اتفاق أبو مازن – مشعل لاقامة حكومة وحدة فلسطينية يقضي تماما على الاحتمال الرهيب في اقامة دولة فلسطينية في حدود خطوط 67 لهذا الحد أو ذاك، مثلما يطلب منا العالم. إذ في هذه الاثناء يعلن في طهران رئيس وزراء حماس اسماعيل هنية بان الفلسطينيين لن يتخلوا ابدا عن ذرة واحدة من أرض فلسطين من البحر وحتى النهر. وحتى لو تنازلوا تجاه الخارج فواضح أنهم لن يتنازلوا حقا، ولا يحتمل أن يكون هناك شك بالحد الادنى في قلب أحد واعٍ بانهم معنيون بوراثة اسرائيل والحلول محلها. واذا ما حصل هذا، فليحفظنا الرب، فحقا من غير الموصى به الرهان على السلامة الجسدية لليهود الذين لن يسارعوا الى الطيران من أمام العيون. انظر المذبحة في سوريا. ونحن حتى لسنا عربا. إذن مع من وعلى ماذا يمكن الحديث؟ لو كان هناك قليل من الفهم لاسرار الزعماء العرب على اجيالهم؛ لو عرفوا كيف يحللوا السياقات التاريخية؛ لو نظروا الى الواقع الاسرائيلي المحوط بـ 200 مليون عربي من الخارج (ومليون عربي ونصف داخل اسرائيل)، لكانوا فهموا كم سهل ابتلاع اسرائيل بالذات في شروط السلام؛ وبالاساس لو كانوا فهموا بان اتفاقات السلام لا تلزم أحدا، لسارعوا الى التوقيع على كل اتفاق يعرض عليهم في كل مرة مع اسرائيل. معظم الاحتمالات في حينه ان اسرائيل كانت ستدخل في سياق من التفتت المتسارع، حتى بفضل الحركة الحرة بين اسرائيل والدول العربية. وماذا يضيرهم اذا وقعوا؟ وقعوا. فماذا في ذلك؟ دوما يمكن خرق الاتفاقات مثلما فعل هتلر مع زعماء اوروبا عشية الحرب العالمية الثانية وفي اثنائها ("سأكتفي بقطاع السودات والنمسا وتشيكوسلوفاكيا"، وعد، بل ووقع على اتفاق عدم اعتداء مع الاتحاد السوفييتي. فماذا في ذلك؟ في اللحظة التي بدت له الظروف مريحة، خرق كل الاتفاقات وكل الوعود). أفلا يستطيع العرب عمل ذات الامر؟ ماذا يهمهم لو وقعوا؟ الاغلبية التلقائية في الامم المتحدة ستبقى تلقائية في صالحهم. والاخوان المسلمون اعلنوا هذا الاسبوع بالذات انهم سيراجعون اتفاق السلام مع اسرائيل، اذا لم يواصل الامريكيون بتزويدهم بالمؤن في شكل أكثر من مليار دولار في السنة. فماذا اذا كانوا وقعوا. تصوروا ان العرب كانوا وقعوا على اتفاق التقسيم في 1947. فهل كان سيبقى شيء من اسرائيل لو لم يخرج 5 مليون لاجيء فلسطيني هم اليوم خارجها، منذ البداية وكانوا سكنوا البلاد التي بين البحر والصحراء وشكلوا أغلبية عربية كثيفة في بلاد اسرائيل؟ وتصوروا ان العرب كانوا استجابوا لاقتراحات رابين – باراك – اولمرت، وكنا انسحبنا من معظم المناطق: أتتصورون أي حرب أهلية فظيعة كانت ستقع هنا حول المحاولة المجنونة لطرد عشرات الاف المستوطنين (على الاقل) وحول القدس وحول مشكلة اللاجئين (التي وافق اولمرت على أن يدخل في المرحلة الاولى بضع الاف منهم الى اسرائيل وتحويلهم الى مواطنين اسرائيليين! بمعنى مقترعين للكنيست التالية. يا له من رهيب). ولكن لا. العرب لا يوافقون على شيء. من جهة، لا يوافقون على التوقيع على أي اتفاق سلام لا يعطيهم كل شيء (وهذا لسعادتنا، والا كنا أعطيناهم تقريبا كل شيء، وبقينا مع لا شيء وفي خطر الابادة الفورية). ومن جهة اخرى، حتى عندما يوقعون فليس لديهم مشكلة في أن يخرقوا. أوليس واضحا مثلا بان مصر هي المسؤولة، قانونيا وعمليا، عن كل المشاكل التي لنا في الحدود الجنوبية: عن الارهاب من غزة (إذ لم تمنع تهريب السلاح الى القطاع)؛ عن عمليات الارهاب من الحدود الجنوبية (انظر العملية الفظيعة الاخيرة في منطقة ايلات)؛ عن الاف المتسللين الى اسرائيل كل شهر (إذ واضح للجميع ان اتفاق السلام مع مصر يلزمها بمنع التسلل الينا)؛ عن محاولة الفتك التي كادت تقع ضد الحراس الاسرائيليين في السفارة في القاهرة وغيرها وغيرها. ولن المصريين يخرقون ونحن نسكت. إذ ليس لطيفا. إذ مخيفا لنا ان نكون صغارا ومنعزلين في قلب العالم العربي، ونحن نبحث عن اصدقاء. حتى الاصدقاء الذين يكرهوننا مثل المصريين. أوليس أفضل عدم القتال المتواصل لنحو أربعين سنة مع سوريا؟