خبر : زيارة القدس بين شدّ الرحال والترحال ...بقلم: رجب أبو سرية

الجمعة 20 أبريل 2012 12:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
زيارة القدس بين شدّ الرحال والترحال ...بقلم: رجب أبو سرية



لاشك أن الدعوة لزيارة القدس قد أحدثت صخباً في المحيط العربي، ربما أكثر من ذلك الذي يحدث في الوسط الفلسطيني نفسه، خاصة وأن تلك الدعوة قد بدأت أصداؤها في الظهور من خلال استجابة عدد من الشخصيات ذات الوزن والتأثير، خاصة من الناحية الدينية، وحتى السياسية. وحيث إن ما بين الخيط الأبيض والخيط الأسود ربما شعرة دقيقة، تشبه إلى حد ما شعرة معاوية الشهيرة، لذا فإن قدراً كبيراً من الحيرة ينتاب المواطنين المتابعين، والذين بسبب هذه الحيرة ربما يؤثرون عدم الاهتمام، وتجاوز الخبر الذي نقل أمر زيارة مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة، كما حدث من قبل مع الداعية اليمني الحبيب الجفري. ولأن الأمر يتعلق بالقدس، تحديداً، فإنه يستحق كل اهتمام، ليس فقط لأن المدينة تتمتع بمكانة دينية مقدسة لدى المؤمنين بديانات التوحيد الثلاث وحسب، ولكن لأنه لا دولة فلسطينية دونها، أي أنه دون القدس / عربية _ فلسطينية، صراع مرير وطويل الأمد، يعيده إلى مربعه الأول، أي إلى نفي أحد الطرفين للآخر، وحيث انه حتى لو استطاع الجانب الإسرائيلي نفي الفلسطينيين سياسياً، ونجح في إحداث تطهير عرقي للبلاد المتنازع عليها بينهما _ أي من البحر إلى النهر _ فان ذلك لا يعني نهاية المطاف، بل انه سيواجه بعدها الطرف العربي وربما حتى الإسلامي بأسره في صراع تناحري، حيث يستحيل أن ينجح في نفي عالم موغل في التاريخ وممتد في الجغرافيا وتعداده يفوق الثلاثمائة مليون نسمة. المهم أن دعوة الرئيس الفلسطيني قبل بضعة أشهر بشد الرحال إلى القدس، كانت بمثابة نداء استغاثة للعرب والمسلمين لإنقاذ القدس من التهويد الذي أوغل في التقدم، وبات على عتبة المحطة الأخيرة، وهي هدم مسجد قبة الصخرة، لإقامة الهيكل المزعوم مكانه، وكانت تلك الدعوة قد جاءت ضمن مؤتمر لنصرة القدس، عقد في العاصمة القطرية. كان يمكن للرئيس الفلسطيني أن يصمت وان لا يفتح الباب لهذا الجدل حول معنى زيارة القدس، الذي لاشك انه لا مجال للحل الوسط فيه، فهو إما يكون شداً للرحال إليها، على شكل نصرة عروبتها، ومواجهة جريمة التهويد، وإما رحيلاً إليها، يؤكد احتلالها، ويشرعنه بإقرار أصحابها بإمكانية "التعايش" مع الاحتلال، أي انه يمكن للمسلم والمسيحي أن يحجا إليها ويؤديا الشرائع السماوية دون مشكلة، في ظل سيطرة إسرائيلية عليها. أي أن الأمر بالغ الخطورة، وليس حلاً أن يتردد الناس عن فعل شيء، لأن من شأن ذلك أن يبقي على باب فعل التهويد مفتوحاً على مصراعيه، وحيث إن إسرائيل تسابق الزمن في هذا الوقت، مستغلة ما فيه الفلسطينيون من انقسام ونزاع داخلي، وما فيه العرب من انشغال بأحوالهم الداخلية زادت من عجزهم عجزاً وكذلك حال المسلمين لا يسر صديقاً ولا يغيظ عدواً، فإن الدعوة المشار إليها قد ألقت حجراً في بركة راكدة، وأحدثت هذا الصخب. لابد من التمييز أولاً بين الحظر الديني والسياسي عن زيارة القدس، فزيارتها للصلاة فيها أمر واجب استجابة لدعوة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، أما زيارتها لأغراض سياسية فهي تطبيع، أي يحظر أولاً وتحديداً أن يلتقي أي مسؤول عربي أو مسلم _ سياسي أو ديني _ أن يلتقي المسؤولين الإسرائيليين، في القدس، ثم لابد أن ينتج عن الزيارة تعزيز لصمود أهلها العرب، معنوياً ومادياً، وإظهار الطابع العربي / الإسلامي والمسيحي للمدينة، ومن ضمن ذلك عدم الحصول على إذن إسرائيلي للدخول إليها. طبعاً هنا لابد من الاقتراب من معنى شد الرحال للقدس، فلو كان بالإمكان مثلاً تدافع ملايين الفلسطينيين، العرب والمسلمين ليس فقط لدخول القدس وفلسطين، بل للإقامة فيها لكان الأمر جيداً، كذلك لابد من التمييز بين زيارات الرموز الدينية والمواطنين العاديين من العرب، حيث هناك آلاف من المصريين والأردنيين الذين يزورون إسرائيل سنوياً عبر الحصول على سمات الدخول من السفارات الإسرائيلية، وهذا يحتاج إلى موقف من قبل من يرفعون عقيرتهم ضد زيارة مفتي مصر أو الشيخ الجفري للقدس. لابد من التوقف عند مرافقة زيارة المفتي من قبل الأمير الأردني غازي بن محمد، ذلك أن دخول الشخصيات الأردنية من مستوى الأمراء _ الأمير غازي ومن قبله الأمير هاشم _ له دلالة بالغة، أهمها انه يعيد التذكير بسيادة الأردن الدينية على القدس، حيث لابد من انتزاع هذا الحق من الإسرائيليين على أقل تقدير، والحذر من أن يتنازع العرب كما تنازع الفلسطينيون من قبل فيما بينهم فتذهب ريحهم. أهم ما في الأمر هو إدراك أولاً أن المعركة على القدس باتت في مراحلها الأخيرة وعلى أبوابها، وتحت قبة الصخرة مباشرة، وليس حولها أو على أطرافها، وثانياً أن كل مؤتمرات نصرة القدس بما تضمنته من بيانات طارت في الهواء، فالقدس بحاجة إلى فعل، فإن لم يكن عبر ركاب الخيل، فبشد الرحال، وإن لم يكن بتعزيز البنية الداخلية فبإسراج قناديلها بالزيت العربي، أما التشدق بنصرتها دون تجهيز الجيوش لتحريرها، بل دون تحويل الأموال التي تقرّ في المؤتمرات، والاكتفاء برفع عقيرة التحريم في وجه من لا يمتلك مالاً ولا سلاحاً، ولديه الشجاعة فقط للصلاة فيها، فانه بات أمراً ممضاً، في وقت صار فيه الوقت من دم. وكل مسؤول يترفع عن الانضمام لمئات الآلاف من الناس، الذين يكافحون للصلاة كل يوم جمعة في القدس، فإنه يخرج من قلوب الناس بعد أن خرج من صفوفهم، فلنرفع إذا الشعار: "إليك يا مدينة الصلاة أصلي".