ان الجانب الذي يثير الاهتمام حقا في شأن زعرنة المقدم شالوم آيزنر هو شذوذه في الخطاب العام. فهو بمثابة الشاذ الذي يصدق القاعدة. فقد أصبح من الصعب ان نتذكر متى نجحت حادثة من مجال الاحتلال في ان ترتفع الى أعلى برنامج العمل الاخباري وان تبقى هناك عدة ايام على التوالي. والمتحفظون ومن يفرقعون بألسنتهم على حق: فهذا ما يزال جدلا اسرائيليا داخليا ينحصر بصورة متعبة في صورة الجيش الاسرائيلي والتصور عنه، ويلازم حادثة نقطية جرى توثيقها بالصدفة بدل حصر العناية في الصورة الكبيرة. لكن الانشغال بهذا الهجوم الوحشي يعطينا ايضا جانبا مباركا، على نحو تناقضي، فآيزنر بضربة واحدة أحدث صدعا في السور. حينما أُنشيء جدار الفصل صُور على أنه حاجز مادي يمنع دخول الارهابيين الى داخل الخط الاخضر. وكانت الحاجة الامنية حيوية، فلم يكن من الممكن الاستمرار في حياة مدنية في اسرائيل والمخربون المنتحرون يفجرون أنفسهم في التجمعات السكنية. وفي غياب عن النظر في مراحل الانشاء كان التأثير السلبي العظيم الذي سيكون للجدار في الوعي الاسرائيلي. وتبين منذ ذلك الحين ان جدار الفصل يُمكّن من العمى والتغطية على الحقائق وعدم الاكتراث ايضا. من الجيد جدا ان مواطنين اسرائيليين ما عادوا يموتون بعمليات تفجيرية بفضل السور. ومن السيء جدا ان السور يُمكّن ايضا من تجاهل الواقع الذي بقي في جانبه المظلم. وبنظرة تاريخية تُقدر الثمن العام لا يوجد يقين في صورة رجوح كفة الميزان. تحول سؤال استراتيجي من الطراز الاول عند أكثر الاسرائيليين الى نقاش فارغ من مضمون حقيقي واكاديمي ويكاد يكون مرهقا. ولم تعد المسافة "خمس دقائق عن كفار سابا" بل سنوات ضوئية عنها. جرت تصفية الحياة اليومية الملتهبة في صورة حقل خيالات: يوجد "احتلال" و"مناطق" و"فلسطينيون" و"مستوطنون" و"نشطاء يسار"، وكلهم يوجدون تحت جناح رعاية الجيش الاسرائيلي بعيدا عن العين وبعيدا عن القلب. ان التيار الاسرائيلي الرئيس فُصل عن الاحتلال واستجاب لذلك مبتهجا. وفي اسرائيل جدار الفصل فقط يمكن ان يخطر بالبال وجود رئيسة منتخبة لحزب العمل ترشح نفسها لرئاسة الحكومة، ترفض في ورع ان تُخرج من فمها كلمة سياسية واحدة. وفي اسرائيل تلك وحدها تستطيع نشيطات مثاليات مثل دفني ليف وستاف شبير مملوءات بالنوايا الخيرة مهما تكن، تسيير مئات الآلاف في الشوارع في دعوة الى العدل الاجتماعي وتغيير ترتيب الافضليات من غير ان يُذكر ولو بالاشارة الاحتلال وجوانبه الاخلاقية والاقتصادية والدولية. ان السور يعمي الاسرائيليين ويجعلهم حمقى احيانا حقا. وهم يتمدحون مرة بعد اخرى بكونهم أبناءا مختارين لـ "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط"، من غير ان يدركوا ان هذا القول وقف عند حاجز الفصل. لا توجد ديمقراطية شرقي السور بل يوجد نظام احتلال عسكري وجهاز تمييز على هيئة فصل عنصري، وأكثر من مليوني فلسطيني سُلبوا حقوق المواطنة الأساسية. ان ضرر السور عظيم. وقد كان يرمي الى ان يكون أساسا للحدود الدائمة الشرقية لاسرائيل، لكن الاسرائيليين بفضله ما عادوا متحمسين لرسم الحدود الدائمة والعودة الى أسرة الشعوب. وقد تلخصت المحادثات السياسية التي تمت هذا الاسبوع بين ممثلي الحكومة وممثلي السلطة الفلسطينية بتبادل رسائل. كان شعار مؤيدي الفصل في حينه: "هم هناك ونحن هنا وسلام على اسرائيل"؛ ويستطيع شعب اسرائيل بفضل السور ان يتخلى عن عفن السلام الزائد. وفي احيان نادرة فقط ينجم آيزنر ما ويُذكرنا بضربة واحدة بأنه توجد ظلمة فوارة كبيرة تحت كل هذه الراحة.