ان خيبة أمل ايران من تركيا باعتبارها وسيطا محتملا مع الغرب أخذت تقوى في الاسبوع الماضي وبدأت تبحث عن اماكن بديلة للمحادثات في الشأن الذري. ومدينة بغداد من الاماكن التي برزت. يبدو انه منذ أتمت الولايات المتحدة سحب قواتها في نهاية 2011 أصبحت ايران تشعر أكثر فأكثر بالراحة من جهة دبلوماسية في العاصمة العراقية. في كانون الثاني 2012 اقتُبس في الصحف العربية من كلام قائد قوات القدس من الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني يتبجح بأن ايران تسيطر اليوم على جنوب لبنان والعراق. وكتب الدكتور عامل الحزاني، وهو استاذ جامعي في جامعة الملك سعود في الرياض، في صحيفة "الشرق الاوسط" في الـ 28 كانون الثاني 2012 أنه "حتى الساسة السنيون في العراق اعترفوا في استسلام بأن قوات القدس هي الحاكم غير المعترض عليه على شؤون العراق". اذا كان هذا هو الوضع اليوم فان خطط الولايات المتحدة لبناء سلاح الجو العراقي الجديد يجب ان تثير القلق. قال ضابط رفيع المستوى في الجيش الاسرائيلي ليعقوب كاتس، المراسل العسكري لصحيفة "جيروزاليم بوست" ان اسرائيل تتابع بقلق زائد تقارير استخبارية تشير الى ان الحرس الثوري يعزز موطيء قدمه في العراق. ومخاوف اسرائيل سببها استقرار رأي ادارة اوباما على تنفيذ بيع 36 طائرة اف16 متقدمة من طراز بلوك 52 جرى عليها تطوير تشبه ما يباع لاسرائيل. بحسب التقديرات يحتاج العراق الى 6 تشكيلات جوية مقاتلة كي تدافع عن مجالها الجوي وهو شيء قد يفضي الى قوة تبلغ 78 طائرة الى 96. في هذا الوقت لا يتوقع قائد سلاح الجو العراقي ان تصبح طائرات اف16 التي يتسلحون بها عملياتية قبل سنة 2015، لكن رئيس الوزراء نوري المالكي يضغط من اجل اتمام المهمة في 2013. توجد تقارير تقول ان الولايات المتحدة تنوي خفض مستوى تطوير نظم السلاح التي ستأتي مع طائرات اف16 العراقية، لكن الحديث عن تغييرات يمكن اصلاحها بسهولة. فعلى سبيل المثال يبدو ان العراقيين في هذه المرحلة سيضطرون الى الاكتفاء بصواريخ جو – جو من طراز إي.آي.ام – 9ام ولن يحصلوا على إي.آي.ام – 9 اكس، لكن لا سبب يمنعهم من شراء صواريخ أكثر تقدما في المستقبل. يمكن مع التغلغل الايراني الذي يزداد داخل العراق ان نتوقع في المستقبل تقارير عن طيارين ايرانيين يتفحصون طائرات اف16 الجديدة بقصد تطوير وسائل دفاعية مضادة لطائرات غربية ونظم سلاحها. وفي هذه الظروف لا يمكن ان ننفي امكانية انتقال التقنية الامريكية الى ايران. فاذا كان يعتقد أحد ما في البيت الابيض ان العراق القوي سيكون وزنا معادلا لايران فهو يخطيء خطأ شديدا. ان بيع سلاح الجو العراقي سلاحا ينشيء معضلة بالنسبة للولايات المتحدة. فبيع السلاح هو طريقة الولايات المتحدة التقليدية لانشاء علاقة موالية لامريكا بين هيئة الضباط العليا للجيوش العربية. وفي وقت مبكر من هذا العام وصل طيارون عراقيون الى قاعدة سلاح الجو الامريكي في توسون في أريزونا كي يبدأوا دراسة كيف يستعملون طائرات اف16 وهم ينشئون علاقات بمرشديهم الامريكيين. واليوم في مصر، مع صعود الاخوان المسلمين، ساعد الوقت الذي أنفقته الولايات المتحدة على تعليم الجيش المصري وتسليحه وتدريبه، بلا شك، في الحفاظ على التوجه الغربي هناك. لكن من جهة اخرى ليس تطوير علاقات قريبة بضباط اسلحة جو عربية ضمانا للولاء السياسي لدولهم في المستقبل. ففي ايران بعد سقوط الشاه أجرى آية الله الخميني عمليات تطهير بين ضباط القوات الايرانية المسلحة. وفي تركيا أمر رئيس الوزراء اردوغان باعتقال عشرات الضباط الأتراك ممن خشي من أنهم قد يُحدثون انقلابا على الحكومة الاسلامية. وفي العراق أصبح الحرس الثوري الايراني موجودا على الارض في حين ان الولايات المتحدة موجودة على مبعدة آلاف الكيلومترات، ومع حضور محصور في سفارة مضيقة في بغداد. ليست اسرائيل هي الدولة الوحيدة التي قد تتعجب من التسليح الامريكي لسلاح الجو العراقي الذي يلوح في الأفق في السنين القريبة، بل يجب على العربية السعودية ايضا ان تكون قلقة من بناء القوة العسكرية العراقية. فهاتان الدولتان من جهة سياسية تنتميان الى محورين متنافسين في العالم العربي. وليس العراق مواليا لايران فقط بل يؤيد ايضا نظام بشار الاسد في سوريا والدليل على ذلك ان رئيس الحكومة المالكي رفض طلب الولايات المتحدة اغلاق المجال الجوي العراقي أمام طائرات ايرانية تعمل على تسليح سوريا وفضل ان يساعدها. ان العربية السعودية هي العدو المركزي لايران في العالم العربي ولنظام الاسد. وستضطر العربية السعودية في موازاة تعميق الفروق السياسية مع بغداد الى الرد على قدرات عسكرية عراقية جديدة لم تضطر الى مجابهتها منذ 1990 على طول حدودها الشمالية. وسيُمكّن الواقع الجديد ايران من ان تحدق بالعربية السعودية وتضغط عليها من ثلاثة اتجاهات: من البحرين في الشرق واليمن في الجنوب والعراق في الشمال. ستضطر اسرائيل الى ان تتابع بحذر التحولات السياسية والعسكرية في العراق وعلى طول الجبهة الشرقية وان تهتم بألا يكون هناك اضرار بالتفوق النوعي لسلاح الجو الاسرائيلي في العقد القريب. لم تكن قوات عراقية حاضرة في توازن القوى الاستراتيجي في الشرق الاوسط مدة عشرين سنة. وتأمل الحكومة العراقية فوق الاستثمار في سلاحها الجوي ان تنشيء جيشا بريا فيه 14 فرقة وهي تشتري ايضا دبابات من الولايات المتحدة. لكن لا يهم كم ستحاول واشنطن السيطرة على الأحداث في الدولة التي حكمها جيشها ذات مرة بل عليها ان تفهم ان ايران الآن وللأسف الشديد يلوح أنها القوة المهيمنة على بغداد وستكون هي العامل الذي سيحدد في نهاية الامر الأهداف الاستراتيجية للجيش العراقي في المستقبل.