الانتاج التلفزيوني المركب في المفاعل النووي الصغير في طهران جاء ليدق طبول العزة الوطنية امام الشعلة المنطفئة للمجتمع الايراني. ايران هي دولة ذات اقتصاد متحطم، مع طوابير طويلة من المواطنين الذين يسحبون المال من البنوك، مع هبوط قيمة العملة بـ 50 في المائة في غضون بضعة اسابيع. وأمام هذا الواقع البشع، انتج الايرانيون صورا ترمي الى اثارة العواطف الوطنية الداخلية: جوقة الرجال على المنصة في المفاعل النووي تنشد أناشيد طويلة عن شرف القمصان البيضاء، عائلات الشهداء التي تضغط على ازرار أجهزة الطرد المركزي وتمجد المحاولة المقدسة للحصول على النووي، صور العلماء موضع الاعجاب ممن ضحوا بحياتهم في سبيل أجهزة الطرد المركزي. مفهوم أن البيانات نفسها عن أجهزة الطرد المركزي المتطورة وعن قضبان الوقود بانتاج محلي لم تفاجيء أحدا في الغرب. فقد حاول الايرانيون ان يظهروا بانهم يبولون من فوق، ولكن الاخبار بدت كاعادة لاخبار قديمة لاغراض داخلية. اما ما فاجأ بالفعل، ويستحق انتباها اقصى، فهو النبرة الكفاحية، المريرة والثائرة للرئيس الايراني. فليس في كل يوم يعرض أحمدي نجاد على الولايات المتحدة وحلفائها "التعفن" مع "الخيارات على الطاولة"، الصيغة التقليدية لبراك اوباما. وليس في كل يوم يتحدث رئيس ايراني عن الامريكيين بهذا الشكل الفظ ("زعران... هم لا يريدون لاي أمة ان تتقدم، باستثنائهم")، فيما يذمهم على محاولتهم منع انتاج الوقود النووي في ايران. "حذرتهم"، قال الرئيس الايراني، "حين قالوا انهم لن يعطونا وقودا نوويا، قلت لهم ان هذا خطأ جسيم، وان ايران ستنتجه بنفسها". هذه التبجحات، بعضها محقة، اخرى مبالغ فيها والباقي كاذبة، هي تعبير عن الضعف وليس عن القوة. دليل على توتر شديد في القيادة الايرانية، التي تتصدى في الايام الاخيرة للحرج الهائل الذي سببه فشل العمليات ضد اهداف اسرائيلية. الايرانيون في حالة ضغط شديد، يخشون على وضعهم الاقتصادي غير المستقر، لدرجة أنهم مستعدون للتوقيع على اتفاق مهين مع الهند يقرر بان هذه تدفع لهم بالروبيات - بالروبيات - لقاء النفط الايراني النوعي، الذي لم يعد الغرب مستعدا لان يشتريه. معنى قبول مقابل بالعملة الهندية هو أن الايرانيين سيضطرون الى استخدامها لمشترياتهم من الهند فقط – قيد خطير. وهكذا فان الايرانيين يشعرون منذ الان بالطريقة التي بدأت فيها دول آسيا الكبرى، وعلى رأسها الصين والهند بابتزازهم واستغلال عزلتهم في العالم. وحتى صفقة الابتزاز هذه، المهينة، كانت هذا الاسبوع في خطر بسبب التورط في نيودلهي وبانكوك. لعل الايرانيون يبولون من فوق، الا انهم يبثون الخوف اساسا.