القدس المحتلة سما نشر مركز "إعلام" مؤخرًا نتائج بحث شامل تناول مسألة "خطاب حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيلي". يفحص البحث، الذي عمل عليه كل من د. أـمل جمّال وخلود مصالحة، تغطية حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيليّ، وذلك من خلال استخدام أدوات كمّـيّة ونوعيّة. كما يتناول البحث درجة تعامُل الإعلام العبريّ مع الحقوق السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والدينيّة لمجْمَل مكوِّنات المجتمع الإسرائيليّ. ويعّد البحث رياديًا في المجال إذ لم يجْرِ التطرّق حتّى الآن إلى هذه القضية على نحوٍ مُرْضٍ ومنهجي. أُجرِيَ البحث في الفترة الواقعة بين الشهرين نيسان وتمّوز من العام 2011، وشمل عيّنة من وسائل الإعلام المركزيّة في إسرائيل: "يديعوت أحرونوت"؛ "معاريف"؛ "هآرتس"؛ "يسرائيل هَيوم"؛ "القناة الأولى"؛ "القناة الثانية"؛ "القناة العاشرة". على الرغم من عدم ضمّه لجميع وسائل الإعلام الإسرائيليّة، فإنّ اتّساع العيّنة، وكمّيّة التقارير التي جرت تغطيتها في هذا البحث، مكّنت من التوصّل إلى استنتاجات عامّة حول أنماط تغطية حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيليّ، لا سيّما على ضوء التشابه الكبير في الخطاب بين وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة. تبيّن من النتائج أن الإعلام الإسرائيلي يعالج قضايا ويطرح أحداثًا تتعلق بحقوق الإنسان دون التنويه إلى نوعية الحقوق أو انتهاكها، الشيء الذي يخلق انطباعًا خاطئًا. كما تبيّن أن الإعلام الإسرائيلي يعالج القضايا التي تحظى بشعبية ويؤكد على الحقوق العامة للمجتمع الإسرائيلي اليهودي، الشيء الذي يعكس تملقه للمجتمع لأسباب ترويجية-ربحية. كما وتبيّن من تحليل مضامين الأخبار في عينة البحث بأن الإعلام الإسرائيلي يتحفظ من استعمال خطاب ومصطلحات حقوق الإنسان لأسباب تتعلق بعدم شعبية هذا الخطاب في المجتمع الإسرائيلي، وبأنها لا تريد أن تظهر بحلة يسارية، حيث أن خطاب حقوق الإنسان يعتبر يسارياً ومناف للمصالح القومية في إسرائيل. القناة العاشرة الأكثر إهتمامًا بمضامين تتعلق بحقوق الإنسان ولكن بنسبة أقل من 50%! ومن المعطيات الكمية التي أظهرها البحث خلال الفترة المذكورة يظهر على أنه قد جرت مراجعة 1318 تقريرا في وسائل الإعلام المطبوعة فيما جرت مراجعة 267 تقريرًا في وسائل الإعلام المرئية (1585 تقريرا). حصّة القناة العاشرة كانت الأكبر في التطرّق إلى موضوعات تتعلق بحقوق الإنسان، حيث عالجت 45.68% من مجمل التقارير في هذه القناة مضامين وأخبار تتعلق بحقوق الإنسان (دون وضوح دعمها أو انتهاكها لحقوق الإنسان). تلتها القناة الأولى بنسبة 45.68%. حلّت القناة الثانية في المكان الثالث من حيث كمّـيّة التقارير التي تناولت مضامين ذات ارتباط بحقوق الإنسان، ووصلت إلى نسبة 40.9%. في الصحافة المكتوبة، تبوّأت صحيفة "هآرتس" المكان الأوّل في مقدار تغطية مواضيع تتعلق بحقوق الإنسان، حيث تناولت نسبة 21.23% من تقاريرها التي فحصتها العيّنة هذا الموضوع. حلّت صحيفة "يسرائيل هَيوم" في المكان الثاني، وبفارق غير كبير عن صحيفة "هآرتس"، وأظهرت العيّنة أنّ 20.74% من تقاريرها عالجت قضايا تتعلق بحقوق الإنسان. 18.6% من التقارير في صحيفة "معاريف" وَ 17.95% من التقارير في صحيفة "يديعوت أحرونوت" عالجت مضامين تتعلق بحقوق الإنسان. 384 تقريرًا فقط من مجمل العينة تناولت مضامين تعلق بحقوق الإنسان! كما ويُستشَفّ من البحث أنه من مجمل التقارير التي تم رصدها (1585 تقريرا) 259 تقريرًا صحفيًّا فقط، وَ 125 تقريرًا من النشرات الإخباريّة التلفزيونيّة، قامت بمعالجة مضامين تتعلق بحقوق الإنسان، أي بمعدّل 384 تقريرًا فقط! عندما يجري فحص عدد التقارير التي تعالج مضامين تتعلق بحقوق الإنسان في العيّنة بأكملها (384 تقريرًا)، يتبيّن أنّصحيفة "هآرتس" هي صاحبة المقدار الأكبر نشر تقارير تتعلق بحقوق إنسان (22.40%). اهتمام صحيفة "يديعوت أحرونوت" بحقوق الإنسان كان أقل ووصل نسبة الـ (21.88%)، وجرى نشر 14.58% من مجمل التقارير تتعلق بحقوق الإنسان في صحيفة "يسرائيل هَيوم"، ونُشرت نسبة 8.59% من التقارير التي تتعلق بحقوق الإنسان في صحيفة "معاريف". وتُبيّن من مراجعة الصحافة المرئيّة أنّ 11.72% من التقارير التي تناولت مضامين تتعلق بحقوق الإنسان عُرضت على شاشة القناة الثانية، بينما عُرضت نسبة 9.64% من التقارير تتعلق بحقوق الإنسان على القناة الأولى. 71% من تقارير حقوق الإنسان تتعلق بحق الإسرائيلي اليهودي فقط! تُظهر نتائج البحث أنّ غالبية التقارير المتعلّقة بحقوق الإنسان (71.1%) تطرّقت إلى حقوق الجمهور اليهوديّ، فيما تطرّقت نسبة 9.9% من التقارير إلى حقوق الجمهور الفلسطينيّ داخل إسرائيل، وتناولت نسبة 9.4% من مجمل التقارير اخبارا تعلقت بحقوق الإنسان الخاصّة بالفلسطينيّين سكّان الأراضي المحتلّة. 3.1% من التقارير تطرّقت إلى حقوق المستوطنين في الأراضي المحتلّة، وحظيت حقوق الفلسطينيّين في القدس الشرقيّة بتغطية لا تزيد عن 1.3% من مجمل التقارير. الإعلام الإسرائيلي يدعم كل فئات مجتمعه وينتهك حق الفلسطينيّ تبرز هذه المعطيات مدى الانشغال بحقوق الإنسان الخاصّة بالمجتمع اليهوديّ على مختلف أطيافه، وهامشيّة التقارير التي تُعالج حقوق مجموعات عينيّة داخل هذا المجتمع. تَبرز على نحو خاصّ هامشيّةُ الانشغال بحقوق الإنسان في مدينة القدس الشرقيّة، لا سيّما على ضوء الانتهاكات اليوميّة للحقوق هناك. علاوة على ذلك، لا تحظى انتهاكات الجيش الإسرائيليّ والمستوطنين لحقوق الإنسان باهتمام كبير في الإعلام الإسرائيليّ. في الحالات التي ظهر فيها تناول لحدث كهذا، لم تُظهر التقارير تأييدًا دائمًا للجهة التي انتُهكت حقوقها، ولا يجري النظر إلى حقوق هؤلاء كقيمة قائمة بذاتها، أو كتلك التي يُفترض فيها أن تخضع لاعتبارات قيميّة كونيّة. التغطية الإعلاميّة لانتهاك حقوق الفلسطينيّين تتأتّى من خلال المنظور الأمنيّ، لا من خلال منظور حقوق الإنسان. يذكر أنه وبحسب النتائج، خصّص الإعلام الإسرائيليّ صفحات كثيرة لتغطية الاحتجاجات في الشارع الإسرائيليّ، وتعامل مع نفسه في بعض الأحيان كجزء من هذه الاحتجاجات. الإعلام الإسرائيلي يدعم حقوق الفئات المسحوقة من مجتمعه تُظهر النتائج كذلك أنّ 9 مجموعات مختلفة تحظى بالاهتمام في التقارير التي دخلت عيّنةَ البحث. المجموعات هي: النساء؛ المسنّون؛ الأطفال؛ ذوو الاحتياجات الخاصّة؛ السجناء والموقوفون؛ المتضرّرون من هدم المنازل؛ المتضرّرون من إجراءات سياسيّة؛ العمّال الأجانب وآخرون. يُظهر على نحوٍ جليٍّ أنّ المجموعة التي حظِيَتْ حقوقها بالمعالجة الأعلى هي مجموعة المتضرّرين من إجراءات سياسيّة (36.2%)، تليها مجموعة السجناء والموقوفين (6.5%)، فالأطفال ( 5.7%)، ومن ثَمَّ النساء (4.9%). وفقًا للمعطيات يظهر أن الإعلام يميل نحو تأييد حقوق الفئات المسحوقة في المجتمع، كالنساء والمعاقين والمسنّين والأطفال وغيرهم. وعلى الرغم من أنّ تعامُل الإعلام الإسرائيليّ مع هذه المجموعات يميل نحو النـزعة المُقَوْلَبة، فإنّه لا يتجاهل حقوقها. الإعلام الإسرائيلي غير متصالح مع حقوق الإنسان بالإضافة إلى ما ذكر سابقًا فأنه من ابرز إستنتاجات البحث أيضًا تجاهُلَ الإعلام الإسرائيليّ للقانون الدوليّ والمواثيق الدوليّة التي صادقت عليها إسرائيل. كما وتظهر النتائج أنه ثمّة خشية مبطّنة لدى الإعلام الإسرائيليّ من استخدام خطاب حقوق الإنسان، أو مفردات تُستقى من عالم حقوق الإنسان. عوضًا عن ذلك، يجري استخدام مصطلحات عاطفيّة يُفترض فيها أن تستدرّ التعاطف، أو أن تخلق النفور من حدث أو سلوك معيّن. د. جمّال: الإعلام الإسرائيلي مساهم في تأجيج الصراع الفلسطيني- إسرائيليّ وفي تعقيبه على البحث يؤكد د. جمّال أن هذا البحث أظهر غياب خطاب ومصطلحات حقوق الإنسان في الإعلام الإسرائيلي، وسط طغيان للخطاب الأمني واستخفاف بمجموعات مختلفة، وعلى وجه الخصوص فلسطيني الـ48 والفلسطيني بشكل عام. ويشير إلى أن أهمية ومحورية حقوق الإنسان وتجذيرها في الخطاب الإعلامي من أجل بلورة رأي عام متعاطف مع حقوق الإنسان لها أهمية خاصة في السياق الإسرائيلي. ويضيف د. جمّال على أن الإعلام الإسرائيلي وبصيغته الحالية يساهم في تأجيج الصراع العربي الفلسطيني بتجنده التام للرواية الإسرائيلية المؤسساتية بطبيعة الحال. فمعطيات البحث تظهر تجاهُلَ الإعلام الإسرائيليّ للقانون الدوليّ والمواثيق الدوليّة التي صادقت إسرائيل عليها نفسها! كما وتظهر ليس فقط هامشية التعامل مع حقوق الفلسطيني عبر صفحات الإعلام، إنما مدى إنتهاك الإعلام الإسرائيلي لحقوق الفلسطيني بالمقابل دعمه القوي لحقوق الإسرائيلي.