ما هي الدولة المجنونة؟ وما هي الدولة التي يجب ان يُخاف منها ان يستقر رأيها على عمل شيء سيء الذكر؟ وما هو الحد الدقيق بين دولة عقلانية ودولة مجنونة؟ ان عالم مفاهيم الغرب في كل ما يتعلق بجنون الدول يختلف عما تُعرفه دول الشرق الاوسط أنه جنون. ترى سوريا أو مصر انه يمكن اطلاق النار على متظاهرين يطالبون بحقوقهم الطبيعية من اجل بيان من هو "رب البيت" في الدولة، في حين ان هذا الفعل في اوروبا وفي الولايات المتحدة وفي "العالم المتنور" بعامة يبلغ حد الجنون الحقيقي. يرى الغرب ان ايران من جهة مجنونة لأن كل ارادتها مصروف الى احراز القدرة الذرية مع كون هذه الارادة تأتلف مع ارادتها "محو اسرائيل" عن الخريطة (وربما عدد آخر من الدول). ومن جهة ثانية ما يزال الغرب يراها، أو يريد أن يراها، دولة عقلانية ربما تريد احراز قدرة ذرية لكن من المؤكد انها لا تريد استعمالها. كيف ترى ايران نفسها؟ هل العاملون في الداخل فيها يرون أنفسهم دولة مجنونة تنازع العالم كله وتحكم على نفسها بعقوبات اقتصادية صعبة جدا؟ أم يرون العالم "المستنير" عالم دول مجنونة، تريد وقف ايران عن ان تصبح قوة عظمى. ان المنطق الداخلي عند دول الشرق الاوسط ومنها ايران هو كما قلنا منطق يختلف تمام الاختلاف عن السائد في الغرب. ان ايران ترى ان العالم الغربي برعاية اسرائيل (العالمين المسيحي واليهودي) يرى صعودها لتصبح قوة عظمى مسلمة "شرا مريضا" ينبغي قمعه ومنعها من النجاح الاقليمي والعالمي. وهذا جنون من وجهة نظر ايران. في الخطب الكثيرة للزعيم الروحي آية الله خامنئي (وسلفه آية الله الخميني) والرئيس الايراني احمدي نجاد تتكرر موضوعة ان "العالم لا يفهمنا" أو "انهم (الغرب) لا يفهمون التغيير الذي جرى على العالم" وبخاصة "ما جرى على العالم الاسلامي". أي أن القيم المضطهدة (حقوق الانسان والديمقراطية) أصبحت قيم تنور برعاية اسلامية. اجل، يبدو هذا بيقين ساخرا ومبلبلا. ان نظام المفاهيم بحسب ايران المسلمة يختلف عما يعرف الغرب أو يريد أن يهبه للعالم. ومن هذا، حينما يقول رئيس الاركان العامة الامريكي "إننا نصدر عن افتراض ان ايران هي لاعبة عقلانية في المنطقة"، و"إننا نعلم ايضا أو نؤمن بأننا نعلم، بأن النظام الايراني لم يبلغ بعد الى قرار تركيب سلاح ذري"، فانه يزعم في واقع الامر أننا نعلم لكننا نخشى ان نعلن هذا على رؤوس الأشهاد لأننا سنضطر آنذاك الى العمل على مواجهة ايران وهو أمر لا يلائمنا في سنة الانتخابات التي أخذت تقترب. ان الجنرال دامبسي على حق في النقطة التي يزعم فيها ان "ايران هي لاعبة عقلانية في المنطقة". فايران عقلانية جدا، في نظرها. فهي ترى ان العقلانية هي احراز قدرة ذرية لتقوية مكانتها باعتبارها قوة اقليمية بمنزلة البدء ولتصبح في مراحل متأخرة قوة عظمى دولية. والسؤال الجوهري هو ماذا سيحدث اذا أصبح عندها وحينما يصبح عندها قدرة ذرية. أي هل تستعمل ايران هذه القدرة على اسرائيل أو على بعض الدول العربية أو الغربية؟. ان افتراض العالم الغربي هو ان الجواب بـ نعم. فايران ستستعمل السلاح الذري اذا ملكت هذا السلاح. في حين ترى العقلانية الايرانية ان السلاح الذري مطلوب فقط من اجل الدفاع عن النفس ومن اجل الجهاد الذي هو في واقع الامر دفاع عن العالم الاسلامي. نقول في الخلاصة ان هدف ايران هو ان تصبح لاعبة قوية في المنطقة وهي ترى ان احراز السلاح الذري وسيلة لذلك.