لا يزول الجدل في ميزانية الدفاع عن جدول الاعمال. فالمعركة بين وزارتي المالية والدفاع نشبت بقوة ويبدو ان كل اتفاق سيتوصل اليه رئيس الحكومة هو بداية مرحلة جديدة من المعركة. ولكي نفهم لماذا يحدث هذا يجب ان نُفرق بين ثلاث قضايا مختلفة مطروحة للنقاش. تتصل القضية الاولى بموضوع النقاش نفسه. ان المالية تحاول اجراء نقاش في الميزانية، وتريد وزارة الدفاع اجراء نقاش في الأمن. ويمتنع الطرفان، مثل رئيس الحكومة نفسه ايضا، عن اجراء النقاش الصحيح الذي يتناول العلاقة بين الاثنين، بين الميزانية والأمن. وهذا النقاش يقتضي ان توضع على المائدة عناصر بناء القوة الرئيسة، والى جانب كل واحد منها ثمنه. تشتمل عناصر بناء القوة على حجم القوة المقاتلة (عدد الطائرات وعدد الدبابات وما أشبه)، وعلى مستويات الاحتياط من الذخيرة وقطع الغيار وعلى خطط شراء أو تطوير لمشروعات مركزية. ولكي يتم هذا النقاش بصورة تعبر عن أهميته يجب على المجلس الوزاري المصغر أو على الحكومة كلها ان تجتمع في دورة دراسية مدتها ثلاثة ايام وان تناقش بجدية مسألة هل قدرة عملياتية ما هي حيوية حقا أم تمكن المخاطرة والتخلي عنها وصرف الميزانية الموفرة الى أهداف مدنية أهم. وما لم يجر هذا النقاش فستظل المالية تزعم ان تقليص ميزانية الأمن صحيح وستظل وزارة الدفاع تزعم ان الجيش الاسرائيلي لا يستطيع ان يتدرب، أو أنه يضطر الى وقف انتاج نظم ضرورية مثل "القبة الحديدية". وتتناول القضية الثانية العلاقة بين القرارات ووقت تنفيذها. ان الجهاز السياسي يعمل دائما لأمد قصير وبناء القوة العسكرية مسيرة بعيدة الأمد. تستطيع الحكومة ان تتخذ قرار تقليص بضعة مليارات من ميزانية الدفاع وان تأمر بتنفيذ ذلك بعد خمس سنين. ويمكن الجدل في صحة القرار أو عدم صحته، لكن المدة الزمنية تُمكّن من تحقيقه على الأقل. وفي مقابلة هذا حينما يحاولون اتخاذ قرارات تطبيقها فوري يتوصلون الى نتائج متناقضة لأن الشيء شبه الوحيد الذي يمكن فعله في هذه المدة القصيرة جدا هو الاقتطاع من التدريبات. وهذا ما حدث في السنوات التي سبقت حرب لبنان الثانية، وأسفنا جميعا بعد ذلك لهذا كثيرا. وتتعلق القضية الثالثة بموضوع "الشفافية". ان المالية تزعم انه يوجد في الجيش الاسرائيلي إسراف كثير، لكن حينما تُسأل أين يوجد ذلك الاسراف يصعب عليها ان تجيب متعللة بأن "الجيش يخفي معطيات". ويزعم الجيش ان ما تريده المالية ليس شفافية بل سيطرة على القرارات وأنه لن يساعد على هذا. فأيهما المحق؟ ان الطرفين في الحقيقة مخطئان ومضللان لأنه يُحتاج الى الشفافية حقا لكن لا كتلك التي تريدها المالية ولا أمام من تريدهم المالية – في الأساس. يُحتاج الى شفافية بمعنى ان الحكومة (أو المجلس الوزاري المصغر) هي التي يجب ان تعلم وان تفهم وتقتنع بأن كلفة الموضوعات الرئيسة عدل كما يزعم الجيش. ويجب على مقر الامن القومي لا وزارة المالية ان يُعد هذا النقاش الذي يُطلب فيه الى الجيش ان يعرض بشفافية بنية نفقاته. ما لم تقرر الحكومة ورئيسها اجراء النقاش الصحيح في ميزانية الأمن، في الحلقة الصحيحة والوقت الملائم، سنظل نشهد المشاجرة التي لا تنقضي بين وزارة المالية ووزارة الدفاع. ويفترض ان يتفحص هذا النقاش هل كلفة كل واحدة من القدرات العملياتية المركزية هي كما يزعم الجيش حقا، واذا كان الامر كذلك فهل من العدل الابقاء عليها مع كلفتها. ويوجب هذا النقاش على الوزراء تحمل المسؤولية عن قراراتهم، ويبدو ان هذا هو السبب الرئيس لكون هذا الامر لا يتم أبدا.