خبر : صياد القصص قتل في أثناء أداء تقريره/بقلم: سمدار بيري/يديعوت 19/2/2012

الأحد 19 فبراير 2012 01:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
صياد القصص قتل في أثناء أداء تقريره/بقلم: سمدار بيري/يديعوت 19/2/2012



 لاحظت فورا انطوني شديد في أروقة وزارة الخارجية المصرية. متماسك ومصمم، مع دفتر مفتوح دوما، وعينان طيبتان. في اطار العصبة الكبيرة من الصحفيين، لم يقرر اذا كان سيتحدث معي بسبب سياسة المقاطعة للصحفيين الاسرائيليين أو أن يتحدث مع بالذات بسبب تلك المقاطعة، ليثبت بانه لا يشارك في اللعب. في لحظة معينة، امام عشرات الفضوليين، دفع الى يدي ببطاقة تحمل رقم هاتفه، واقترح الذهاب لاحتساء القهوة. شديد أراد أن يسمع كيف يحصل ان وزير الخارجية المصري (عمرو موسى في تلك الايام) يتحدث عن فضائل السلام، والرئيس (في حينه مبارك) يجري مقابلة مع "يديعوت احرونوت" ويدعي بان "العلاقات بيننا تجري كما ينبغي". اروي لي – ضغط بان أقدم له نماذج من الميدان – في الميدان الامر معاكس والجميع يقاطعونكِ، كيف يمكن العمل في اجواء معادية بهذا القدر. منذئذ، بين الحين والاخر التقينا، او كان يهاتف في حديث لزملاء مهنة. دون "كيف الحال"، دوما يطلق الاسئلة، يتبرع بالتفاصيل للقصص التي ستحدث عناوين رئيسة.  في نظري، انطوني شديد كان كبير الصحفيين الامريكيين في العالم العربي. صحفي بدون ادعاءات، صب الكثير من الروح في التقارير من الاماكن الاكثر خطرا. ركض نحو القصة، حرص على ادراج شهادات، هزأ من بيانات الناطقين. لم يظهر في أي مرة بوادر خوف. حتى عندما اصيب بعيار قناص اسرائيلي في رام الله، عندما قصف بيته المستأجر في بغداد او عندما اختطف في ليبيا على أيدي الموالين للقذافي – ولم يطلق سراحه الا بعد اسبوع، فيما هدد خاطفوه باعدامه.  شديد لم يرتح للحظة، بين تونس، القاهرة، افغانستان، الضفة الغربية وبالاساس العراق، الذي تقاريره منه حققت له جائزتي بوليتسر. واحدة في 2004 وواحدة قبل سنتين.  جاء من اوكلاهوما الى مصر، ابن مهاجرين من لبنان، لتعلم العربية، واجتذب الى وسائل الاعلام. مع العلم الهائل الذي جمعه، ولغته التصويرية، كان بوسع شديد أن يقرر بانه سيغرق في الكرسي بصفتح محللا، او يطلب ان يكلفوه بمهام هادئة في اوروبا. ولكن الرياح في العالم العربي سحرته. الرجل الصغير في الاماكن الاكثر بعدا اصبح بؤرة القصص التي بعث بها الى "واشنطن بوست" او "نيويورك تايمز". ببصمة عينه، رسم شديد الاحتدام في الميادين حتى قبل أن يخرج المتظاهرون لاسقاط الدكتاتوريين.  موته الفظيع، فقط ابن 43، جاء في يوم الخميس ليلا على سبيل الاختطاف، ليثبت بان المهمة الصحفية يمكنها أن تقتل حتى بدون رصاص. شديد ومصر "نيويورك تايمز" تايلور هيكس استرقا الحدود الى سوريا، للتبليغ عن الذراع العسكري لمعارضي النظام في دمشق. عندما انتهت المهمة قررا السير في اعقاب قافلة جياد نحو الحدود مع تركيا، إذ كان خطيرا قطع الطريق الطويل في سيارة.  لسوء حظه، شديد، المريض بالازمة، طور حساسية للجياد، تعرض لنوبة شديدة، ولم ينجح في الوصول بسلام الى المستشفى خلف الحدود. في الشهر القادم سيصدر كتابه (الثالث)، "البيت الحجري" ليغلق دائرة حياته. شديد وجد الوقت للعودة الى جذور عائلته في مرجعيون في جنوب لبنان، رمم بيت جده، وعرض، كما هو دوما، وصفا حيا وانسانيا للعلاقة التي نسجت بينه وبين سكان القرية، مع المقاول الذي نغص عيشه، مع حلمه في أن يجلب معه الى هناك في أحد الايام ابنته البكر. ليس مؤكدا أنه خطط لان يترك كل شيء خلفه ويستقر في لبنان. فهذا ليس مناسبا لشديد في منتصف حياته الانسانية والمهنية. من عرفه عن كثب، نزيه، سخي وودي، يعرف كيف أنه تمزق دوما بين الغرب والشرق، بين حب الحياة والمحادثات مع حكماء الاسلام الشيعي. سأتذكره ايضا بفضل جملة واحدة توجز، كما قال، مهمة الصحفي الذكي: أن يرى، يحقق ويستوعب، يكتب قليلا ويصف كثيرا – وأبدا لا يقبل الامور كما تبدو على السطح.