا الدولتين.             لدينا طرف فلسطيني ضعيف، مع علامات استفهام حول رغبته وقدرته على الوصول الى اتفاق دائم وفي الخلفية توجد ايضا حماس، القادرة على تخريب التسوية لو كانت هذه تحققت على الاطلاق. في هذه اللحظة لا يمكن الوصول الى تسوية كاملة مع الفلسطينيين. خطوتان جريئتان، لايهود باراك وبعده ايهود اولمرت، لم تستجابا من الفلسطينيين. حاليا، في ظل  غياب شريك لتسوية نهائية، مع حكومة يمينية تسيطر هناك وفي ضوء انعدام اليقين الاقليمي – وان كان عندي انتقاد على بنيامين نتنياهو، ولكني ما كنت لاقترح عليه الدخول الى تنازلات اقليمية كبيرة في وضع من انعدام اليقين. كنت سأنتظر بهذا. انا بالتأكيد يمكنني أن أفهم الرغبة في رؤية ما يحصل حولنا أولا".             ويوضح رابينوفتش بانه يعارض "الضم الاسرائيلي الزاحف في الضفة الغربية" ويأسف على "انعدام الجهد للتوصل الى تسويات جزئية في الساحة الفلسطينية". وعلى حد قوله، على اسرائيل أن تعنى بدبلوماسية اقليمية والا تبقى سلبية. "ولكن يجب أيضا التذكر بان على الاقل حتى الانتخابات للرئاسة في تشرين الثاني، الولايات المتحدة ليست لاعبا. اذا فاز الجمهوريون في الانتخابات، سيستغرقهم وقت كي ينظموا أنفسهم. لكل هذه الاسباب، لا أرى اي خطوة كبيرة ذات صلة في المدى الزمني القريب".             الوديعة             مجال البحث الذي حققه فيه رابينوفتش اساس مكانته الاعتبارية الاكاديمية، في البلاد وفي الخارج، كان سوريا ولبنان. عن وضع الرئيس السوري بشار الاسد الحالي يقول: "مصيره حسم. بشار سيسقط. أنا اقول هذا منذ التصعيد الاول في المعارك مع المعارضة، في بداية الصيف الماضي. الاسد لا يمكنه أن يشل فعالية المقاومة بينما المعارضة الضعيفة والمنقسمة لا تنجح في اسقاطه. قد تنشأ في سوريا حرب اهلية طويلة بل وأكثر اجراما، أزمة سياسية كبيرة وتسلل العنف الى لبنان والعراق. الحكومة السورية فقدت السيطرة في اجزاء واسعة من الدولة. وحتى بعد المذبحة التي ارتكبها الاسد الاب بحق الاخوان المسلمين في حماة قبل نحو 30 سنة، كانت لا تزال له شرعية. اما الاسد الابن فقد فقدها تماما".             منذ ترك الدبلوماسية وكذا في الفترة التي كان فيها رئيسا لجامعة تل أبيب، عاد رابينوفتش للانشغال في تحليل السياقات السياسية بين اسرائيل وجيرانها. في كتابه "حافة السلام" وثق المفاوضات الفاشلة للسلام مع دمشق في عهد رابين وبيرس. كتاب آخر، "مخاض السلام" وثق بايجاز الاتصالات السياسية. اما "الافق المتبعد" فهو نسخة موسعة ومحدثة لـ "مخاض السلام" تشرح على طريقته بوضوح وطلاقة كل ما تشوش في سنوات المفاوضات الطويلة في الساحات المختلفة، الى جانب وصف النجاحات القليلة – اتفاقات السلام مع مصر والاردن.             "نقطة الانعطافة الاهم كانت الوديعة التي اعطاها رابين لوزير الخارجة الامريكي وورن كريستوفر في 3 آب 1993"، يقول رابينوفتش. وجاءت الوديعة في صيغة سؤال افتراض: رسم شروط السلام الاسرائيلية لتسوية مستقبلية وفيها، ضمنا، استعداد لانسحاب كامل من هضبة الجولان، في ظل التوقع  لرد سوري مفصل. وهو يقول ان "هناك فوتت الفرصة. كان يمكن تحويل الوديعة الى اساس لاتفاق سلام اسرائيلي – سوري وكانت المسيرة السلمية ستبنى على حجر اساس سوري بل التقدم مع الفلسطينيين. مركزية ياسر عرفات كانت ستتغير ومعها كل ما جاء في اعقابها".             ولنفترض اننا أعدنا هضبة الجولان الى السوريين، فكيف ستكون صورتنا اليوم في ضوء المذبحة التي تجري هناك؟             "لو كانت سوريا وقعت على اتفاق سلام، لما كانت توجد في المكان الذي توجد فيه اليوم. احد الاسباب التي جعلت حافظ الاسد يصل الى الخط ولا يجتازه، كان التخوف من أن يفقد النظام سبب وجوده. فكيف يمكن تبرير الاحتفاظ بآلة عسكرية استخبارية كهذه بينما العدو الاسرائيلي كف عن أن يكون عدوا؟ وكان الاسد قد صعد في تلك الفترة الى مسار السادات الذي رفضه باحتقار في 1977. أنور السادات تصالح مع اسرائيل وتقرب من الولايات المتحدة. لدى السوريين ايضا كانت هذه هي الرغبة. لو وقع اتفاق معنا، لما اصبحت سوريا ديمقراطية برلمانية، ولكن كانت ستتحقق في سوريا وفي لبنان تحولات عميقة  ايجابية.             "رابين كلفني بمحاولة استيضاح اذا كان ممكنا الوصول الى اتفاق سلام مع السوريين. وهو لم يقل ليس صراحة انه سينزل من كل الجولان، ولكن كان واضحا أنه مستعد لان يسير شوطا بعيدا جدا. في الحملة الانتخابية التي فاز فيها قال صراحة انه لم ينسحب من الجولان. بعد ذلك بدأ يتردد. رابين لم يؤمن بالتسويات الشائلة بل بالخطوط إثر الخطوة. وقد فحص بالتوازي مسارين، السوري والفلسطيني. مع السوريين لم يكن ممكنا الوصول الى حديث حقيقي، ولا حتى عبر الامريكيين. فقد اصر الاسد على تعهد اسرائيلي بانسحاب كامل من الجولان. قبل ذلك، الاسد لم يوافق على التفصيل كي يرى الاتفاق النهائي.             "في هذه الاثناء صعدت المفاوضات مع الفلسطينيين على مسار اوسلو. في تموز 1993 وقف رابين امام تردد. من جهة اتفاق اوسلو كان ناضجا للتوقيع. من جهة اخرى، مع السوريين تقدمنا بقدر ما. الاجواء تحسنت، وان لم يكن هناك اختراع. رابين كان جد متشكك بالنسبة لاوسلو. فقد شعر ان من واجبه أن يستوضح اذا كان لديه خيار سوري، وعندها فكل في موضوع الوديعة. كريستوفر جاء الى البلاد في بداية آب. وكذا دنيس روس. وأنا حضرت اللقاء في مكتب رابين. عندها القى رابين بالقنبلة. قال لكريستوفر: "هذه في جيبك. لا تضعه على الطاولة . اذا تسربت القصة سأسحب الوديعة". لا دليل عند على ذلك. ولكن انطباعي هو أن الامريكيين رغم ذلك عرضوا الوديعة على الاسد. الاسد قال فورا: "نعم، لكن..." وهكذا قلص مجال البحث، وذلك لان مبدأ الانسحاب الكامل كان بات في اساسه.             "الاسد لم يكن مستعدا لان يستثمر حتى ولا غرام من الجهد في الدبلوماسية العلنية. في المحادثات المباشرة، في لقاء غير رسمي قرب ماكنة القهوة، قال لي موفق علاف، رئيس الوفد السوري: "آمل ان تكون حكومتكم تفهم بان الاسد لا يمكنه ان يتلقى منكم اقل مما تلقاه السادات قبله". أجبته: باننا نأمل ان يكون الاسد يفهم بانه يجب أن يعطي بالمقابل مع عرضه السادات. احد الامور التي اعطاها السادات لمناحيم بيغن كان العمل الذي فعله حيال الجمهور الاسرائيل، استعداده للمجيء الى الخطابة في الكنيست. الاسد آمن فقط بالمفاوضات من نقطة قوة، وممارسة الضغط حتى اللحظة الاخيرة. لم يرغب في أن يفهم بان تسليح حزب الله واستخدامه ضدنا في جنوب لبنان يدفع الجمهور الاسرائيلي الى مواصلة اعتباره عدوا. ولهذا فان حملة "الشعب مع الجولان" ركزت على الصورة السلبية للاسد الاب ونجحت. "وعندها، في صيف 1993، خرج الامريكيون في اجازة لم تكن هناك متابعة حقيقية لوديعة رابين. عندما عادوا، كانت المفاوضات على اوسلو أصبحت علنية والاتفاق مع الفلسطينيين انطلق على الدرب.  اذا وصلت الى اللحظة التي كان فيها رابين مستعد للانسحاب من لبنان يطلب ان تبقى في المنطقة وتحاول استنفاد ذلك. كان هذا خطأ من جانب رجال بل كلينتون العودة الى الديار. كل الاطراف ارتكبت الاخطاء على مدى كل الطريق".             حسب رابينوفتش، كان حافظ الاسد متشككا بالاتفاق حتى أكثر من رابين. "في 1995، بعد لقاء رئيسي الاركان الثاني بين شاحك والشهابي قال لي رابين انه مع الاسد لن يسير الامر هكذا. فقط عندما يكون ممكنا ممارسة الضغط الجغرافي السياسي عليه، من العراق أو عبر لبنان، سيكون ممكنا التحرك، ولكن هذا لن يكون في هذه الولاية. هنري كيسنجر قضى شهرا في المنطقة في 1974 كي يبلور اتفاقات الفصل. لو تصرف كريستوفر مثله، فلعله كان التاريخ قد تغير. ويحتمل بالطبع أن لا.