ينشر اليوم تقرير مراقب الدولة عن الحريق في الكرمل. واذا أردنا ان نحكم بحسب ضخامته فانه يتناول حادثة الحريق على أنها حالة امتحان لأداء الجهاز العام كله في ساعة الطواريء وعلى أنه عينة تُمثل مسارات اتخاذ القرارات في القطاع العام كله. ان قطرة في البحر تمثل عند لندنشتراوس البحر: فاذا كان متخذو القرارات قد أخفقوا في علاجهم لحادثة محدودة جدا فكيف يكون فشلهم في مواجهة كوارث تتعلق بالاجهزة ومتعددة المراكز. أملى هذا التوجه التحليلي على مكتب مراقب الدولة نسبة المسؤولية عن الاخفاقات التي تم الكشف عنها في جهاز اطفاء الحريق واجهزة الطواريء الى السلطات العليا – وزير الداخلية ووزير المالية، فقد وجد ان الاثنين يتحملان "مسؤولية شخصية خاصة" عن اخفاقات الحريق. لكن اذا كان من المنطقي في حال وزارة الداخلية رفع التهمة الى ان تبلغ قمة الهرم، فليس الامر كذلك في حالة وزارة المالية، فاجهزة الاطفاء والانقاذ لا تخضع لسلطة وزير المالية. ولا تربط أي سلسلة قيادة الوزير شتاينيتس بمركز اطفاء الحريق في منطقة الكرمل أو في كل مكان آخر في البلاد. يُفسر العاملون مع المراقب نسبة المسؤولية "الخاصة" الى شتاينيتس بأنه كان يتوقع منه باعتباره يرأس الوزارة المسؤولة عن تخصيص الموارد المالية للدولة، ان يبادر الى مباحثات بين الوزارات بشأن مستوى الاستعداد المختل لاجهزة اطفاء الحريق، كما كان موظفو المالية يعلمون. وهذا التفسير المذكور آنفا لا يصمد، فلو كان هنا فشل في رؤية جهازية وطنية عامة فان رئيس الوزراء نتنياهو مسؤول عنه لا وزير من بين الوزراء. ويوجد ايضا الاختبار السهل للعقل السديد، فليس مما يخطر بالبال ان وزير المالية المسؤول عن ادارة سياسة الاقتصاد والميزانية يتحمل مسؤولية خاصة عن ادارة اجهزة الاطفاء أو كل جهاز عام آخر في الدولة ليس ملحقا بالمالية. وهذا تناقض خالص وعدم عدل سافر ظاهر للجميع. فتمسك مكتب مراقب الدولة بهذه النقطة سيحرف النقاش العام في هذا التقرير المهم من السمين الى الغث ومن البنيوي الى الشخصي ومن المبدئي الى غير ذي الصلة. لكن ظلم الوزير شتاينيتس لا يشبه ظلم وزارة المالية التي هي واحدة من أكثر الوزارات مركزية في العالم الغربي. فموظفوها في المستويات المختلفة يستعملون صلاحياتهم الميزانية للتدخل في قرارات جهات تراقبها وزارات اخرى مع البحث في أدق التفصيلات. ويكون التدخل احيانا سابقا على اجراء عزيز على قلوب هؤلاء الموظفين مع تتويجه بأنه "اصلاح" وهو يردع احيانا اجراءا آخر لا يساوق في رأي الموظفين روح ذلك الاصلاح. وهذه امور معلومة منذ زمن ولم تخضع لانتقاد الى الآن. والآن يأتي مكتب مراقب الدولة ويُقر معيارا جديدا وهو ان المتحكم بالميزانية يتحمل المسؤولية عن نتائج تحكمه، فاذا كان عامل في شعبة الميزانيات أو ممثل للمحاسبة العامة في مكتب حكومي معين يغلقان أو يفتحان صنبور تخصيص ميزانية بحسب مبلغ الاستجابة لمطالبهما، فانهما يتحملان ايضا المسؤولية عن اعمال الوحدة المحكومة واخفاقاتها. وهذان في رأي المراقب جانبا قطعة النقد نفسها. فالذي يغلق بأوامره طريق نقل ميزانيات تبلغ ملايين الشواقل للحفاظ على معدات اطفاء أو لشراء مواد تمنع الحريق، ينبغي ألا يُفاجأ حينما يجد مراقب الدولة انه يتحمل مسؤولية لا يستهان بها عن نتائج الاغلاق الكارثية. من المؤسف جدا ان هذا المذهب الجديد لمراقب الدولة الذي يستطيع ان يغير الى أفضل العلاقات بين وزارة المالية وسائر وزارات الحكومة سيختفي اليوم في عاصفة الفضيحة الشخصية حول التوصية الداحضة بعزل وزير المالية عن عمله.